هموم معيشة المواطنين فى برنامج الحكومة... بقلم : عبدالمحسن سلامة
أظن أن برنامج الحكومة جاء مختلفا هذه المرة، لأنه جاء متفائلا يحمل نسمات الخير للمواطن المصرى فى بداية الولاية الثانية للرئيس عبدالفتاح السيسي، وفى ظل حكومة جديدة برئاسة الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء الذى نجح فى تقديم برنامج حكومته بطريقة واضحة ومبسطة، ووضع فى القلب من هذا البرنامج هموم المواطن الأساسية التى يعانيها الآن بعد السنوات العجاف التى مرت على مصر منذ عام 2011 بسبب الفوضى والانفلات، وتوقف عجلة العمل والإنتاج، وهروب المستثمرين، وعدم الاستقرار السياسى والإدارى على جميع الأصعدة، فكانت النتيجة انهيار الاقتصاد القومي، وتجريف موارد الدولة، والعصف بالاحتياطى النقدي، ولن أنسى أبدا موقف دولة شقيقة حينما أمرت السفن التابعة لها والمحملة بالبترول والغاز أن تعود من حيث أتت فى محاولة للضغط على مصر، وكذا موقف دولة أخرى ضغطت بشدة لسحب ودائعها لكسر إرادة المصريين، وهو نفس النهج الذى لاتزال تنهجه أمريكا حينما تلوح بالمساعدات وتخفيضها فى كل عام.
فى ظل هذه التحديات الصعبة والخطيرة لم يكن هناك مفر من اتخاذ قرارات الإصلاح الاقتصادى الصعبة والمؤلمة، لكنها قرارات إنقاذ لمصر والمصريين بعد أن تأخر هذا الإصلاح أكثر من ستة عقود كاملة منذ أن اتجهت مصر شرقا وغلبت السياسة على الاقتصاد، ورغم تغيير المسار الاقتصادى فى السبعينيات وما تلاها، فإن الخوف حال دون تنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادى ليتراكم جبل الثلج، ويغطى على المياه الراكدة أسفله.
انحياز الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى الإصلاح الاقتصادى كان بهدف الإنقاذ قبل أن تعلن مصر إفلاسها، بعد أن وصلت أحوال الاقتصاد المصرى إلى مرحلة من التدنى والانهيار غير مسبوقة، وقدم الشعب المصرى ولايزال نموذجا حضاريا رائعا فى التعامل مع الإصلاح الاقتصادي، وتحمل بوعى وشجاعة تبعات قرارات الإصلاح رغم المعاناة من آثار هذه القرارات، لكنها الحقيقة المُرة إما أن يكون هناك مشرط جراح وغرفة عمليات والتزام بالتعليمات الطبية أو أن يموت المريض أو على الأقل يعيش عليلا سقيما للأبد.
معادلة صعبة لكنها حقيقة واقعة فى برامج الإصلاح الاقتصادي، ونتيجة هذا الوعى نجح الاقتصاد المصرى فى تخطى أخطر وأصعب مراحله خلال الفترة الماضية فى ظل حكومة المهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء السابق الذى قطع الشوط الأصعب فى برنامج الإصلاح ليحقق أكثر من ثلثى برنامج الإصلاح، ولم يتبق إلا القليل لينطلق الاقتصاد المصرى دون قيود وأثقال تمنعه من القدرة على المنافسة والانطلاق نحو المستقبل.
يوم الخميس الماضى أعلن البنك المركزى ارتفاع صافى الاحتياطيات النقدية من العملة الدولية إلى 44٫258 مليار دولار بنهاية شهر يونيو الماضي، مقابل نحو 44٫139 مليار دولار بنهاية شهر مايو السابق عليه، محققا زيادة تقدر بنحو 119 مليون دولار، هذه الزيادة المتواصلة فى الاحتياطى الأجنبى شهرا بعد آخر تعكس تعافى الاقتصاد، وتعزز قدرته على الوفاء بالالتزامات الخارجية، وسداد مستحقات الشركات العالمية وأقساط الديون والودائع، وقدرته على تغطية نحو 9 أشهر واردات سلعية.
هذه المؤشرات الإيجابية هى التى جعلت د.مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء يبشر المصريين بقرب مرحلة جنى الثمار والانطلاق نحو المستقبل خلال مدة لا تزيد على عامين، مشيرا إلى أن المواطن سيشهد خلال الشهور القليلة المقبلة طفرة ملحوظة وتحسنا ملموسا فى العديد من الأمور الحياتية اليومية له من خلال رفع كفاءة منظومة الدعم، وتوسيع برامج الحماية الاجتماعية من خلال خطوات حقيقية وبرامج مدروسة تؤدى فى النهاية إلى حماية حقيقية للمواطن المصرى فى كل مكان على أرض مصر، فى الريف أو الحضر، فى الصعيد أو الوجه القبلي.
