أعظم انتصارات العرب فى العصر الحديث.. بقلم عبد المحسن سلامة

 

ظل العرب عقودا طويلة لا يعرفون سوى الهزائم والاستسلام فى المعارك الحربية، بدأت منذ قدوم الاحتلال الأجنبى إلى الأراضى العربية واحتلالها بالاستسلام أو الهزيمة، حيث تعرضت المنطقة العربية لتقسيم النفوذ بين القوتين العظميين حينذاك (إنجلترا، وفرنسا) واستولت بريطانيا على منطقة الخليج واليمن ومصر والسودان والصومال والعراق وفلسطين والأردن، فى حين احتلت فرنسا باقى الدول تقريبا خاصة الجزائر وتونس والمغرب وجيبوتى وسوريا ولبنان، وذلك فى إطار ما سمى تقسيم النفوذ بين القوتين آنذاك، واستمرت هذه الحال طوال القرن الثامن عشر حتى منتصف القرن التاسع عشر، حينما بدأت حركات التحرر الوطني، واستقلال الدول العربية تباعا بعد نجاح تلك الحركات الوطنية  فى إرغام المحتل على الرحيل.

وسط تلك الأحداث الرهيبة جاءت نكبة 1948بعد أن نشبت حرب فلسطين بين كل من المملكة المصرية، والمملكة الأردنية الهاشمية، ومملكة العراق، وسوريا، ولبنان، والمملكة العربية السعودية ضد الميليشيات الصهيونية المسلحة فى فلسطين بعد  صدور وعد بلفور المشئوم الخاص بإنشاء وطن قومى لليهود عام 1917، ثم تطور الأمر إلى قيام الأمم المتحدة بالتصويت على قرار التقسيم فى 29 نوفمبر 1947، لتقوم الميليشيات الصهيونية بحروب إبادة ضد الفلسطينيين هناك فى إطار ما كان يعرف بحروب التطهير العرقى لفلسطين فى عامى 1947 و1948 حتى اندلعت الحرب العربية ـ الإسرائيلية فى محاولة لحماية الفلسطينيين من حروب الإبادة، إلا أنها انتهت للأسف الشديد بهزيمة الجيوش العربية وإعلان قيام دولة إسرائيل.

كانت معظم الدول العربية آنذاك ترزح تحت الاحتلال الأجنبي، وجاءت هزيمة 1948، لتشعل الثورة فى نفوس الشعوب العربية لتبدأ رحلة البحث عن الاستقلال التى انطلقت فى الخمسينيات والستينيات، وكان نجاح الجيش المصرى فى القيام بثورة يوليو 1952 هو العامل الحاسم فى استقلال مصر، والوقوف إلى جوار الشعوب العربية المحتلة بعد ذلك حتى تحقق النصر واستقلت كل الدول العربية بلا استثناء.

لم يشأ الغرب والكيانات المحتلة التى كانت تحتل العالم العربى أن يترك العالم العربى وشأنه، بل كان دائم التدخل ومحاولة إعادة احتلال المنطقة ولو من خلال سيناريوهات أخرى كما حدث عام 1956 حينما حاول العدوان الثلاثى إعادة احتلال مصر مرة أخرى، لكن التركيبة الدولية التى كانت قد تغيرت موازينها وأركان قوتها فى ذلك التوقيت لم تسمح بذلك، فانسحبت الجيوش المعتدية من الأراضى المصرية، وفشل العدوان الثلاثى.

ظل التربص بالمنطقة العربية قائما وموجودا حتى كانت الكارثة الكبرى التى وقعت عام 1967، وقيام إسرائيل باحتلال أجزاء كبيرة من مصر والأردن وسوريا ولبنان، والتهام كامل الأراضى الفلسطينية.

كانت حرب 1967 بمنزلة زلزال مدمر ضرب المنطقة العربية فى مقتل لأنه أعاد مرة أخرى الاحتلال الأجنبى إلى الأراضى العربية، وارتدى هذه المرة عباءة الاحتلال الإسرائيلي.

رغم العباءة الإسرائيلية فى حرب يونيو 1967 فإن المعروف أن إسرائيل كانت ولا تزال تقوم بدورها نيابة عن قوى الاحتلال القديمة، والقوى الكبرى الجديدة خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، لأنه لولا هذا الدعم غير المشروط من هذه القوى القديمة والجديدة لما استطاعت إسرائيل أن تستمر يوما واحدا دون ذلك الدعم وتلك المساندة.

شعرت إسرائيل بعد 1967 بالزهو والانتصار، وأطلقت على جيشها الجيش الذى لا يقهر، وبدت متغطرسة ورافضة كل الحلول الدولية ومنها رفضها الالتزام بالقرارات الدولية والعودة إلى حدود ما قبل حرب 1967.

على الفور تحرك الجيش المصرى ليعيد بناء قواته مرة أخري، وكانت البداية هى حرب الاستنزاف أو حرب الألف يوم كما أطلق عليها بعض الإسرائيليين لأنها امتدت قرابة ثلاث سنوات.

كانت بداية حرب الاستنزاف هى ما عرف بمعركة رأس العش التى تصدت فيها قوات الصاعقة المصرية بنجاح للمدرعات الإسرائيلية التى حاولت احتلال مدينة بورفؤاد، بعد ذلك استمرت الحرب وتصاعدت وكبدت القوات المصرية قوات الاحتلال الإسرائيلية خسائر فادحة، مما أصاب الإسرائيليين بالجنون، وبدأوا يستهدفون المدنيين المصريين مثلما حدث فى جريمة استهداف مدرسة بحر البقر.

