من شبين الكوم إلى نيويورك ... من نيويورك بقلم عبدالمحسن سلامة

 

علاقة وثيقة بين ما يحدث فى الداخل والتحركات فى الخارج، فلا مكان للضعيف فى العالم، ومن هنا تنشأ تلك العلاقة الوثيقة بين قوة الدولة ومكانتها العالمية، وخلال السنوات الأربع الأخيرة خطت مصر بقوة فى مجال الإصلاح الاقتصادى، والاهتمام بالبنية التحتية وإقامة المشروعات العملاقة فى كل مكان، واكتسبت مصر ثقة العالم، وعادت أكثر قوة مما كانت عليه، وباتت محل تقدير واحترام جميع دول العالم، واستردت مصر مكانتها الريادية إقليميا وعالمياً.

فى إطار تلك العلاقة المتشابكة بين قوة الداخل والتأثير فى الخارج، كانت مهمة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى شبين الكوم بمحافظة المنوفية يوم الأربعاء الماضى، حينما قام بافتتاح العديد من المشروعات التعليمية والصحية، وكانت درة تاج الافتتاحات مستشفى شبين الكوم العسكرى الذى أقيم على مساحة 17725 مترا مربعا، وبطاقة 200 سرير، ويضم أحدث الأجهزة والمعدات الطبية، و19 عيادة عامة ومتخصصة، و7 غرف عمليات، و30 سريرا للرعاية المركزة، بالإضافة إلى 18 حضانة.

هذا المستشفى العملاق أقيم فى قلب الدلتا بالوجه البحرى ليخدم كل المواطنين إلى جوار أشقائهم العسكريين، وليسهم فى تخفيف العبء عن المواطنين والحد من قوائم الانتظار، وتقديم أفضل خدمة طبية للمواطنين فى إطار برنامج الرئيس الذى أطلقه فى بداية ولايته الثانية بالاهتمام ببناء الإنسان المصرى من خلال الاهتمام بالصحة والتعليم والثقافة.

كان يوم الأربعاء تجسيدا حيا لما أعلنه الرئيس، فاليوم الأحد هو بداية العام الدراسى الجديد لمعظم المدارس والجامعات، وكان يوم الأربعاء ايضا هو يوم الاطمئنان على إطلاق مشروع تطوير التعليم، وتأكيد جاهزية وزارة التربية والتعليم لتنفيذ خطة تطوير التعليم, حيث من المقرر أن تشهد مصر اكبر ثورة تعليمية فى التاريخ الحديث من خلال تطبيق نظام تعليمى عصرى حديث يتواكب مع النظم العالمية المتقدمة.

ومن المقرر أن يبدأ اليوم 2.5 مليون طالب هذا النظام التعليمي، ويشمل البرنامج تحديث كامل منظومة التعليم لتلاميذ ماقبل التعليم الابتدائي، وكذلك تلاميذ الصف الأول الابتدائي، والى جوار ذلك سيتم تحسين البرامج التعليمية فى باقى الصفوف التعليمية ليسير الإصلاح فى خطين متوازيين، الأول هو الإصلاح الشامل والتام، والثانى هو تعديل وتحسين المناهج التعليمية الحالية.

الثورة التعليمية التى تنطلق فى مدارس مصر اليوم جاءت متأخرة لأكثر من 30 عاماً، ويكفى أن نعرف أن دولا كثيرة سبقتنا فى هذا المجال، وظل الوضع يزداد سوءا وتدهورا فى التعليم المصرى حتى أصبح ـ للأسف ـ طلبة فى الإعدادى لا يعرفون الكتابة ولا القراءة، وإنما يتم نقلهم بشكل تلقائى نتيجة تدهور مستوى التعليم الحالي، وانعكس ذلك بالطبع على مستوى الخريجين الذى انهار بشكل غير مسبوق، وبعد أن كان الخريج المصرى يتفوق على أقرانه من خريجى الدول الأخرى تراجع للأسف مستوى الخريجين إلى أدنى مستوي، وتراجعت مكانة الجامعات المصرية بين الجامعات العالمية.

 

الثورة التعليمية الشاملة سوف يكون لها مردود إيجابى ضخم على كل مجالات الحياة، فالتعليم هو سر التقدم لأى شعب، لذلك كان الرئيس عبدالفتاح السيسى حريصا على مطالبة المجتمع كله بالالتفاف حول الثورة التعليمية، ودعمها، والمشاركة فيها، مشيرا إلى أن نجاح مشروع تطوير التعليم مرتبط بإرادة الدولة والمجتمع، وأن الدولة التزمت بأحدث الأساليب العلمية الحديثة فى التخطيط والإعداد لإصلاح التعليم، وطالب الأسر المصرية وجميع المسئولين ونواب البرلمان بزيارة المدارس لتشجيع التجربة، مؤكداً أنه سوف يذهب إلى المدارس بنفسه للوقوف على سير العملية التعليمية وتطورها.

وسط افتتاحات المدارس والمستشفيات لم ينس الرئيس ماحدث من وقائع تتعلق بالإهمال فى صحة المرضى فى مستشفى ديرب نجم بالشرقية، وطالب وزيرة الصحة بتوضيح ملابسات حادث مستشفى ديرب نجم الذى اسفر عن وفاة 3 وإصابة 13 مريضاً آخرين، وفاجأ الرئيس وزيرة الصحة د.هالة زايد قائلا: «أنا عاوز أسمع تفاصيل الموضوع ده»، مؤكدا أنه لن يترك أى مقصر، وسيتم التعامل مع حالات التقصير بالقانون.

