تصحيح المسار فى العلاقات المصرية ــ السودانية... بقلم:عبدالمحسن سلامة
فى يوليو الماضى قام الرئيس عبدالفتاح السيسى بزيارة تاريخية إلى السودان، حيث أكد الرئيسان «السيسى والبشير» حينها أن الزيارة ليست زيارة عادية، وإنما سيكون لها ما بعدها فى علاقات الشعبين خلال المرحلة المقبلة.
أهمية تلك الزيارة أنها كانت بمثابة تصحيح المسار فى العلاقات «المصرية ــ السودانية»، لتعود أقوى مما كانت عليه من قبل، ووضعت الأسس اللازمة التى تم البناء فوقها خلال الأشهر الماضية، لتتم ترجمة كل ذلك إلى اتفاقيات فى مختلف المجالات بلغت 12 مذكرة تفاهم، وبرنامجًا لتعزيز التعاون فى مختلف المجالات.
يوم الخميس الماضى شهد الرئيسان مراسم توقيع تلك المذكرات والبرامج فى إطار إعادة صياغة العلاقات بين البلدين، لتسير فى مسارها التصاعدى الذى يليق بمستوى العلاقة بين الدولتين.
مصر والسودان، دائما وأبدًا دولة واحدة وشعب واحد، وظلت هكذا أكثر من 132 عاما، منذ أن قام محمد على باشا بضم السودان إلى مصر عام 1822، وظلت الحال هكذا حتى عام 1954 حتى تم إعفاء اللواء محمد نجيب من منصبه ليدب الجفاء والتباعد بين البلدين، ليتم بعد ذلك إعلان الانفصال بين الدولتين.
هذه الوحدة كانت دائمًا وأبدًا محل استهداف من القوى الاستعمارية الكبري، خاصة المحتل الإنجليزى الذى حاول بشتى الطرق تفتيت وحدة مصر والسودان، والانفراد بحكم السودان، وفرض اتفاقية 1899 التى نصت على أن يتولى الإشراف على السودان ممثل لحاكم مصر، وممثل آخر للإنجليز، وهكذا ظلت الأيادى الخارجية تحاول مرارًا وتكرارًا العبث فى مسار العلاقات بين الدولتين الشقيقتين، وللأسف الشديد، وقعت القيادات فى الدولتين على مدى العقود الخمسة الماضية فى الفخ، فكانت العلاقات تشهد منحنيات للصعود وأخرى للهبوط دون مبرر موضوعي، إلا أنها فى كل الأحوال لم تستطع التأثير على قوة العلاقات بين الشعبين الشقيقين.
منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى مسئولية الحكم وهو يعطى الأولوية المطلقة للعلاقة مع السودان بشكل خاص، وإفريقيا بشكل عام، ليقوم بتغيير المفاهيم الخاطئة التى سادت لفترة طويلة فى السياسة الخارجية لمصر، وامتدت إلى أكثر من خمسة عقود، وكانت ترى أن العلاقة مع إفريقيا أكثر تكلفة من العائد منها، لذلك فقد اتجهت غربًا، وأهملت امتدادها الجغرافى والطبيعي، لكن الواقع أثبت خطأ تلك النظرية فكان لابد من إعادة تصحيحها، والسير فى المسارات المتوازية للعلاقات المصرية الخارجية مع إعطاء الأولوية للجيران والأشقاء باعتبارهم جزءا من الأمن الإستراتيجى المصرى.
ست زيارات قام بها الرئيس السيسى للسودان منذ توليه مسئولية الحكم فى مصر أعطت قوة دفع غير عادية للعلاقات «المصرية ــ السودانية» وأعادتها إلى مسارها الطبيعى بعد فترة من الجمود والتوتر والقلق، سيطرت على العلاقات بين البلدين، وخلال الزيارة الخامسة التى حدثت فى يوليو الماضى، وضع الرئيسان الأسس المتينة لعلاقة قوية ودائمة بين الدولتين، حيث إن هناك الكثير من الظروف المتشابهة والمشتركة تجمع بين الشعبين، ومن خلال التعاون والمشاركة يمكن التغلب على الكثير من المتاعب والمشكلات بين الدولتين، وتم الاتفاق على رفع مستوى اللجنة العليا المشتركة بين البلدين، لتكون على المستوى الرئاسى، بما يرقى بالحجم والمستوى اللائق للعلاقات بينهما.
سألت السفير بسام راضى المتحدث باسم رئاسة الجمهورية عن تقييمه لزيارة الرئيس الأخيرة إلى السودان؟
أجاب: فى اعتقادى أن الزيارة الأخيرة للرئيس هى إعادة صياغة جديدة للعلاقات «المصرية ــ السودانية» على أسس متينة، ترتكز على مبادئ الثقة المتبادلة، والشفافية، والمصلحة المشتركة، والاحترام المتبادل، وهى المبادئ الأربعة التى اتفق عليها الرئيسان لتكون إطارًا عامًا يحكم العلاقات بين الدولتين فى مختلف المجالات، مشيرًا إلى أنه فى كل زيارة سابقة كانت الثقة تزداد ومنحنى العلاقات يتصاعد حتى تم الاتفاق على الأسس المشتركة الدائمة لإقامة علاقة قوية ومستدامة بين الدولتين.