خلال حرب الاستنزاف كبدت القوات المصرية القوات الإسرائيلية خسائر فادحة فى الأرواح والمعدات خاصة بعد نجاح الجيش المصرى بالتعاون مع الاتحاد السوفيتى آنذاك فى بناء حائط الصواريخ لتأمين العمق المصرى.

يُعد الفريق أول محمد فوزى هو مهندس وقائد حرب الاستنزاف التى تمكن خلالها من إعادة تنظيم صفوف القوات المسلحة، وبناء حائط الصواريخ، ليعيد توازن القوى مرة أخرى إلى المنطقة خلال 3 سنوات، ليجبر إسرائيل على طلب وقف اطلاق النار المؤقت فى أغسطس 1970، بعد أسبوع من تساقط الطائرات الإسرائيلية المعتدية فجاء ذلك اعترافا من إسرائيل بتجاوز القوات المسلحة المصرية الهزيمة، واستعادة الروح مرة أخرى.

تولى الرئيس الراحل أنور السادات مسئولية الحكم خلفا للزعيم جمال عبدالناصر، واستطاع خلال فترة وجيزة استكمال كل نقاط الضعف فى القوات المسلحة فى مرحلة من أصعب مراحل التاريخ المصرى على الإطلاق، وبذكاء شديد نجح فى إنهاء الصراع على الحكم والتخلص ممن عرفوا بمراكز القوي، ليكون الشغل الشاغل للدولة المصرية والجيش المصرى هو استعادة الأراضى المصرية المحتلة والرد بقوة على هزيمة 1967.

الأمر المؤكد أن الرئيس الراحل أنور السادات سيظل فترة طويلة رمزا للحرب والسلام ونموذجا يحتذى به فى فن إدارة الحروب، وما قبلها وما بعدها، فالنصر لا يأتى مصادفة، وإنما لابد من جهد شاق وعمل جبار لكى يتحقق، وهو ما فعله الرئيس الراحل أنور السادات ويحتاج الأمر إلى جهد كبير من الباحثين والسياسيين والمؤرخين لفهم طبيعة شخصية الرئيس الراحل وقدراته السياسية والعسكرية.

6 سنوات من الأشغال الشاقة والتدريب والجهد والكفاح تحملتها القوات المسلحة المصرية منذ هزيمة 1967 حتى نصر أكتوبر 1973.

فى أكتوبر 1973 تحقق النصر الأول للعرب بعد عقود طويلة من الزمان وقع خلالها العالم العربى أسيرا للاحتلال والعدوان منذ بداية حملات الاحتلال حتى هزيمة 1967.

ربما تكون هناك ـ خلال تلك الفترة ـ انتصارات إلى جوار الانكسارات، لكنها كانت انتصارات محدودة لا ترقى إلى مرتبة الانتصارات العسكرية المدوية التى يقف أمامها التاريخ ليسجلها ضمن أوراقه الدائمة.

جاءت حرب أكتوبر لتعيد ثقة الجيش المصرى بنفسه، وتحطم أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى كان لا يقهر، وتعيد للشعوب العربية كلها كرامتها وعزتها بعد أن وقفوا إلى جوار الجيش المصرى فى ملحمة رائعة حتى تكللت تلك السيمفونية بالنصر المبين فى أكتوبر 1973.

نجحت القوات المصرية فى الانقضاض على الجيش الإسرائيلى وكبدته خسائر فادحة فى الأرواح والمعدات واستطاع جنود مصر البواسل عبور قناة السويس، وطرد المحتل الإسرائيلى من أجزاء واسعة من الأراضى المصرية التى احتلتها إسرائيل عام 1967.

لاتزال حرب أكتوبر خنجرا فى قلب كل إسرائيلى يجتر ذكرياتها الأليمة بالنسبة له كلما تذكرها، وكانت آخر تلك الشهادات هى التى أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو خلال خطابه أمام اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة الشهر الماضى حينما قال «لقد تكبدت إسرائيل خسائر فادحة فى الأرواح والمعدات نتيجة أخطاء رئيسة الوزراء جولدا مائير التى لم تهتم بالتقارير الخاصة باستعدادات مصر لضرب إسرائيل».

لم تهتم جولدا مائير باستعدادات مصر العسكرية لأن إسرائيل كانت قد وصلت إلى مرحلة غير مسبوقة من الغطرسة والغرور، وأطلقوا على جيشهم الجيش الذى لايقهر، إلا أن الجيش المصرى البطل استطاع إعادة تغيير المعادلة من جديد فى المنطقة كلها وفى العالم، وتغيرت الكثير من القواعد العسكرية بعد حرب أكتوبر، ووقف العالم كله مذهولا بما حققه الجيش المصرى فى تلك المعركة التى أعادت الانتصارات مرة أخرى إلى العالم العربى بعد فترة طويلة من الهزائم والانكسارات.

الآن يعيد الجيش المصرى الملحمة من جديد حينما يقوم الآن بأعظم المعارك ضد الإرهاب الأسود فى إطار العملية الشاملة سيناء 2018 التى أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسى ليكسر شوكة الإرهاب الأسود إلى غير رجعة فى مصر والعالم العربى وليقدم نموذجا للعالم كله فى التخلص من الإرهاب الذى ألقى بظلاله القاتمة على معظم دول العالم.

تحية إلى الجيش المصرى العظيم الذى سجل أول الانتصارات العربية فى العصر الحديث خلال حرب أكتوبر المجيدة ليعيد الشعور بالعزة والكرامة والكبرياء إلى كل الشعوب العربية.

Back to Top