ما بين الضريبة العقارية والضرائب التصاعدية!... بقلم : عبدالمحسن سلامة
بات إصلاح النظام الضريبى فريضة حتمية فى إطار خطوات الإصلاح الاقتصادى التى بدأت منذ تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادى، فالنظام الضريبى يمثل العمود الرئيسى دائما وأبدا فى أى نظام اقتصادى، ولم يعد مقبولا استمرار حالة التشوه الضريبى الحالية التى تشير مؤشراتها إلى إهدار أكثر من 400 مليار جنيه سنويا نتيجة التهرب الضريبى رغم كل الخطوات التى تم اتخاذها خلال السنوات الماضية، حيث لا يزال الكثير من رجال الأعمال، وكبار المستثمرين والتجار، يدفعون «الفتات» نتيجة التلاعب بالدفاتر، والأخطر ما يحدث فى الاقتصاد غير الرسمى «الهامشى» الذى يتهرب من الضرائب كليا، ولا أحد يعرف عنه شيئا حتى الآن.
تساؤلات كثيرة مطروحة تتعلق بإصلاح النظام الضريبى، وكيفية تحقيق العدالة الضريبية، وهل من الأفضل تطبيق نظام الضريبة التصاعدية وفتح الشرائح.. أم أن الوضع الحالى هو الأفضل؟.. وكيف يمكن توسيع القاعدة الضريبية وضم الاقتصاد غير الرسمى إليها لزيادة الحصيلة السنوية؟.. وماذا عن الضريبة العقارية.. وهل تم تأجيل تنفيذها أم أنها سارية وجار تطبيقها؟!.
أسئلة كثيرة تشغل بال المواطنين الآن مع حلول موعد تطبيق الضريبة العقارية، وما صاحب ذلك من شائعات كثيرة ولغط حول تطبيق الضريبة.
طرحت بعض هذه الأسئلة على د. محمد معيط وزير المالية الذى أشار إلى أن نجاح أى نظام ضريبى يتعلق بقدرته على تحقيق أهدافه، وأهداف برنامج الإصلاح الاقتصادى الموضوعة، وبالتالى فنحن نضع 3 أهداف رئيسية لبرنامج الإصلاح الاقتصادى، وفى القلب منه الإصلاح الضريبى وتتمثل الأهداف فى زيادة الاستثمارات، وزيادة فرص العمل والتشغيل، بالإضافة إلى زيادة الحصيلة السنوية.
هذه الأهداف نضعها أمامنا ونحن نضع خطة الإصلاح الضريبى الشامل التى سوف تشهد ثورة حقيقية خلال 6 أشهر، ويستمر تنفيذها مدة عامين، حيث سيتم طرح مناقصة عالمية لتطوير مصلحة الضرائب يوم 2 سبتمبر المقبل، بما يضمن الميكنة الكاملة لها بما فيها إصدار الفواتير الإلكترونية، وضمان الوصول إلى أفضل التجارب والمعدلات العالمية فى هذا الإطار، ومن الممكن أن يستغرق تنفيذ هذا المشروع نحو 6 أشهر، يبدأ بعدها التطبيق الفعلى للمشروع الإصلاحى الضخم للضرائب، بما يضمن استيعاب الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية، ووقف التلاعب فى السجلات والدفاتر، وضم الاقتصاد الهامشى الضخم إلى الحصيلة الضريبية.
هذا هو التحدى الضخم ـ فى رأى وزير المالية د.محمد معيط ـ الذى تستهدف الوزارة تحقيقه بعيدا عن شعار الضرائب التصاعدية التى يتم تنفيذها الآن، حيث توجد شرائح متعددة تنتهى بـ22.5%. أما قصة فتح الشرائح ووصولها إلى معدلات أعلى من ذلك، فهذا موضوع لابد من دراسته بشكل علمى دقيق حتى لا نقع فى فخ يصعب الخروج منه، وهناك تجربة أجراها وزير المالية الأسبق د. يوسف بطرس غالي، حينما قام بتخفيض شرائح الضرائب، وكانت النتيجة زيادة الحصيلة، مشيرا إلى أن إطلاق العنان لفكرة زيادة الشرائح، يمكن أن تؤدى إلى نتيجة عكسية، خاصة ونحن نرغب فى زيادة الاستثمارات، وضم الشرائح غير الرسمية إلى القطاع الضريبي، فالهدف هو زيادة الحصيلة، وللأسف هناك من يطالبون بزيادة شرائح الضرائب، لكنهم فى الوقت نفسه يرفضون إلغاء المناطق الحرة الخاصة، أو تطبيق النظام الضريبى عليها، حيث حاولت الحكومة تطبيق ضريبة مقدارها 1% أو 2% على تلك المناطق، إلا أن ذلك الاقتراح قوبل بالرفض، ولم يتم تحقيقه حتى الآن.
