ما بين الإحباط والتفاؤل

بقلم : عبدالمحسن سلامة

هناك من يريد تصدير الإحباط واليأس بين أوساط الصحفيين لتظل الأوضاع علي ماهي عليه بغض النظر عن مصلحة الصحفيين ومستقبلهم، ونسوا أن الصحفيين هم عقل الأمة وقلبها النابض لاتنطلي عليهم تلك المغالطات والاكاذيب، لكن تبقي المشكلة قائمة في الحقيقة نظرا لأن الكتلة الضخمة من الصحفيين مثلهم مثل باقي المجتمع ليسوا نشطاء سياسيين، وإنما هم مهنيون حقيقيون يعملون بالمهنة ويفنون أعمارهم فيها، وبالتالي فانهم يستخدمون عقولهم أكثر من أصواتهم ويهتمون بالسماع اكثر من الكلام.

هذه الكتلة الضخمة آن لها أن تتحرك لإنقاذ مهنتها ونقابتها من أقلية ـ نحترمها لكن نختلف معها ـ تريد أن تتحكم في مصير الصحفيين وتدفهم دفعا إلي حافة الهاوية واليأس والإحباط.

تذكرت ذلك وأنا أقرأ مقال الزميل محمد أمين المصري بعنوان حوار مع سائق تاكسي أمس في الاهرام حينما ذكر أنه قادته المصادفة إلي ان يستقل «تاكسي» وفوجيء بعم حنفي السائق يسرد له حكايات كثيرة أقلها كفيلة بان تجعله يذهب إلي كوبري قصر النيل ليكرر المشهد الشهير في الأفلام ويقفز من فوقه فاضطر للنزول من التاكسي دون ان يكمل المشوار، وأعطي له الاجرة كاملة دون النظر إلي العداد ليفلت من جحيم عم حنفي، ثم بعدها استخدم نظام تطبيق التوصيل السريع ليستقل سيارة نظيفة يقودها شاب مهندم تبدو علي ملامحه الرقي وكان يستمع لمحطة القرآن الكريم ليشعر بالطمأنينة والراحة النفسية إلا أنه اضطر أن يسأله عن كل ماسرده عم حنفي من روايات مفجعة فجاءت إجابته بردا وسلاما علي قلب وعقل الزميل محمد أمين المصري حينما قال له «الحمد لله في نعمة» ثم حكي له قصة نجاحه.

هذا هو الفارق بين من يريدون اشاعة روح اليأس والإحباط وبين من يرغبون في مقاومة هذا الكابوس بالعمل والاصرار حتي لو كان ذلك أمرا صعبا فلا مستحيل في الحياة، وإذا أردنا فنحن نستطيع، هكذا علمتنا تجارب الافراد والشعوب والأديان، فهناك الكثير من الصعوبات التي تحولت إلي نجاحات ملموسة في كل المجالات وعلي كافة الأصعدة والمستويات، سواء علي مستوي الافراد أو الدول والشعوب.

المهم أن تكون الرؤية واضحة وقابلة للتنفيذ وأن تتوافر الارادة الحقيقية بعيدا عن الاكاذيب والإدعاءات، فالكذب هو أخطر العناصر التي تدمر كل شيء، وكل شيء يمكن التسامح فيه إلا الكذب.

نريد أن نفتح أبواب الأمل بواقعية أمام المجتمع كله، والصحفيون جزء أساسي ورئيسي من المجتمع، ولن ننجح إلا إذا شعر المجتمع أننا نعيش فيه ويعيش فينا. إن قوتنا كصحفيين تكمن في وحدتنا داخل نقابتنا بعيدا عن الاستقطاب والتخوين والاتهامات السائدة الآن، وللأسف هناك من يريد تقسيم الصحفيين وتوزيع صكوك الوطنية عليهم، وبعد أن رفض المجتمع كله فكرة تقسيم المجتمع إلي فسطاطين الجنة والنار، آن الأوان لنرفض تقسيم المجتمع أو الصحفيين إلي فسطاطين الوطنية والخيانة، لان من يردد ذلك هم الذين يريدون تغطية فشلهم النقابي بتلك الشائعات والاكاذيب وإشعال نار الفتنة في المجتمع كله بشكل عام وفي أوساط الصحفيين بشكل خاص.

