مهمة «كوشنر» المستحيلة للسلام فى الشرق الأوسط... بقلم : عبدالمحسن سلامة

 

منذ عام 1948، ومصر تقدم كل الدعم للقضية الفلسطينية، وشاركت فى الحروب كلها من أجل القضية الفلسطينية، ولم تقدم دولة أخرى مثلما قدمت مصر لهذه القضية منذ بداية الصراع العربى الإسرائيلى وحتى الآن.

شاركت مصر فى كل الحروب التى اندلعت بسبب الصراع العربى الإسرائيلي، وفى الوقت نفسه مدت يدها بالسلام من أجل إيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية وقت أن أطلق الرئيس الراحل السادات مبادرته الشهيرة، إلا أن التردد والارتباك والشكوك أضاعت الفرصة الذهبية.

الأسبوع الماضى شهد تحرك جاريد كوشنر كبير مساعدى الرئيس الأمريكى ترامب وعدد من الدبلوماسيين الأمريكيين من أجل إحياء المفاوضات بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلي، بعد أن أصيبت بالسكتة القلبية، بسبب تصرفات الإدارة الأمريكية وانحيازها المطلق لإسرائيل، وجاء قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس لينهى كل الآمال المحتملة لدور أمريكى فى السلام بالمنطقة خلال المرحلة المقبلة.

الرئيس عبدالفتاح السيسى كان واضحا حينما أكد خلال استقباله الوفد الأمريكى دعم مصر الجهود والمبادرات الدولية الرامية للتوصل إلى تسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية طبقا للمرجعيات الدولية، وعلى أساس حل الدولتين، وفقا لحدود 1967، تكون فيه القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، مشيرا إلى أن حل هذه القضية المحورية يوفر واقعا جديدا، ويساعد فى تحقيق الاستقرار والأمن لمختلف دول الشرق الأوسط.

هذه هى الرسالة التى وضعها الرئيس عبدالفتاح السيسى أمام المبعوث الأمريكي، فمصر تريد السلام، وهى أول من أقدمت على السلام مع إسرائيل، لأنها تعرف أهمية السلام وضروراته، لكنها فى الوقت نفسه لن تقبل بغير السلام العادل والشامل الذى يضمن حق الفلسطينيين فى إقامة دولتهم المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

الإدارة الأمريكية منذ فترة طويلة تطلق تصريحات بين آونة وأخرى حول السلام فى المنطقة وما يعرف بصفقة القرن المحتملة، وإحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لكن حتى الآن ليس هناك ملامح محددة لهذه الصفقة، وكلها مجرد شائعات وتخمينات، وبالتالى لايمكن الحكم على هذه الصفقة، وإمكان قبولها من عدمه.

مواقف ترامب المنحازة لإسرائيل دائما أسهمت فى زيادة القلق لدى الفلسطينيين من الإدارة الأمريكية، وعمقت الشكوك حول قدرة تلك الإدارة على تقديم رؤية متوازنة وعادلة للسلام فى الشرق الأوسط، خاصة بعد قرار الرئيس الأمريكى ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس.

صحيح هذا القرار كان موجودا منذ فترة طويلة وكان يتم تأجيله من جانب الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين، إلا أن ترامب انحاز إلى إسرائيل بشكل فج وقام بتنفيذ القرار، ليؤكد الشكوك حول مصداقية الإدارة الأمريكية الحالية، وكونها لم تعد وسيطا أمينا للسلام فى المنطقة، لأن الوسيط لابد أن يكون غير منحاز، وترامب فعل عكس ذلك، ودائما يؤكد انحيازه إلى إسرائيل فى كل المناسبات، مما جعل الرئاسة الفلسطينية ترفض «صفقة القرن» مقدما على لسان نبيل أبوردينة الناطق الرسمى باسم الرئاسة الفلسطينية الذى أكد أن صفقة القرن سيكون مصيرها الفشل، إذا استمرت فى تجاوز الشرعية الفلسطينية المتمسكة بالثوابت المتفق عليها عربيا ودوليا، مشيرا إلى أن صنع السلام يتطلب الامتثال لقرارات الشرعية الدولية، وفق حل الدولتين، لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967.

ربما يكون المناخ الآن هو الأفضل للتحرك من أجل السلام، بعد أن أصاب الإجهاد كل الأطراف، وأعتقد أن الإسرائيليين يؤمنون بأن السلام هو الطريق الوحيد للأمن، لأن الفلسطينيين لن يتخلوا أبدا عن حقوقهم المشروعة مهما قدموا من التضحيات بلا مقابل، ورغم سقوط الشهداء الفلسطينيين يوميا على يد آلة القتل الإسرائيلية فلم تتزعزع عقيدة الشعب الفلسطينى بحقهم فى إقامة دولتهم المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، وفى الوقت نفسه فقد انتهت الشعارات بمحو إسرائيل من الوجود، وباتت إسرائيل دولة موجودة والأغلبية الكاسحة من الشعب الفلسطينى تؤيد حل الدولتين، وحق إسرائيل فى الوجود داخل حدود 1948.

