مكاسب الزيارة تتحدى تقلبات الطقس... بقلم : عبدالمحسن سلامة

 

فى نيويورك الطقس متقلب الآن، ففى اليوم الواحد تمطر السماء بغزارة، ثم تتوقف فجأة لتسطع الشمس، لتختفى مرة أخرى وتهب الرياح الشديدة وتهطل الأمطار بغزارة بعدها، وهكذا فى معظم الأيام فى ذلك التوقيت من العام.

يوم الثلاثاء الماضى استيقظت مبكرا فى تمام الساعة السادسة صباحا، حيث كان موعدنا فى مقر البعثة المصرية بالأمم المتحدة فى تمام السابعة صباحا، لتبدأ ترتيبات يوم حافل لمصر والمصريين فى الأمم المتحدة.

كانت الأمطار تهطل بغزارة والرياح شديدة، ومع ذلك فإن حفاوة الاستقبال، ومشهد الجالية المصرية المؤيد للرئيس أسهم فى الإحساس بالدفء، ويكفى أن عددا كبيرا من أفراد الجالية أصر على الوقوف تحت الأمطار الغزيرة والرياح الشديدة رافعين الأعلام المصرية، ومرددين الاناشيد الوطنية ورفضوا مغادرة أماكنهم إلا بعد أن أنهى الرئيس كلمته فى الأمم المتحدة وغادرها إلى مقر إقامته.

يوم الرئيس السيسى فى الخارج مثل يومه فى القاهرة يبدأ مبكرا، لتتعدد اللقاءات والاجتماعات، ويخرج من لقاء الى آخر، حتى فى اليوم المقرر لإلقاء كلمته فى الجمعية العامة، كان مثله مثل الأيام العادية بدأ مبكرا بحضور أجزاء من اجتماعات الجمعية العامة، وعقد العديد من اللقاءات الثنائية، ثم عاد مرة أخرى إلى قاعة الاجتماعات ليلقى كلمته أمام الاجتماع، وهى المرة الخامسة التى يقف فيها أمام اجتماعات الجمعية العامة لإلقاء كلمة مصر، حيث كانت المرة الأولى فى 24/9/2014 فى بداية توليه مسئولية السلطة فى مصر.

وفى هذه الدورة شرح الرئيس السيسى للعالم ماحدث فى مصر بعد قيام ثورتين متتاليتين خلال 3 سنوات، وأطلق مايمكن تسميته بالرؤية الاستراتيجية للسياسة المصرية داخليا وخارجيا وهى الرؤية التى تقوم على محورين اساسيين لدعم بناء الدولة الوطنية وهما تطبيق مبدأ المواطنة وسيادة القانون بناء على عقد اجتماعى وتوافق وطنى مع توفير كافة الحقوق لاسيما الحق فى التنمية الشاملة، بما يحصن المجتمعات ضد الاستغلال والانسياق خلف الفكر المتطرف، أما المحور الثانى فهو المواجهة الحاسمة لقوى التطرف والارهاب ولمحاولات فرض الرأى بالترويع والعنف، وإقصاء الآخر بالاستبعاد والتكفير.

بعد تلك الدورة حرص الرئيس على الوجود الدائم فى اجتماعات الجمعية العامة لتوصيل رسالة مصر إلى العالم كله، وهى المهمة التى تكللت بالنجاح وظهرت مؤشرات ذلك فى العديد من القضايا أبرزها:

أولا: ما يتعلق بقضية الإرهاب وضرورة أن يكون هناك تحالف دولى لمواجهته، وكان أول من أطلق ذلك النداء هو الرئيس عبد الفتاح السيسي، والآن بات العالم مقتنعا بتلك الفكرة ومؤيدا وداعما.

ثانيا: الحفاظ على الدولة الوطنية وضرورة عدم تدخل الدول فى الشئون الداخلية للدول الأخري، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية من أكثر الدول تدخلا فى الشئون الداخلية للدول الأخرى خاصة دول الشرق الأوسط، والآن بدأت الإدارة الأمريكية والدول الأوروبية تراجع مواقفها، وأصبحت أكثر اقتناعا بعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى تحت أى مسمي.

