يحدث فى مصر الآن... بقلم : عبدالمحسن سلامة

 

أمس انطلق مؤتمر الشباب بجامعة القاهرة، والذى من المقرر أن تنتهى جلساته اليوم، وشارك فيه أكثر من 3000 من الشباب، ومختلف الفئات والأعمار فى حوار مفتوح، ونقاش جاد حول مختلف القضايا، خاصة ما يخص قضية التعليم وإستراتيجية تطويره، وجهود الدولة فى تطوير منظومة التعليم الجديدة، والتحديات التى تواجهها، وسبل تحقيق أهداف تلك الإستراتيجية، وانعكاساتها على الأسرة والمجتمع.

وقد شهدت الجلسة الأولى أمس حوارا مستفيضا حول «إستراتيجية بناء الإنسان المصرى» شارك فيها الشباب إلى جوار رئيس الحكومة والوزراء، وكانت مداخلة الرئيس واضحة حينما أشار إلى أن عملية بناء الإنسان المصرى تخص المجتمع كله وليست مسئولية الحكومة فقط.

أيضا من المقرر أن يناقش المؤتمر اليوم ملف الصحة، ويشرح منظومة التأمين الصحى، وكيفية تحسين جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين.

كالعادة اتسمت المناقشات والحوارات بالصراحة والموضوعية، وهو التقليد الذى أرساه الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ أطلق فكرة مؤتمرات الشباب التى تحولت إلى جلسات للعصف الذهنى والفكرى، ومنبر مهم للرأى والرأى الآخر بعيداً عن القيود والمحاذير، ومنصة إستراتيجية لتعريف المواطنين بما يحدث على أرض مصر أولا بأول، ومن خلال المسئولين المعنيين بالملفات المختلفة.

الرئيس يشارك فى معظم الجلسات، ويتنقل من هنا إلى هناك وسط المشاركين والحضور بكل بساطة وتلقائية، ويجلس فى الصفوف ليتابع المشاركين على المنصة، ويتدخل فقط وقت أن يريد أن يبدى ملاحظة، أو يجيب عن تساؤل، بل إنه يكون حريصا على الالتزام بوقته المخصص له، ولا يريد أن يخرج عن القواعد التى يضعها من يدير الحوار فى الجلسات المختلفة.

الملاحظ أيضا أن مؤتمرات الشباب تحولت إلى مؤتمرات لإبراز دور القدوة، ونماذج النجاح فى المجتمع المصري، فشاهدنا أمس الفتاتين غادة والى وشقيقتها وهما تعرضان فكرة الهوية البصرية للمدن المصرية وتحمس الرئيس للفكرة، وتكليفه الفريق أول محمد زكى وزير الدفاع لكى تتبنى القوات المسلحة الفكرة وتقوم بتنفيذها.

كما شاهدنا من قبل الشاب ياسين الزغبى، ذلك الشاب الذى نجح فى التغلب على إعاقته، وظهر وهو يجوب المحافظات على دراجته، ليجمع شكاوى المصريين، وكذلك شاركت فتاة العربة منى السيد التى استقبلها الرئيس بنفسه تكريما لقيمة العمل والاجتهاد، ثم شاركت فى مؤتمر الشباب بعد ذلك، وأيضا الشاب أحمد رأفت الذى قهر إعاقته، واستجاب الرئيس لطلبه بالالتحاق بالقوات المسلحة.

كما شارك أوائل الطلبة المتفوقون والطالبات المتفوقات فى الثانوية العامة والجامعات، الذين احتفى بهم الرئيس جميعا، وأجلسهم إلى جواره لغرس قيم الاجتهاد والعمل فى نفوس كل المصريين خاصة الشباب بعيدا عن الفهلوة والانتهازية، والنماذج السيئة التى للأسف تصدرت المشهد فترة من الوقت، ولحسن الحظ عادت الأمور إلى مسارها الطبيعى بعد تصحيح المسار فى 30 يونيو، والسير قدما فى إعادة بناء الدولة فى مختلف المجالات، وعلى كل الأصعدة.

اختيار جامعة القاهرة لعقد مؤتمر الشباب يحمل أكثر من رسالة من وجهة نظرى أولاها أن جامعة القاهرة هى أعرق الجامعات المصرية وأقدمها، وفيها تخرج الملايين من داخل مصر وخارجها، ومازالت تؤدى دورها ببراعة واقتدار، ومن هنا جاءت الرسالة الأولى بدعم هذا المنبر التعليمى المهم ليظل محافظا على صدارته كرمز لاهتمام الدولة، ورعايتها لهذا القطاع المهم والحيوى.