 

الدول العربية جميعها تريد السلام الآن، وتعبيرا عن ذلك فقد أطلقت جامعة الدول العربية مبادرتها الشهيرة، للسلام بين العرب وإسرائيل القائمة على الأرض مقابل السلام، وبما يضمن انسحاب إسرائيل إلى حدود 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية فى مقابل السلام الشامل مع إسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة معها، ليحل السلام منطقة الشرق الأوسط، ويضمن الأبناء والأحفاد حياة آمنة بعيدا عن لغة الحروب والقتل والدماء التى تشهدها المنطقة منذ 70 عاما وحتى الآن دون أن يلوح فى الأفق أمل حقيقى لإنهاء هذا النزاع ووقف الحرب والدماء.

حتى الآن لا توجد ملامح خطة واضحة حول صفقة القرن وإنما هى مجرد تكهنات، وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية فان فريق ترامب جمع «وثائق أولية» تبحث مواضيع مختلفة تتعلق بالنزاع الفلسطينى الإسرائيلى، وانه تم التطرق إلى نقاط الخلاف القائمة كوضع مدينة القدس المحتلة، والمستوطنات بالضفة الغربية المحتلة، وتوقعت الصحيفة أن تتمحور الخطة المقترحة حول ما يسمى بحل الدولتين الذى كان محور جهود السلام طيلة السنوات الماضية، ونقلت الصحيفة عن جايسون جرينبلات مساعد الرئيس الأمريكى والممثل الخاص للمفاوضات الدولية قوله «أمضينا وقتا طويلا فى الاستماع والتفاعل مع الإسرائيليين والفلسطينيين وقادة «إقليميين بارزين طيلة الأشهر القليلة الماضية من أجل المساعدة فى الوصول إلى سلام دائم»، مشيرا إلى أنه لن يتم وضع جدول زمنى مصطنع أو تقديم أى أفكار محددة، ولن يتم فرض أى اتفاق، والهدف هو تسهيل وليس إملاء اتفاق سلام دائم لتحسين ظروف معيشة الإسرائيليين والفلسطينيين والوضع الأمنى بالمنطقة.

وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن ترامب يعتبر نفسه صانع اتفاقات، وقرر دخول التحدى منذ تسلمه منصبه كرئيس للولايات المتحدة، ليؤكد قدرته على النجاح فيما فشل فيه الآخرون، ولذلك فقد عهد بهذا الملف إلى صهره وكبير مستشاريه جاريد كوشنر، وهو رجل أعمال أمريكى يهودى ارثوذكسى ومتزوج من إيفانكا ترامب ابنة الرئيس الأمريكى، وقد قام ترامب بتعيين صهره جاريد كوشنر مستشارا له، وأوكل إليه الكثير من المهام المتعلقة بالحرب على داعش، والسلام فى منطقة الشرق الأوسط.

نجاح «كوشنر» فى مهمته للسلام فى الشرق الأوسط يبدو مستحيلا لأسباب كثيرة منها أن الخطة ليست واضحة ومحددة الملامح، كما أن انحياز الإدارة الأمريكية المسبق لإسرائيل يزيد صعوبة الموقف ويعمق الشكوك لدى الفلسطينيين، إلا أن هذا المستحيل قد يصير أمرا ممكنا إذا توافرت الإرادة لدى الرئيس الأمريكى ترامب بأن ينجح فيما فشل فيه الآخرون بتقديم خطة سلام قابلة للتنفيذ تحترم الشرعية الدولية، وخاصة ما يتعلق بقرار مجلس الأمن رقم 242 والصادر عام 1967 والذى أكد ضرورة انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضى التى احتلتها فى حرب 1967، ليتحول حلم الدولتين إلى حقيقة واقعة، وتقوم الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية إلى جوار دولة إسرائيل، لينتهى الصراع العربى الإسرائيلى إلى الأبد، ويتحول الشرق الأوسط إلى منطقة سلام تختفى منها رائحة الدم والخراب والحروب.

على الجانب الآخر تبقى المشكلة قائمة فى الجانب الفلسطينى، وحتى الآن ورغم الجهود الرهيبة التى بذلتها مصر لتوحيد الفلسطينيين ولم شملهم، فمازالت جهود الوحدة بين الضفة وغزة بطيئة ومتعثرة، بسبب الصراع على سلطة مريضة وأرض محتلة.

طبقا للمصادر فإن الجهود المصرية لم تتوقف فى لم شمل الفلسطينيين، وهناك الآن جهود كبيرة تتم فى هذا الإطار، ربما تظهر آثارها قريبا فور الانتهاء من بعض النقاط العالقة، إلا أن العبء الأكبر يقع على الفلسطينيين أنفسهم، وضرورة الالتفاف حول جهود المصالحة المصرية، لتنتهى كل الذرائع الإسرائيلية حول عدم وجود شريك فى المفاوضات.

أعتقد أن الأيام المقبلة سوف تشهد المزيد من التحركات لبلورة خطة السلام المقترحة، وإعلان تفاصيل صفقة القرن المزعومة، وساعتها سوف نرى إذا كانت «صفقة قرن» حقيقية أم «صفقة فشنك» لا تساوى قيمة المداد الذى كتبت به!!

Back to Top