سر تقدم اليابان.. والبداية الصحيحة لمصر.. بقلم :عبدالمحسن سلامة

 

توقفت طويلا أمام حماس د. محمد معيط، وزير المالية، فى أثناء تقديم مشروع التأمين الصحى الشامل فى المؤتمر الوطنى السادس للشباب، خلال الأسبوع الماضي، خاصة حينما أشار إلى أن أحد أسرار تقدم اليابان هو صحة اليابانيين، والتغطية الصحية الشاملة لهم، مما وفر لهم نظما علاجية متطورة أسهمت فى تحسين صحتهم وزيادة قدرتهم على النشاط والعمل.

أعتقد أن كلام وزير المالية فى محله تماما فلا يمكن لشعب مريض أن يصنع حضارة، أو أن يكون قادرا على مسايرة التقدم والعلم والتكنولوجيا، لذلك فإن المرض يأتى دائما ضمن ثالوث التخلف القاتل لنهضة الشعوب وهو «الفقر، والجهل، والمرض»، وعلى الرغم من أن مصر رفعت شعار محاربة هذا الثالوث القاتل منذ قيام ثورة 23 يوليو 1952، فإننا مازلنا نعانى بدرجة أو بأخرى من تداعياته، لذلك أصر الرئيس عبد الفتاح السيسى على أن يبدأ ولايته الثانية بضرورة إعادة بناء الإنسان المصرى من خلال استكمال مسيرة الإصلاح الاقتصادى والاهتمام بالصحة والتعليم والثقافة، من أجل القضاء على الفقر والجهل والمرض، وإعادة بناء الإنسان المصري.

صحيح لدينا حاليا تأمين صحي، وعلاج مجاني، وعلاج على نفقة الدولة، لكن المشكلة أن هذه الأنظمة غير مكتملة، فالتأمين الصحى بدأ فى مصر منذ عام 1964، لكن ظل المشروع منقوصا غير مكتمل، وبه العديد من أوجه القصور، بل إنه يتضمن العديد من الأنظمة فهناك تأمين صحى للعاملين، وهناك تأمين صحى للتلاميذ، وهناك تأمين صحى للمواليد، وكل نظام من هذه الأنظمة له شروطه الخاصة، وطريقة تمويله المختلفة، ونظام علاجه الذى يختلف عن النظام الآخر، كما أن كل نظام يخضع لقرارات مختلفة عن القرارات المنظمة للنظام الآخر

هكذا تفاقمت مشكلات التأمين الصحي، وكان ضروريا البحث عن نظام جديد شامل ومختلف للتأمين الصحي، إلا ان عقبة التمويل وقفت حائلا دون تنفيذ المشروع المقترح، حتى جاء الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأصر بطريقته كما يفعل فى كل الملفات الأخرى، على المواجهة الشاملة لهذا الملف الشامل والمعقد، الذى تتراكم مشكلاته وأزماته منذ عام 1964 حتى الآن، ليخرج أخيرا قانون التأمين الصحى الشامل الذى يقوم على تغطية كل المواطنين صحيا وعلى أعلى مستوى خلال فترة زمنية تصل إلى 15 عاما، نظرا لارتفاع تكاليفه، والتى تصل إلى مايقرب من 600 مليار جنيه.

الحالة الآن مختلفة، لأن هناك خطة موضوعة بدقة لتغطية كل محافظات مصر، وأعتقد أن التغطية الجغرافية هى الأفضل، لأنها تضمن التغطية الشاملة لكل مواطنى الإقليم بغض النظر عن فئاتهم العمرية أو أوضاعهم الوظيفية والمعيشية، وسوف تشهد المرحلة الأولى تغطية 5 محافظات هى محافظات القناة الثلاث «السويس، وبورسعيد، والإسماعيلية» بالإضافة إلى محافظتى شمال وجنوب سيناء، وذلك لتقييم نتائج التطبيق، وتصويب الأخطاء أولا بأول، بحيث يتم الاستفادة من كل نتائج التطبيق العملى فى المراحل التالية، وهكذا سوف تصبح مصر من الدول القليلة فى العالم التى تتمتع بتغطية صحية شاملة لمواطنيها جميعا، بغض النظر عن فئاتهم العمرية، أو أوضاعهم المعيشية أو الوظيفية، أو مستوى دخلهم، فالجميع يجب أن يكون أمام العلاج سواء، ويتم توفير أفضل نظام علاجى للمريض غير القادر مثله فى ذلك مثل المريض القادر.

فى أثناء شرح د. هالة زايد، وزيرة الصحة، مشروع التأمين الصحي، خلال الجلسة المخصصة لذلك يوم الأحد الماضي، كان يجلس على يسارى فى المؤتمر د. حسين خيري، نقيب الأطباء، وعلى يمينى الأستاذ أشرف زكي، نقيب المهن التمثيلية، كانت الوزيرة تتحدث عن مشروع القضاء على قوائم الانتظار للمرضى كباكورة لمشروع التأمين الصحى الشامل، والذى أمر به الرئيس تخفيفا على المرضى وقوائم الانتظار، مشيرة إلى الخطوات التى تمت فى هذا الإطار للقضاء على قوائم انتظار فيروس «سي» الذى أصبح نموذجا مصريا للعالم كله، بالإضافة إلى جدية الوزارة فى القضاء على قوائم الانتظار لكل الأمراض خاصة ما يتعلق بأمراض القلب والأورام والرعاية المركزة وغيرها من الأمراض التى لها قوائم انتظار متراكمة، وأعلنت الوزيرة قرب انتهاء القضاء على فيروس سي، بالإضافة إلى الانتهاء من قوائم انتظار حالات الجراحات العاجلة والحرجة التى شارك فيها 153 مستشفى من مستشفيات وزارة الصحة، بالإضافة إلى المستشفيات الجامعية الخاصة والعامة، ومستشفيات القوات المسلحة والشرطة.