هذه الإدعاءات والاكاذيب تكشف سوء مقصدهم ومحاولتهم تكرار تجارب خاطئة بغض النظر عن مصلحة الصحفيين ومستقبل المهنة والمخاطر التي تهدد الكيان النقابي.

نعم لدينا مخاطر عديدة تهدد المهنة ذاتها ومستقبلها، وتضرب مستقبل شباب الصحفيين في مقتل، كما أن هناك مخاطر تهدد الكيان النقابي ذاته بعد أن دخلت النقابة في حالة «موت سريري» خلال الفترة الماضية، وبعد أن بدأت تظهر كيانات نقابية اخري يمكن أن تزيد من حدة الأزمة والتعقيد مثل نقابة الإعلاميين الجديدة، أو نقابة الصحفيين الاليكترونيين تحت التأسيس، والأخيرة لايجب السماح بها علي الإطلاق لانها تضرب نقابة الصحفيين في مقتل، لكن في ذات الوقت يجب ألا يترك الشباب في تلك المواقع بدون غطاء، ولابد من التفكير جديا في طريق لاستيعابهم بضوابط صارمة وبالتوافق مع الجمعية العمومية للصحفيين ومجلس النقابة بحيث يتم مناقشة هذا الأمر أثناء مناقشة قانون النقابة الجديد بدلا من القانون 76 لسنة 1970 الذي عفي عليه الزمن، وأصبح مثل عم حنفي السائق الذي يرفض كل شئ وتوقفت عنده عقارب الزمن دون أن يقدم بديلا.

صحيح أن المشاكل صعبة لكن الحلول ممكنة، والحلول لابد أن تسير في خطوط متوازية فليس معني الاهتمام بالتشريعات والحريات أن نهمل أوضاع المهنة، أو الأوضاع الاقتصادية والخدمية، والعكس صحيح فليس معني أن نهتم بالأوضاع الاقتصادية واوضاع المهنة أن يتم إهمال التشريعات والحريات، فالصحافة مهنة تحتاج إلي كل المسارات، وإهمال مسار أو تعطيله يؤدي إلي نتائج كارثية كالتي نعيشها الآن.

النجاح سلة واحدة، ومن يملك ادوات النجاح يستطيع السير في كل المسارات، والأمر المؤكد أن المرحلة المقبلة ـ إن شاء الله وبإرادة الزميلات والزملاء ـ سوف تشهد طفرة في الأداء النقابي علي جميع الأصعدة بدءا من الحريات والتشريعات ومرورا بالمهنة والارتقاء بها إلي جانب الأوضاع الاقتصادية للزملاء والمؤسسات، بالإضافة إلي الدفع بتحسين مستوي خدمات الصحفيين في العلاج والإسكان والتكافل والاهتمام بصحفيي الاقاليم والمحافظات.

سوف تبدأ رحلة الفطام عن موارد الدولة وليس معني ذلك الاستغناء عن حقوقنا علي الدولة، ولكن لابد أن نبدأ مرحلة الفطام والاستقلال المالي من خلال تطبيق نظام جديد لعمل «طابع دمغة صحفية عن كل الإعلانات بالصحف والمواقع الاليكترونية التابعة لنقابة الصحفيين» وكنت قد طرحت هذه الفكرة من قبل ولم يتم تفعيلها، حيث أعددت مشروعا تفصيليا لعمل طوابع دمغة صحفية علي كل الاعلانات بالصحف والمواقع الإلكترونية، وتتراوح قيمة الطوابع بين 50 جنيها للاعلان الأقل من 500جنيه، والفئة الثانية 100 جنيه للاعلان الأقل من خمسة آلاف جنيه، والفئة الثالثة 200 جنيه للإعلان الأقل من عشرة آلاف جنيه، والفئة الرابعة والأخيرة 500 جنيه للاعلانات الاكثر من عشرة آلاف جنيه، وهذه الطوابع مطبقة في نقابة المحامين والشرطة، وتضمن تحسين أحوال الصحفيين المعيشية والخدمية، وتوفير إعانة بطالة لمن توقفت صحفهم، أو تعرضوا لإجراءات فصل تعسفية.

تلك هي البداية، وان شاء الله هناك الكثير.

رابط المقال:

http://www.ahram.org.eg/NewsQ/581988.aspx

Back to Top