الرسالة الثانية: هى تأكيد ما أطلقه الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال خطابه الأول بعد أداء اليمين الدستورية فى ولايته الثانية، والذى أكد فيه الاهتمام ببناء الإنسان المصرى على ثلاثة محاور هى : التعليم والصحة والثقافة.

لذلك فإن المؤتمر سوف يناقش إستراتيجية تطوير التعليم تأكيدا لهذا الاهتمام. حيث تشهد الأيام المقبلة البدء فى إطلاق تلك الإستراتيجية وتطبيقها على أرض الواقع مع إعطاء الفرصة كاملة لمناقشة تلك الاستراتيجية مناقشة علمية ومجتمعية مستفيضة مع أخذ جميع الملاحظات فى الاعتبار، وفى الوقت نفسه توصيل كل النقاط المتعلقة بتلك الإستراتيجية إلى جميع فئات المجتمع، ليكون مهيأ لها، ويقوم بدوره لإنجاح تلك الإستراتيجية، لأنه بدون وعى وإدراك مجتمعى يصعب أن تحقق تلك الإستراتيجية أهدافها.

الرسالة الثالثة: هى رسالة رمزية فقد شهدت المنطقة المحيطة بالجامعة، خاصة ميدان النهضة ـ للأسف الشديدـ أحداثا مؤسفة وأحداث عنف نتيجة التجمعات المسلحة فيها، وهى التجمعات التى لم تراع حرمة الجامعة، وحرمة التعليم فيها، وأعتقد أن عقد مؤتمر الشباب فى الجامعة، وفى تلك المنطقة يؤكد عودة الأمن والأمان لكل ربوع الدولة، ورسالة سلام إلى العالم من قلب جامعة القاهرة، ضد الإرهاب والتطرف والعنف، وهى رسالة لها مغزاها فى توقيت شديد الأهمية.

الشباب يريد ــ كما غيره من فئات المجتمع ــ التعليم المتميز الذى يسهم فى نهضة مصر وتطورها، والخدمة الصحية الجيدة التى تنتهى فيها طوابير الانتظار، وسوء مستوى الأداء، والخدمات المتطورة فى جميع المجالات، كما أنه يحتاج إلى فرص عمل حقيقية تجنبه البطالة والعوز، وتجعله شاعرا بقيمته وآدميته، وأن يكون هناك تكافؤ وعدالة فى تلك الفرص، بعيدا عن الواسطة والمحسوبية، وتوريث الوظائف، كما أنه يرغب فى توفير الوسائل لكى يشارك فى بناء دولته عبر وسائل المشاركة الطبيعية، كى يتحقق حلم بناء الدولة الديمقراطية المدنية العصرية الحديثة التى تليق بمصر وشعبها.

الأمر المؤكد أن ما يحدث على أرض مصر الآن يؤدى إلى تحقيق تلك الأهداف. حيث تشهد مصر ثورة غير مسبوقة من الإنجازات على جميع الأصعدة، ويكفى هنا الإشارة إلى قطاع الكهرباء وما تحقق فيه خلال فترة وجيزة لاتزيد على 3 سنوات. حيث من المقرر أن تتجاوز تكلفة المشروعات المنفذة فى قطاع الكهرباء وحده بما فيها محطة الضبعة أكثر من تريليون جنيه.

نعم أكثر من تريليون جنيه، سوف يتم إنفاقها على قطاع واحد، وهو قطاع الكهرباء، وهو القطاع الذى انهار بعد قيام ثورة 25 يناير، ووصل حجم تخفيف الأحمال فيه إلى عدة ساعات يوميا مما نتج عنه خسائر فادحة فى الشركات والمصانع، بالإضافة إلى حدوث كوارث فى المستشفيات نتيجة انقطاع الكهرباء عن غرف العمليات، والحضانات، وأقسام الرعاية.

توقفت طويلا فى أثناء افتتاح مشروعات الكهرباء يوم الثلاثاء الماضى فى العاصمة الإدارية الجديدة أمام قول الرئيس إنه لا يقبل بأنصاف الحلول «لا أقبل حاجة نص ونص ولابد أن تكون مائة فى المائة وإلا لن أقبلها».