سألت د.حسين خيرى عن رؤية نقابة الأطباء لمشروع التأمين الصحى الشامل الذى أطلقه الرئيس عبدالفتاح السيسي؟

أجاب: نقف بكل قوة وراء هذا المشروع العملاق، ولقد قمنا بدراسته، وأرسلنا ملاحظاتنا حول المشروع، وهناك تعاون وثيق بين نقابة الأطباء ووزارة الصحة حيث تحرص د.هالة زايد وزيرة الصحة منذ توليها مسئولية الوزارة على التشاور الدائم مع النقابة من أجل تعميق التفاهم فيما بين الوزارة والنقابة لمصلحة الارتقاء بالخدمة الصحية المقدمة للمرضي، وتيسير عمل الأطباء ضمن المنظومة الجديدة.

تدخل فى الحوار أشرف زكى نقيب المهن التمثيلية مؤكدا أهمية هذا المشروع لأنه لم يعد أحد قادرا على تحمل تكلفة العلاج بمفرده ـ على حد تعبيره ـ بسبب ارتفاع أسعار الأدوية والعلاجات والعمليات الجراحية.

إجابة د.حسين خيرى نقيب الأطباء وتعليق الأستاذ أشرف زكى نقيب المهن التمثيلية أكدا الأهمية الإستراتيجية لمشروع التأمين الصحى الشامل للنهوض بالخدمة الصحية للمواطنين، وتوفير العلاج اللازم لهم، فلم يعد أحد (غنى أو فقير) قادرا على توفير العلاج، خاصة إذا كان العلاج مكلفا مثل أدوية السرطان، وجراحات زرع الأعضاء، والأمراض المزمنة.

قطع تفكيرى مداخلة الرئيس حينما قال «لو تخيرونى بين الأكل وعلاج المرضي، أنا بقول نعالجهم».

كلام الرئيس خرج من القلب لأن الأكل يمكن الصبر عليه، أما المرض والعلاج فلا ينفع الصبر معهما.

... المهم الآن حسن التطبيق وسرعة الإنجاز لتعويض تأخير 54 عاما، لأنه لو تم تطبيق التأمين الصحى كما يجب أن يكون عام 1964، لكان الوضع مختلفا الآن، ولكانت مصر مثل اليابان فى صحة مواطنيها، ونهضة شعبها، نفس الكارثة حدثت بعد قيام ثورة يناير 2011 وتوقف كل المشروعات معها، وطغيان الحالة الثورية التى أدت إلى إهمال كل الملفات والمشروعات فى كل المجالات.

الأمر المؤكد أن ملف التعليم لا يقل أهمية عن ملف التأمين الصحى فهو ثانى أضلاع مثلث التقدم «الصحة، والتعليم، والتنمية الاقتصادية» بعكس مثلث التخلف «الفقر والجهل والمرض» لذلك كان إطلاق مشروع تطوير التعليم من جامعة القاهرة هو أحد أبرز الأحداث المهمة والمؤثرة لمصر كلها خلال المرحلة الحالية والمستقبلية، فالتعليم هو سنة أولى تقدم، ولا نهضة أو حضارة دون ثورة تعليمية حقيقية تعالج الأوضاع المتردية الآن فى المدارس والجامعات مما أدى إلى تراجع تأخر تصنيف مصر فى هذا المجال.

المشروع القومى للتعليم استغرق إعداده 3 سنوات بمشاركة 75 خبيرا فى مجال التعليم درسوا التجارب التعليمية فى مختلف دول العالم من أجل التوصل إلى رؤية تعليمية مستقبلية تعالج التشوهات الحالية فى العملية التعليمية، وبما يسهم فى خلق نظام تعليمى متطور وعصرى يؤهل الخريجين للمنافسة العالمية فى أسواق العمل، ويزيد من قدراتهم على الابتكار وحل المشكلات فى مختلف المجالات..

 

المشروع كما وصفه د.طارق شوقى وزير التعليم كان حلما إلا أنه تحول إلى واقع بعد أن تم إطلاقه خلال المؤتمر فى الأسبوع الماضي، ومن المقرر أن يتم تطبيقه بعد 4 أسابيع مع بداية الدراسة على مرحلة رياض الأطفال «KG1» بعد أن أصبحت كتب المناهج الجديدة جاهزة، وذلك فى إطار خطة متدرجة قائمة على محورين، الأول تحسين الوضع الحالى لنظام التعليم الموجود، والثانى هو التغيير الجذرى الشامل الذى يبدأ تطبيقه من مرحلة رياض الأطفال، من أجل بناء نظام تعليمى جديد مماثل للأنظمة التعليمية المتطورة فى فنلندا، وماليزيا، وإندونيسيا.

ميزة مشروع تطوير التعليم أنه استبعد فكرة الصدمة، واستبدل بها واعتماد طريقة التدرج فى التطبيق، حتى يستوعب أولياء الأمور والمدرسون والطلبة الفكرة بهدوء، ويتعايشوا معها بدءا من سنوات الدراسة الأولى فى رياض الأطفال.

ما يحدث فى قطاعى الصحة والتعليم يؤكد جدية إعادة بناء الدولة المصرية وتطويرها استكمالا لملف الإصلاح فى مختلف المجالات (الاقتصادية والتعليمية والصحية) فالإصلاح كل لا يتجزأ، ولا بديل عن السير فى المسارات المتوازية جميعها مهما تكن التكاليف والأعباء لكى يتحقق الأمل المنشود فى الدولة العصرية الحديثة التى نحلم بها جميعا.

Back to Top