الأولوية الآن هى زيادة الحصيلة الضريبية من خلال توسيع القاعدة والتوسع الأفقى ليشمل كل القطاعات والفئات التى يجب أن تخضع للضرائب، بعيدا عن التوسع الرأسى الآن.
التوسع الأفقى يسهم فى ضم العديد من القطاعات والفئات للمجتمع الضريبي، وذلك هو المستهدف خلال الفترة المقبلة، أما التوسع الرأسى وفتح الشرائح؛ فلابد من دراسته بكل دقة وموضوعية، بعيدا عن الإجراءات الانفعالية التى ربما تكون لها نتائج عكسية على حركة الاستثمارات، وزيادة فرص التشغيل، وبالتالى التأثير سلبا على حجم الحصيلة.
وأضاف د. محمد معيط: هناك طابور طويل من الشباب يريد أن يدخل سوق العمل سنويا، وزيادة الاستثمارات تعنى فتح الباب أمام زيادة فرص التشغيل، كما أن هناك بلدانا أخرى مجاورة تعطى مزايا كثيرة للمستثمرين، ولابد أن ندرس كل هذه الظروف، بحيث نستطيع فى النهاية أن نصل إلى القرار السليم بشكل علمى مدروس، وبما يحقق الأهداف المرجوة، فالنيات الطيبة وحدها لاتكفى فى إدارة الملفات الاقتصادية، وإنما لابد أن تكون هناك دراسات علمية وتجارب عملية تتم الاستفادة منها، حتى تخرج القرارات الاقتصادية «صائبة»، وتصب فى مصلحة الاقتصاد الوطني، خاصة أن الفترة الماضية شهدت نجاحات كبيرة لبرنامج الإصلاح الاقتصادى أدت إلى زيادة الثقة فى أداء الاقتصاد المصرى وقدرته على النهوض بسرعة، وزيادة معدلات النمو، بما يشير إلى دخول الاقتصاد المصرى مرحلة «التعافي» و«الانطلاق».
سألته عن الضريبة العقارية.. واللغط المثار حولها.. وهل تم تأجيلها أم ستتم إعادة النظر فيها.. أم هى سارية؟
أجاب د. محمد معيط، بشكل قاطع، قائلا: الضريبة العقارية سارية قولا واحدا، مشيرا إلى أن قانون الضريبة العقارية رقم 196 لسنة 2008، الذى تم تعديله عام 2013 مطبق وسار حتى الآن، وقد نص على أن يكون هناك تقييم كل 5 سنوات بداية من 2013 حتى 2018، إلا أنه حتى الآن لا توجد نظم معلومات كافية، كما لم يتم الانتهاء من الحصر الكامل للعقارات، وكذلك هناك حالات عدم إبلاغ كثيرة، وأيضا مصلحة الضرائب العقارية تحتاج إلى التطوير والتحديث الشامل، ولذلك فقد وافق مجلس الوزراء على استمرار التقييم الحالى حتى يناير 2021.
فقط هذا هو الجديد فى الضريبة العقارية، كما تم مد مهلة الدفع حتى نهاية أكتوبر المقبل، أما دون ذلك فالضريبة سارية، وهى موجودة فى معظم دول العالم، وتأخرنا كثيرا فى تطبيقها.
وماذا عن إعفاء السكن الخاص؟
أجاب د. محمد معيط: السكن الخاص معفى حتى مليونى جنيه، وفوق ذلك يتم احتساب الضريبة، بمعنى أنه إذا كان هناك سكن قيمته مليونا جنيه، فهذا السكن معفى بالكامل، أما إذا كان هناك سكن قيمته 3 ملايين جنيه مثلا، فإن الضريبة تحتسب فقط على المليون جنيه الزائد، وهكذا فإن معظم المساكن الخاصة سوف تكون معفاة من الضرائب العقارية باستثناء المساكن الفارهة التى سيتم احتساب الضريبة على ما يزيد على المليونى جنيه، وستكون مبالغ زهيدة غير مرهقة لأحد.
