ليالٍ لم ينم فيها المصريون.. بقلم : عبدالمحسن سلامة
كنا على مشارف قدوم شهر رمضان، إلا أن الحديث عن شهر رمضان أو قدومه توارى ولم يعد له وجود فى كل وسائل الصحافة والإعلام، بعد أن غطت أخبار المظاهرات والاعتصامات والإضرابات على كل شىء، وسادت كل محافظات مصر بلا استثناء حالة من الغضب والاستياء ضد حكم جماعة الإخوان والمطالبة برحيل مرسى والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة، وتحولت المظاهرات إلى اشتباكات وبدأت دماء الشعب تسيل بعد أن وقع العديد من القتلى والمصابين بسبب أعمال العنف.
أيام وليال لم ينم فيها المصريون بعد أن فقدوا الاستقرار والأمن والأمان، ووقعت اشتباكات عنيفة بكل محافظات مصر فى بنى سويف، والغربية، ودمياط، والإسكندرية، والقليوبية، ومطروح، وقنا، وكفر الشيخ، والمنوفية، حتى الشرقية، بلد الرئيس المعزول محمد مرسى، اعتصم المتظاهرون أمام منزله بالزقازيق، وفى ميدان عرابى، وأمام ديوان عام المحافظة.
هكذا اندلعت المظاهرات فى كل مكان، ولم تعد المظاهرات مقصورة على ميدان التحرير وحده، وإنما امتدت إلى كل محافظات الجمهورية بلا استثناء، فى محاولة من المتظاهرين لإجبار الرئيس المعزول على الدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، إلا أن مرسى وجماعته صموا آذانهم عن كل صيحات المتظاهرين، وبدأت محاولات إدخال البلاد فى نفق مظلم من خلال اللجوء إلى العنف وإسالة الدماء، وشق وحدة المصريين وتحويلهم إلى مؤيدين ومعارضين، وهنا تحركت القوات المسلحة لتستجيب لنداء المواطنين بالتدخل، حرصا على أمن وسلامة الوطن والمواطنين، وتنفس المواطنون الصعداء يوم الأحد 23 يونيو، حينما دعا الفريق أول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع القوى السياسية إلى التوافق والتفاهم والمصالحة الحقيقية خلال أسبوع، مؤكدا وعى القوات المسلحة الكامل بما يدور فى الشأن الداخلي، ورافضا أن تظل القوات المسلحة صامتة أمام انزلاق البلاد فى صراع يصعب السيطرة عليه فيما بعد، ولما يحمله ذلك من خطورة على الدولة المصرية نفسها، وتهديده الأمن القومي، ومشيرا إلى أن القوات المسلحة اضطرت إلى التدخل قبل أن تدخل مصر إلى نفق مظلم من الصراع والاقتتال الداخلى وهو ما قد يؤدى إلى انهيار مؤسسات الدولة كلها.
أطلق الفريق أول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع آنذاك تلك الحملة خلال الندوة التثقيفية الخامسة التى نظمتها القوات المسلحة يوم الأحد الموافق 23 يونيو 2013، مشيرا إلى خطورة استمرار حالة الانقسام داخل المجتمع بما يهدد الأمن القومى المصري، ومؤكدا فى الوقت نفسه العلاقة الأزلية بين الجيش والشعب التى هى جزء من أدبيات القوات المسلحة تجاه الشعب المصري، ولا يمكن بأى حال من الأحوال السماح لأحد بالالتفاف حول تلك العلاقة أو اختراقها.
وقتها شعر المصريون بالأمان، وأن قواتهم المسلحة ليست بعيدة عنهم، وأنها أقرب إليهم مما يتصورون، وأنها قدمت الحل الأمثل بالدعوة إلى التوافق والوصول إلى حل، لكنها فى الوقت نفسه لن تترك الأمور إلى ما لا نهاية، ولن تسمح بانهيار الدولة، ولن تقبل بسفك دماء المصريين، أو ترويعهم واغتيال أحلامهم.
كان من المفترض أن يكون هناك تحرك عاجل وسريع والاستماع لمطالب الجماهير بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، لإزالة حالة الانسداد السياسى الذى وصلت إليه مصر آنذاك، وهو إجراء له سوابق عديدة فى دول العالم، ولعل أبرز الرؤساء العظماء الذين لجأوا إلى هذا الإجراء هو الرئيس الفرنسى شارل ديجول مؤسس الجمهورية الفرنسية الخامسة، وتقدم باستقالته حينها.