أيضا لم ينس الرئيس الملاحظات التى ابداها خلال افتتاح الطريق الإقليمي، وتساءل عن تلك الملاحظات ، وهل تم التعامل معها أم لا؟!

اللواء كامل الوزير رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، عرض الموقف بالصور والتفاصيل، مؤكدا أنه تم الاستجابة لتلك الملاحظات وتم إزالة أسبابها، وإصلاح الأخطاء التى تؤثر على سلامة الطرق، وإزالة التعديات عليها.

هكذا يؤكد الرئيس منهجه منذ توليه مسئولية السلطة، فهو يرفض العشوائية فى العمل، وينظر إلى المستقبل فى المشروعات التى تقام على أرض مصر، ويصر على أن تخرج فى أفضل صورة ممكنة بعيدا عن منهج «القص واللزق» الذى ساد لفترة طويلة من الزمن وأدى إلى التدهور الحاد الذى نعيشه منذ سنوات طويلة فى كل المجالات.

الوضع الآن بات مختلفا، فالمشروعات تتم وفق أحدث المواصفات العالمية، ودائما يتم حساب التوسعات المستقبلية فى تلك المشروعات، ومن هنا يكون حرص الرئيس على المتابعة الدقيقة والتفصيلية لكل الخطوات، حتى يخرج العمل فى أبهى صورة، وبأعلى جودة، وفى أقل وقت ممكن.

يفعل الرئيس ذلك لأنه يريد أن تعود مصر إلى مكانتها العالمية التى تليق بها، وبالإصرار والمثابرة نجحت مصر فى تخطى أصعب مراحل الإصلاح الاقتصادى، وشهد العالم كله بنجاح مصر فى ذلك، مما جعلها محل ثقة مختلف المؤسسات المالية العالمية، ومؤسسات التقييم والتصنيف الدولية.

بعد زيارة شبين الكوم بنحو 24 ساعة انطلق الرئيس إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى دورتها الـ 73، وهى المرة الخامسة التى يشارك فيها الرئيس منذ توليه مسئولية السلطة، لكنها مختلفة عن المرات السابقة، حيث عادت مصر بقوة إلى المجتمع الدولى، بعد أن استعادت استقرارها الداخلى، ونجحت فى كسر شوكة الإرهاب والإرهابيين فى مصر، بل لا أبالغ إذا قلت إن مصر هى من ساعدت المجتمع الدولى على التصدى للإرهاب العالمى، ولذلك كله أصبحت مصر محل احترام وثقة جميع دول العالم الحر والمتقدم.

ومن هنا جاء الفارق بين أول خطاب يلقيه الرئيس عبد الفتاح السيسى امام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبين الخطاب المتوقع للعام الحالي، فقد تعافت مصر من عثراتها، وأصبحت مصر دولة قوية، مستقرة، راسخة، تعرف طريقها، وتحدد أجندتها وفق مصالحها، ورؤيتها وأمنها القومي.

مصر استعادت دورها الإقليمى والعربى والدولي، وأصبحت تتمتع بعلاقات ممتازة مع أقطاب المجتمع الدولى (أمريكا، وروسيا، والصين، والاتحاد الأوروبى)، كما استعادت مصر مكانتها العربية، وكذلك مكانتها الإفريقية، حيث ستصبح مصر رئيسا للاتحاد الإفريقى فى العام المقبل.

من المتوقع أن تشهد الدورة الحالية للأمم المتحدة نشاطا مصريا مكثفا على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية مع قادة دول العالم، وذلك لمناقشة الأوضاع فى المنطقة العربية، خاصة ما يحدث فى ليبيا وسوريا وفلسطين واليمن، وكذلك فى مجال التعاون الثنائي.

ولأن السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة فمن المتوقع أيضا التركيز على الترويج لفرص الاستثمار المتاحة فى مصر خلال المرحلة المقبلة، بعد أن نجح برنامج الإصلاح الاقتصادى المصري، وأصبح نموذجا يحتذى به للكثير من دول العالم.

نجاح مصر داخليا هو الذى دفع بها إلى الأمام عالميا، ولذلك فمن المهم استمرار النجاح فى مسيرة الإنجازات الداخلية، وفى الوقت ذاته تسخير كل العلاقات مع دول العالم لزيادة الاستثمارات العالمية فى مصر، خاصة أن بها الكثير من الفرص الواعدة، والمبشرة فى مختلف المجالات.

جهد غير عادى يبذله الرئيس فى الداخل، وفى الوقت نفسه يستثمر كل علاقاته الدولية فى الخارج لما لذلك من مردود إيجابى على الأوضاع الاقتصادية والسياسية والعسكرية فى مصر، ولأول مرة ومنذ أكثر من 60 عاما تصبح مصر محل تقدير واحترام العالم كله، شرقه وغربه وشماله وجنوبه بعيدا عن لغة الاستقطابات الحادة، والعلاقات المتقلبة، وهذا هو سر نجاح مصر داخليا وخارجيا.

 

Back to Top