ثالثا: رؤية مصر المتعلقة بمعالجة أزمات المنطقة مثل الأزمتين السورية والليبية وضرورة الحفاظ على وحدة هذه الدول وعدم تغيير النظام السورى بالقوة، وترك الأمر لمواطنى سوريا، والحفاظ على وحدة الأراضى السورية والليبية، وقد تغيرت مفاهيم الكثير من الدول الفاعلة الكبرى والاقليمية تجاه ما يحدث فى الدولتين لتتطابق مع الرؤية المصرية.

فى الدورة الجديدة للأمم المتحدة وقف الرئيس عبد الفتاح السيسى مخاطبا العالم ليؤكد رؤية مصر تجاه الأمم المتحدة وقضايا العالم المختلفة، وفى نفس اليوم الذى وقف فيه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب منتشيا بقرار ادارته بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، إلا أن الرئيس عبد الفتاح السيسى أعلن عصر ذلك اليوم بكل قوة أن مصر تقف مع حق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.أراد الرئيس التأكيد على ثوابت السياسة المصرية تجاه القضية الفلسطينية رغم حميمية العلاقات مع أمريكا، لأن مصر لايمكن أن تكون تابعة لأحد، والعلاقات الاستراتيجية مع أمريكا وغيرها يتم توظيفها لصالح دول المنطقة وليس العكس، وهو نفس الموقف الذى أكد عليه الرئيس حينما استقبل بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى بمقر اقامة الرئيس وهو ضرورة احلال السلام العادل والدائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أساس قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وحق الفلسطينيين فى اقامة دولتهم المستقلة.

ايضا فقد أطلق الرئيس 3 مبادئ أساسية تحكم رؤية مصر تجاه الامم المتحدة هي:

أولاً : احترام مبدأ الدولة الوطنية القائم على  مفاهيم العدالة والمساواة باعتبار ان الايمان بهذا المبدأ كفيل بحل الكثير من الازمات العالمية بشكل عام وازمات المنطقة العربية بشكل خاص مثل ازمات سوريا واليمن وليبيا.

ثانيا : ضرورة الالتزام بالحلول السلمية للمشكلات الدولية، وضرب نموذجاً بالقضية الفلسطينية باعتبارها دليلاً على  عجز النظام الدولى عن ايجاد حلول للمشكلات الدولية مؤكداً للمرة الثانية وفى ذات الخطاب ضرورة اقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس باعتبار ذلك هو الحل الوحيد للأزمة.

ثالثاً: الالتزام بالتنمية الشاملة والمستدامة واصلاح هيكل المنظومة المالية العالمية من أجل استعادة مصداقية المنظمة الدولية أمام شعوب الدول النامية .

فى مقابل تلك المبادئ طرح  الرئيس  3 قضايا رئيسية يمكن ان تكون اطار عمل للمنظمة الدولية  خلال المرحلة المقبلة وهي:

اولاً : تفعيل الشراكة بين الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى مثل الاتحاد الافريقى وذلك فى اطار نقل الخبرات وتفعيل القرارات والنظم المشتركة.

ثانياً: ضرورة استكمال التعهدات الأممية بمكافحة الإرهاب والتركيز على عقد مؤتمر لمكافحة الارهاب مشيراً إلى التجربة المصرية فى هذا المجال، وعملية سيناء 2018 التى أطلقتها مصر لمقاومة الارهاب.

ثالثاً: التمكين الاقتصادى والسياسى للمرأة باعتبارها نصف المجتمع وتذليل جميع العقبات التى تعترض ذلك.

على هامش الزيارة التقيت الوزير سامح شكرى وزير الخارجية و سألته عن نتائج الزيارة ؟!