وأضاف : لدينا ثقة متزايدة فى تطور العلاقات «المصرية ــ السودانية»، بما يتفق والمعطيات الكبيرة التى تجمع بين الدولتين، وبما يصب فى المصلحة المشتركة لهما لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية لكلتا الدولتين الشقيقتين.
وأوضح السفير بسام راضى أنه من خلال الحوار مع المسئولين السودانيين والمصريين الذين شاركوا فى الاجتماعات تبين أن الجميع يدرك أهمية العلاقات المصرية ـ السودانية وانعكاساتها الإيجابية على مصلحة الشعبين خاصة فى ظل وجود إرادة سياسية قوية من جانب الرئيسين عبد الفتاح السيسى وعمر البشير، وربما تكون الحسنة الوحيدة لفترات الجفاء فى العلاقات بين البلدين، أن الجميع تأكد من أن تلك الفترات لم تكن أبدا مفيدة لمصلحة الشعبين، وأن كل الظروف الإقليمية تفرض التقارب بين الدولتين فى جميع المجالات.
قلت له: وماذا عن الاتفاقيات التى تم توقيعها بين الجانبين؟
أجاب السفير بسام راضى: الاتفاقيات والبرامج بلغت 12 مذكرة تفاهم وبرنامجا لتعزيز التعاون فى مختلف المجالات بدءا من التعاون فى المجال الزراعي، والقوى العاملة والتدريب، ومرورا بمجالات الصحة والشباب والتعليم والبحث العلمى، وانتهاء بالعلاقات الإعلامية والثقافية، وتوقيع ميثاق الشرف الإعلامى، وكلها اتفاقيات تؤسس لعلاقات قوية وممتدة بين الدولتين فى مختلف المجالات.
سألته عن مذكرة التفاهم فى مجالات تبادل الخبرات بين الحكومتين، وماذا تعنى؟!
أشار إلى أنها تهتم بتبادل الخبرات فى مجالات الاستثمار والمجالات الاقتصادية المختلفة، بالإضافة إلى ما تم توقيعه من مذكرة للتفاهم بين هيئة الصادرات المصرية، ونقطة التجارة الخارجية السودانية.
تبادل الخبرات يأتى فى إطار تعميق التعاون فى المجال الاقتصادى بين الدولتين على جميع الأصعدة، بما يؤدى فى النهاية إلى تحقيق المصالح الاقتصادية المشتركة للبلدين، والتكامل فيما بينهما.
سألته عن حلم القطار الذى ينطلق ليربط بين الخرطوم والقاهرة؟
أجاب السفير بسام راضى: يجرى الآن التباحث بشأنه بجدية، ولذلك كان الوزير هشام عرفات وزير النقل ضمن الوفد المرافق للرئيس فى أثناء زيارته السودان، حيث يتم الآن دراسة كل المسائل الفنية والاقتصادية المتعلقة به بين الوزارات المعنية فى الدولتين، وفور إتمام تلك الدراسات سوف يوضع على قائمة اجتماعات اللجنة العليا بين الرئيسين لاتخاذ القرار المناسب بشأنه فى أسرع وقت ممكن.
وماذا عن اتفاقية الحريات الأربع بين الدولتين؟
أجاب: اتفاقية النقل وإنشاء خط للسكك الحديدية يربط بين الدولتين هى الترجمة الحقيقية لاتفاقية الحريات الأربع، فهذه الحريات تخص «التنقل، والإقامة، والعمل، والتملك»، وتحتاج كل منها إلى ترجمة حقيقية فى مجالها، واتفاقية النقل والسكك الحديدية هى التى سوف تساعد على التنقل، والإقامة، والعمل لأنه دون توفير وسائل نقل رخيصة وسريعة لا يمكن أن يحدث ذلك، وهو الأمر الذى سبقتنا إليه الدول الأوروبية حينما أقامت شبكة ضخمة للقطارات للربط فيما بين الدول الأوروبية المختلفة، وساعدت على حرية الانتقال لمواطنيها عبر هذه الشبكة الضخمة.
وأشار السفير بسام راضى إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسى هو الذى أطلق هذا الحلم خلال الزيارة الماضية حينما تحدث إلى الصحفيين، وتمنى أن يأتى اليوم الذى يركب فيه المواطن المصرى القطار من محطة رمسيس ليصل إلى الخرطوم والعكس صحيح، مؤكدا فى الوقت نفسه وجود برنامج هائل للتعاون فى كل المجالات بين الدولتين وفق أهداف وتوقيتات محددة.
انتهى حديث السفير بسام راضى، المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، وأعتقد أن أبرز ما فيه هو أن المياه بدأت تسير بقوة فى نهر العلاقة بين الدولتين على مختلف الأصعدة، فالعلاقة بين مصر والسودان ليست نهر النيل فقط، وإن كان هو سرها ومصدر قوتها، إلا أنها تمتد إلى مجالات أخرى كثيرة تجعل من مصر والسودان بوابة لإفريقيا إلى العالم كله، وتترجم الحريات الأربع التى يتمناها الشعبان إلى واقع حقيقى خلال الفترة المقبلة.