برنامج الحكومة فى مجمله رائع لكن المهم هو التنفيذ ومتابعة الأداء حتى يتحقق البرنامج على أرض الواقع ويشعر به المواطن المصري، وأعتقد أن هناك عدة مؤشرات مهمة ستكون هى المحك فى الحكم على نجاح الحكومة فى تنفيذ برنامجها من عدمه، لعل أبرزها هو القدرة على تحسين مستوى معيشة المواطنين بما يتضمنه من أشكال متعددة تبدأ من مسكن المواطن، وضرورة توفير السكن الملائم مرورا بتوفير خدمة صحية متميزة، وخدمة تعليمية كريمة للأبناء، وكذا توفير وسيلة مواصلات آدمية وسريعة فى التنقل والحركة، وانتهاء بضبط الأسواق، ووقف شطط الأسعار وجشع التجار، ومراقبة جودة السلع بحيث يحصل المواطن فى النهاية على أفضل سلعة بأفضل سعر مادمنا ارتضينا بقوانين السوق، فلا يصح أن يتم تطبيق قوانين السوق على المواطن وترك التجار والمنتجين يفعلون ما يشاءون دون رقيب أو حسيب.
أولا: فى مجال الإسكان نجحت الحكومة خلال الفترة الماضية فى توفير شقق الإسكان للمواطنين بحسب مستويات دخولهم، وأعتقد أنه لم يتم رفض طلب مواطن مستحق للسكن، وحتى إذا تم تأجيله، فهو يأخذ فى المرحلة التالية فى ظل منظومة شفافة وعادلة للجميع بعيدا عن الواسطة والمحسوبية، وفساد التخصيص للبعض على حساب البعض الآخر.
ثانيا فى قطاع الصحة: لايزال هناك مشوار طويل أمام الحكومة لابد من الانتهاء منه لرفع كفاءة الخدمة الصحية فى المستشفيات والقضاء على طوابير الانتظار خاصة فى مجالات جراحات القلب والصدر، وزرع الأعضاء، والأورام، والرعاية المركزة والحضانات، فلا يصح أن يظل المريض مرهونا بالبحث عن مكان أو سرير لعلاجه، وخلال الفترة الأخيرة نجحت الحكومة فى بناء العديد من المستشفيات لكنها لاتزال تحتاج إلى وجود خدمة طبية متميزة بهذه المستشفيات، ولعل من الأمور المبشرة انفتاح الوزيرة الجديدة د.هالة زايد ورغبتها فى الاستفادة من كل الخبرات ووجهات النظر، كما حدث فى اجتماعها مع نقابة الأطباء، والزيارات الميدانية التى تقوم بها حرصا على إيجاد حلول للمشكلات المتراكمة فى هذا القطاع.
ثالثا فى قطاع التعليم: لايزال الوضع صعبا ومعقدا، وبغض النظر عن نوعية المدرسة (حكومي، تجريبي، خاص) فالتعليم الآن ومنذ عقود خارج المدرسة مما يجعل الأسرة المصرية تتحمل ما لا طاقة لها به من مصاريف تعليمية، لأن كل أسرة باختصار تقيم مدرسة خاصة بها لأولادها، ومادام التعليم خارج المدارس فإن المشكلة تظل قائمة، والتحدى الآن هو عودة التعليم إلى المدارس بكل أنواعها مرة أخرى، ليعود التعليم المصرى إلى مكانته المتميزة عربيا ودوليا ليظهر المتفوقون والنابغون فى كل المجالات مرة أخرى كما ظهر زويل، وطه حسين، ونجيب محفوظ، ومصطفى السيد، ومجدى يعقوب، وغيرهم من رموز الفكر والعلم والأدب الذين تسيدوا العالم كله.
أعتقد أن خطة تطوير التعليم قائمة، وجاهزة، والمهم التطبيق على أرض الواقع، وتلافى سلبيات التطبيق بعيدا عن المكابرة، فالهدف هو إعادة بناء الإنسان المصرى من جديد، كما أشار الرئيس فى بداية ولايته الثانية.
نجاح خطة تطوير التعليم ليواكب أحدث المتغيرات العالمية سوف يكون نقلة هائلة لمصر، لأن الإنسان هو صانع الحضارة، وهو مفتاح التقدم، والتعليم هو الأداة الرئيسية لبناء الإنسان العصرى الحديث.