أجاب: الزيارة هذه المرة كانت أكثر من ناجحة حيث شهدت العديد من اللقاء والاجتماعات الثنائية بالكثير من قادة دول العالم والوفود المشاركة، وكان هناك الكثير من الطلبات الأخرى المقدمة لعقد لقاءات ثنائية أخرى لكن ظروف الوقت لم تسمح بذلك حيث تم عقد اكثر من 20 أجتماعا ثنائيا بالإضافة إلى  الاجتماعات العامة مثل قمة نيلسون مانديلا، وغرفة التجارة الأمريكية ومجلس التفاهم الأمريكي، ومجموعة الـ 77، والاجتماع رفيع المستوى المخصص للاستعراض الشامل للوقاية من الامراض غير المعدية، وافتتاح جناح الاستثمار المصرى فى الامم المتحدة، وكذلك المشاركة فى الحوار رفيع المستوى حول تنفيذ اتفاق باريس الخاص  بتغيير المناخ. وأضاف: العلاقات المصرية الأمريكية بدأت تعود إلى مسارها الطبيعى فى إطار العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين وعودة الحوار الاستراتيجى مرة أخري، وكذلك عودة مناورات النجم الساطع،  بما يؤكد نجاح الجهود المشتركة لتذويب الخلافات بين الدولتين، وقد ظهرت نتائج ذلك فى الإفراج عن جزء من المساعدات الأمريكية التى كانت محتجزة.

سألته عن مبادرة التحالف التى أطلقها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى خطابه امام الأمم المتحدة وتضم مصر والسعودية والامارات والولايات المتحدة لمواجهة العنف والإرهاب؟!

أجاب هذه المبادرة لا تزال فى إطار الأفكار التى لم تتبلور بعد، وسوف تتم دراستها بعناية مع الأطراف المعنية لبلورتها ووضع تصورات مصر بشأنها مع الدول المشاركة.

.. وماذا عن أزمات المنطقة خاصة أزمات سوريا وليبيا واليمن؟!

أجاب الوزير سامح شكري: مصر لديها رؤية واضحة فى هذا الإطار وقد طرحها الرئيس أمام الجمعية العامة وغيرها من المحافل الدولية، وما حدث من تطورات فى تلك الأزمات يؤكد صحة الموقف المصرى سواء بالنسبة للأزمة السورية وضرورة حلها بالطرق السلمية، وكذلك الأزمة الليبية وضرورة توحيد الجيش الليبى والمؤسسات الوطنية بعيدا عن الميليشيات، وهناك تفهم دولى للرؤية المصرية مما يساعد على إمكانية الخروج من تلك الأزمات فى المستقبل القريب. إلى جوار السياسة كان الاقتصاد حاضرا وبقوة فى مشاركات مصر فى الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث أقيم جناح الأستثمار المصرى تحت عنوان «استثمر فى مصر» والذى تفقده الرئيس بحضور الدكتورة سحر نصر وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي، وقام فريق وزارةالاستثمار بعرض خريطة مصر الأستثمارية والتى تتضمن أكثر من 1000 فرصة استثمارية فى مختلف القطاعات والمجالات.

كما شارك الوزير عمرو نصار وزير الصناعة والتجارة الذى أشار إلى خطة مصر المستقبلية للتركيز على زيادة الانتاج الصناعي، والتوسع فى نشر المصانع الجديدة فى كل مناطق الجمهورية، والتركيز على الصناعات التصديرية، مشيرا إ لى أن السوق المصرى من أهم الأسواق الناشئة فى إفريقيا والدول العربية فى هذا المجال، ولذلك هناك خطة لزيادة التعاون الصناعى مع الصين وأوروبا لنشر الانتاج الصناعي، ودعم الصناعة الوطنية، وتوطين الصناعات فى مصر للاستفادة من ميزة السوق الضخم  فى مصر، بالإضافة إلى استغلال موقع مصر الاستراتيجى لزيادة الصادرات الصناعية إلى أوروبا وأسيا وإفريقيا وباقى دول العالم.

الوزير عمرو نصار أعرب عن تفاؤله بمستقبل الاقتصاد المصرى خلال الفترة المقبلة واطلاق طاقات الاقتصاد المصرى فى مختلف المجالات، خاصة المجالات الصناعية المختلفة بما يعود بالنفع على تشغيل أكبر قدر من العمالة، وتوفير أحتياجات السوق المحلي، وزيادة  الصادرات إلى مختلف دول العالم.

 

Back to Top