كانت مطالب القوات المسلحة عادلة وهدفها الحفاظ على وحدة الشعب، وسلامة أراضيه، والحفاظ على مؤسسات الدولة وتجنيبها مخاطر الانهيار، إلا أن مرسى وجماعته ركبوا رءوسهم، وصموا آذانهم، واستمروا فى عنادهم رافضين كل الحلول، ومصرين على الاستمرار فى الحكم رغما عن إرادة المواطنين، وكان التحدى الأكبر يوم 30 يونيو، حينما نزلت الجماهير الهادرة فى كل الشوارع والميادين مؤكدة رفضها حكم الإخوان، ومطالبة برحيلهم، ورغم انتهاء المهلة التى حددتها القوات المسلحة من قبل يوم 23 يونيو، وانتهت فى الثلاثين من يونيو عام 2013، إلا أنها عادت مرة أخرى لتعطى مهلة أخيرة 48 ساعة للرئيس المعزول وجماعته على أمل أن يستجيبوا لتحقيق مطالب الشعب، وأصدرت القوات المسلحة بيانا أشارت فيه إلى الخروج الكبير وغير المسبوق للشعب المصرى فى 30 يونيو وتعبيره عن إرادته بشكل سلمى وحضارى، مما يتطلب ضرورة الاستماع إلى مطالبه لتجنب الخطر الذى بات يهدد الأمن القومى للوطن، وأعادت وكررت القوات المسلحة دعوتها لتلبية مطالب الشعب، «خلال المهلة الأخيرة التى تقررت بـ 48 ساعة»، لتحمل أعباء الظرف التاريخى الذى يمر به الوطن الذى لن يتسامح أو يغفر لأى قوى تقصر فى تحمل مسئوليتها، وأكدت القوات المسلحة فى بيانها أنه إذا لم تتحقق مطالب الشعب خلال المهلة المحددة فسوف يكون لزاما عليها ـ استنادا لمسئوليتها الوطنية والتاريخية واحتراما لمطالب شعب مصر العظيم ــ أن تعلن عن خريطة مستقبل وإجراءات تشرف على تنفيذها، وبمشاركة جميع الأطياف والاتجاهات الوطنية المخلصة، بما فيها الشباب الذى كان ولايزال مفجرا لثورته المجيدة، ودون إقصاء أو استبعاد لأحد.
لم يتغير الأمر بعد المهلة الثانية واستمر العناد وصم الآذان.. هكذا كانت تدار الأمور فى مصر طوال حكم الإخوان.. لاشيء غير المكابرة والعناد والتكويش، واختفاء معايير الكفاءة لتظهر معايير أخرى قائمة على الولاء والسمع والطاعة، وتحولت السياسة إلى عداء وكراهية وشحن وبغضاء، ودعوات إلى القتل باسم الدين، وإسالة الدماء، ووصل الأمر إلى قطع الأرحام داخل الأسرة الواحدة بسبب الخلاف السياسي، وتقسيم الشعب إلى فسطاطين، أهل الجنة وأهل النار، وفقد المواطنون الأمن والأمان، وانتشرت الاعتصامات فى الشوارع والميادين، وأصاب الشلل أماكن العمل المختلفة، وتوقفت عجلة الإنتاج، وفر المستثمرون ورجال الأعمال، وانتشرت الفوضى فى كل مكان، وتحولت حياة المصريين إلى كابوس، حتى كان يوم 3 يوليو حينما دعت القوات المسلحة إلى اجتماع عاجل بعد انتهاء المهلة الثانية والأخيرة ضم إلى جانب قيادات القوات المسلحة كلا من د.أحمد الطيب شيخ الأزهر، والبابا تواضروس بابا الإسكندرية، ود.محمد البرادعى، ود.يونس مخيون رئيس حزب النور، وعددمن الخبراء الدستوريين والقانونيين، والشباب، والقيادات الشعبية والحزبية، ليعلن الفريق أول عبدالفتاح السيسى القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع آنذاك البيان الذى تم التوصل إليه بعزل محمد مرسى وإعلان خريطة المستقبل، تتضمن وضع دستور جديد للبلاد وإجراء انتخابات رئاسية و برلمانية جديدة.
هكذا توقفت الحلقة الجهنمية التى عاشتها مصر، وكادت تودى بها إلى مصاف الدول الفاشلة، وتنذر بهدم كيانها، وتعصف بمؤسساتها كما حدث فى اليمن وليبيا والعراق وسوريا.
كان الهدف الانزلاق إلى حرب أهلية واسعة، وأن تنفصل سيناء لإقامة ولاية إرهابية عليها، ويتم تنفيذ مخطط التقسيم فى الدولة المصرية بعد أن تتحول إلى دولة فاشلة ومسرح للاقتتال والصراعات الدولية عن طريق الوكلاء المحليين مثلما يحدث فى سوريا واليمن وليبيا الآن.
لم يكن من الطبيعى أن تقف القوات المسلحة مكتوفة الأيدى، وهى ترى مصر فى طريقها إلى الانهيار، لكنها فى الوقت نفسه أرادت أن تعطى الفرصة الكاملة للإصلاح وتصحيح المسار، إلا أنها حينما تيقنت استحالة الإصلاح تدخلت فى الوقت المناسب لتعيد إحياء الأمل لدى كل المصريين فى اقامة الدولة الديمقراطية المدنية العصرية الحديثة التى يحلمون بها منذ اندلاع الثورة الأم ثورة 23 يوليو 1952.
خمس سنوات مرت وخلالها قطعت الدولة المصرية جزءا كبيرا من المشوار الطويل لتحقيق الحلم والأمل الذى يسعى إلى تحقيقه الرئيس عبدالفتاح السيسى ويحتاج إلى تكاتف ووحدة كل الشعب المصرى ليتحول الحلم إلى حقيقة خلال المرحلة القليلة المقبلة، بعد أن استطاع الشعب المصرى البطل عبور أصعب المراحل خلال تلك السنوات بالتكاتف مع جيشه وشرطته، وعاد الأمن والأمان إلى كل ربوع مصر، وانطلقت عجلة الإصلاح الاقتصادى وإعادة البناء فى كل المجالات بلا استثناء.
المشوار صعب لكن إنجازه بات قاب قوسين أو أدنى، والقادم أسهل وأفضل كثيرا مما مضى إن شاء الله.