هذا الكلام خرج من أعماق الرئيس ليؤكد النهج الجديد لإدارة الأمور فى مصر الآن فقد كان من الممكن الاكتفاء بنصف أو ربما ربع تلك الأعباء، لكنها إرادة المواجهة الحقيقية والإصلاح الدائم بعيدا عن سياسة المسكنات التى انتهجتها الحكومات السابقة لفترات طويلة امتدت لعدة عقود لتهدئة الأوضاع وترحيل الأزمات وكانت النتيجة انفجار الأوضاع الذى آلت إليه جميع مؤسسات الدولة بعد ذلك.

كان من الممكن ترميم الشبكة القديمة وإضافة جزء يسير يسهم فى تحسين الخدمة مؤقتا، لكن إصرار الرئيس على مواجهة المشكلات من جذورها جعله يلجأ للطريق الأصعب، وكانت النتيجة إقامة 14 مشروعا لتوليد الكهرباء بتكاليف وصلت إلى أكثر من 500 مليار جنيه، بالإضافة إلى بدء تنفيذ محطة الضبعة النووية لتوليد الكهرباء بتكلفة تصل إلى 25 مليار دولار .

فى مشروعات الكهرباء تمت معالجة الأزمة من جذورها، بل العمل على تحقيق خطة مستقبلية تكفى على الأقل لمدة 10 سنوات مقبلة بما فيها استيعاب كل التوسعات السكانية والعمرانية والاقتصادية والاستثمارية المختلفة.

ليست مشروعات الكهرباء وحدها التى تم إنجازها بهذا الشكل، وتم التخطيط لها بهذا الأسلوب، ولكن ما يحدث الآن على أرض مصر فى كل القطاعات هو صورة طبق الأصل لمشروعات الكهرباء، سواء فى مجالات الطرق، أو فى المشروعات القومية العملاقة كما حدث فى ازدواج قناة السويس، وأيضا مشروعات الأنفاق التى تربط سيناء بالدلتا، وكذلك المشروعات السمكية، أو استصلاح الأراضى أو المدن الجديدة، أو مشروعات الإسكان، وغيرها من المشروعات التى يصعب حصرها فى مقال واحد وذكرها بالتفصيل.

المهم أن طريقة مواجهة المشكلات المتراكمة اختلفت عن ذى قبل، وبات طريق الإصلاح الجذرى هو الطريق الوحيد لمواجهتها.

الطريقة نفسها حدثت فى قضية الإصلاح الاقتصادي، فقد كان من الممكن ترحيل الأزمات المتراكمة منذ أكثر من 6 عقود وتأجيلها كما كان يحدث من قبل.. إلا أن إرادة المواجهة كانت أقوى، ونجح الاقتصاد المصرى فى تخطى أكثر من 75% من طريق الإصلاح، وكانت النتيجة هى أنه لأول مرة منذ سنوات طويلة يتحقق فائض أولى فى الحساب الختامى للموازنة العامة للدولة بلغ 4.4 مليار جنيه سوف يستخدم فى تمويل سداد جزء من فوائد الدين العام.

كل المؤشرات تشير إلى نجاح خطة الإصلاح الاقتصادى رغم صعوبته، وأن الاقتصاد المصرى فى طريقه إلى التعافى الدائم، بشرط استكمال مسيرة الإصلاح حيث أظهر الحساب الختامى أيضا انخفاض نسبة العجز الكلى إلى الناتج المحلى الإجمالى إلى نحو 9.8% مقابل 10.9% فى العام المالى 2016/2017، ولأول مرة منذ ست سنوات يصل معدل العجز الكلى إلى أقل من 10%.

ما حدث فى ملف الإصلاح الاقتصادي، وفى ملف الكهرباء، هو صورة طبق الأصل مما يحدث فى كل الملفات المفتوحة الآن من صحة وتعليم وزراعة وصناعة وثقافة وغيرها من المجالات.. فقط علينا النظر إلى المستقبل وعدم الالتفات إلى دعاوى الإحباط ومروجى الشائعات من الخارج والداخل لاستكمال مسيرة الإصلاح، لتعود مصر أقوى مما كانت وتأخذ مكانها ومكانتها بما يليق بشعبها وحضارتها إن شاء الله.

Back to Top