إجابات الوزير وضعت النقاط على الحروف فى الكثير من الأسئلة الشائكة المثارة الآن، خاصة ما يتعلق بإصلاح النظام الضريبى والضريبة التصاعدية، فقد كنت من أشد المؤيدين لها، لأنها موجودة فى الكثير من دول العالم، بما فيها الدول الرأسمالية مثل دول أوروبا وأمريكا، إلا أن حديث الوزير وكشفه عن رؤية شاملة ومتكاملة للإصلاح الضريبى تستهدف التوسع الأفقى أولا ليشمل كل القطاعات المتهربة من الضرائب وضمها إلى المجتمع الضريبى يؤكد أننا فى مصر نسير فى الاتجاه العلمى السليم لاتخاذ القرارات، بعيدا عن الانفعال، فحسن النيات وحده لا يكفي، والمهم أن تتحقق الأهداف اللازمة للإصلاح الضريبي، خاصة ما يتعلق بزيادة الحصيلة الضريبية، وفتح الباب أمام المستثمرين العرب والأجانب والمحليين لزيادة استثماراتهم فى مصر، من أجل توفير فرص عمل جديدة للشباب، ومنافسة البلدان المجاورة التى تضع نظما ضريبية جاذبة للمستثمرين.
إذا تحقق الإصلاح الضريبي، كما يتوقع الوزير خلال الفترة المقبلة التى تمتد من سنتين إلى ثلاث سنوات، بعدها يمكن التفكير فى فتح الشرائح الضريبية، بعد إتمام توسعة المجتمع الضريبى ليشمل كل الخاضعين للضرائب وضم الاقتصاد غير الرسمى الذى يصل فيه حجم التهرب إلى ما يقرب من 400 مليار جنيه تقريبا.
أما فيما يخص الضرائب العقارية؛ فهناك الكثير من اللغط والشائعات، يتعلق بعضها بماكينة الشائعات التى تستهدف زعزعة الاستقرار وضرب الاقتصاد الوطني، ويتعلق البعض الآخر بحداثة تطبيق الضريبة العقارية، وعدم وضوح قواعدها للخاضعين لها، وفى كل الأحوال؛ فمن المهم أن تبذل مصلحة الضرائب العقارية جهدا مكثفا خلال الفترة المقبلة من خلال وسائل الإعلام، وليس عيبا أن تقوم المصلحة بتنظيم حملة إعلانية مكثفة، خاصة فى الصحف والمجلات، لسهولة الاحتفاظ بها والعودة إليها وقت اللزوم، من أجل توضيح كل النقاط المتعلقة بالضرائب العقارية فى شكل سؤال وجواب، لتسهيل الأمر على كل الخاضعين لها، بعيدا عن ماكينات الشائعات، وتضارب المعلومات.
الضريبة العقارية موجودة فى معظم البلدان، وليست مستحدثة فى مصر، ويبقى فقط توضيح الحقائق والمعلومات بخصوصها أمام قطاعات المجتمع المختلفة.
أتمنى أن تصبح البطاقة الضريبية ضمن بيانات بطـاقة الرقم القومي، ولا يتـم الاعتـداد بأى عمليـة للبيـع أو الشراء من جانب الدولة، إلا بعد التأكد من تحصيل حق الدولة من الضرائب، على أن يسرى ذلك على الشقق والعقارات والأراضى والسيارات، وكل أنواع التجارة والصناعة أو التصدير والاستيراد، مع تشديد عقوبة التهرب الضريبى لتصبح جناية، وأن تكون عقوبة «مخلة بالشرف»، وألا يتم قبول أى تعاملات من جانب الدولة مع المواطنين، إلا بعد التأكد من سجلهم الضريبي.
الإصلاح الضريبى الشامل سوف يكون قفزة نوعية مهمة للاقتصاد الوطنى تسهم فى تحقيق العدالة الاجتماعية، وتوفير التمويل اللازم للكثير من المشروعات القومية العملاقة التى تقوم بها مصر الآن، بما يسهم فى النهاية فى تخفيف الأعباء عن الطبقة المتوسطة خلال الفترة المقبلة.