رابعا فى مجال ضبط الأسعار وزيادة الأجور: الأمر المؤكد أن قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى بمنح علاوة خاصة وعلاوة استثنائية للعاملين بالدولة إلى جوار العلاوة الدورية اعتبارا من 1/7/2018 جاء بردا وسلاما على العاملين بالدولة لتعويض جزء من تآكل رواتبهم مع موجات ارتفاع الأسعار، ويبقى على الحكومة دور مهم فى ضبط الأسواق ومنع استغلال جشع التجار والمنتجين، فلا يعقل أن يكون هناك سلعة واحدة يتم زيادة سعرها أكثر من مرة بشكل عشوائى وحسب رغبة التجار والمنتجين دون مبرر موضوعي.
صحيح هناك زيادة حدثت فى أسعار الطاقة، لكنها لا توازى نسب الزيادات فى الأسعار مثلما يحدث فى قطاعات إنتاجية واستهلاكية كثيرة حيث يستغل البعض زيادة أسعار الطاقة والوقود، ويقومون بمضاعفة أسعار السلع والخدمات، وهنا لابد من تدخل حكومى واضح وقوى لمراقبة الأسواق، ووضع التشريعات اللازمة لمعاقبة المحتكرين والمستغلين.
آليات كثيرة يمكن أن تلجأ إليها الحكومة لفرض رقابتها بعيدا عن فكرة التسعيرة الجبرية التى فشلت من قبل، لكن من خلال تفعيل جهاز حماية المستهلك، ووضع مواصفات جودة للسلع، وكذلك وضع ضوابط لهامش الربح، يمكن أن تكون هناك رقابة على انفلات الأسعار خاصة فى تلك المرحلة، وحتى تستقر الأسواق ليعود قانون العرض والطلب ضمن آليات منضبطة وصارمة كما يحدث فى كل دول العالم.
لقد اشترطت وزارة التموين لفترة ضرورة الإعلان عن التسعيرة على كل السلع، وهذا حقها، لكن لم يستمر هذا الأمر طويلا رغم أن الإعلان عن التسعيرة يدخل ضمن آليات قوانين السوق ولا يتعارض معها لأنه يضمن شفافية المنافسة.
ضبط الأسواق والضرب بيد من حديد على المخالفين يسهم فى التخفيف من الأعباء الحياتية على المواطنين، واعتقد أن الحكومة قادرة على ذلك بما تملكه من سلطات وأدوات رقابية متعددة ومتنوعة.
خامسا حل مشكلة البطالة: لقد كشف رئيس الوزراء عن إطلاق برنامج جديد للتشغيل كثيف العمالة يستهدف المرأة والشباب ويوفر 100 ألف فرصة عمل، فضلا عن التوسع فى الإقراض متناهى الصغر للمرأة الريفية لإتاحة 100 ألف قرض فى المجالات الزراعية والتجارية والخدمية لزيادة دخل الأسرة فى الريف.
هذه الأرقام تأتى متسقة مع التوقعات المتفائلة لصندوق النقد الذى توقع انخفاض معدل البطالة من 11٫1% هذا العام إلى 9.7% فى العام المقبل.
أعتقد أن كل المؤشرات تشير إلى انخفاض البطالة خلال الفترة المقبلة بعد تعافى حركة السياحة، وزيادة الاستثمارات الأجنبية فى مصر، وعودة حركة العمل والإنتاج إلى الكثير من الأنشطة التى أصابها الشلل منذ عام 2011 وما بعدها.
علاج مشكلة البطالة هو علاج لأزمة موجودة داخل كل بيت الآن بعد زيادة معدلاتها نتيجة الأزمة الاقتصادية العاتية التى شهدها الاقتصاد المصري، غير أن علاج البطالة يحتاج إلى بعض الوقت لكنه التحدى الأهم أمام الحكومة الآن، وأعتقد أن كل المؤشرات تشير إلى زيادة معدلات النمو إلى 5.2% بعد أن كان 4.8%، وانخفاض التضخم إلى 10.4% بعد أن كان 11.9%، وتحقيق فائض أولى لأول مرة منذ 7 سنوات بنسبة 1.5% من إجمالى الناتج المحلي.
هذه المؤشرات تعنى أننا أمام انفراجة حقيقية للاقتصاد المصرى وبدء مرحلة جنى الثمار.
المهم أن يعى المواطن أن مرحلة جنى الثمار لا تعنى أن السماء سوف تمطر ذهبا وفضة، ولكن تعنى التحرر من الأثقال التى كبلت الاقتصاد المصري، وفتح فرص العمل والاجتهاد للجادين، والأهم من ذلك أن تعيد الأسرة المصرية ترتيب أوراقها من جديد بدءا من تنظيم الأسرة وعدد الأفراد، وانتهاء بنمط الاستهلاك والإنتاج لكل فرد فيها.