المعادلات الصعبة فى الأزمة الليبية.. بقلم ــ عبدالمحسن سلامة

 

هل نجح مؤتمر باليرمو الدولى الذى عقد برعاية الأمم المتحدة والحكومة الإيطالية فى وضع الأزمة الليبية على أعتاب مرحلة حل الأزمة بعد كل هذه السنوات؟!

هذا هو السؤال المطروح الآن بعد أن اختتم المؤتمر الدولى أعماله فى مدينة باليرمو الإيطالية بمشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسي، وعدد من رؤساء الدول ووفود دول عديدة معنية بالأزمة الليبية لإيجاد مخرج لتلك الأزمة المتفاقمة منذ أكثر من 7 سنوات.. أعتقد أنه إذا كان المؤتمر قد نجح فى تجميع الفرقاء الليبيين، وتأكيد الوفود المشاركة احترامهم الخطط الأممية الرامية إلى إيجاد حل للأزمة الليبية وخاصة اتفاق الصخيرات، وخطة المبعوث الأممى غسان سلامة، إلا أن كل هذه الجهود تظل خطوة تحتاج إلى استكمال فى طريق طويل وممتد حتى يمكن الخروج من النفق المظلم الذى وقعت فيه ليبيا منذ 7 سنوات، بعد انهيار الدولة الليبية وسقوط نظام العقيد معمر القذافى فى فبراير 2011 بعد أن تحولت الثورة إلى فوضى واقتتال أهلى وانتهت بمصرع العقيد معمر القذافى فى 20 أكتوبر 2011.

أكثر من 7 سنوات حتى الآن دخلت فيها ليبيا إلى الجحيم بعد أن سيطرت عليها الميليشيات والجماعات المسلحة، وتحولت إلى أشلاء دولة نتيجة الصراعات المسلحة والفوضي، بل إنها تحولت إلى مأوى للإرهابيين من كل دول العالم بعد أن فقدت السيطرة على حدودها، ونزوح عدد كبير من مواطنيها، وفرار أعداد كثيرة من الجماعات الإرهابية الفارين من سوريا والعراق إليها.

يبلغ عدد سكان ليبيا ما يقرب من 7 ملايين نسمة يسكنون مليونا وسبعمائة وتسعة وخمسين كيلو مترا مربعا أى ضعف مساحة مصر إلا قليلا فى حين يسكنها عدد سكان لا يتجاوز 7% من عدد سكان مصر، ومع ذلك فلديهم ثروة نفطية يبلغ عائدها السنوى تقريبا فى حدود 15 مليار دولار بمتوسط 90 ألف دولار للفرد سنويا تقريبا.

ضاق الليبيون ذرعا بالفوضى العارمة التى اجتاحت دولتهم وحولتهم إلى شعب من اللاجئين والمحاصرين، وفى عام 2014 استطاع المشير خليفة حفتر من خلال عملية الكرامة إعادة تكوين الجيش الليبى مرة أخرى من أجل التصدى للجماعات الإرهابية ولم شمل الجيش الليبي، واستطاع التصدى للجماعات المسلحة فى بنغازى ثانية أكبر المدن الليبية، وبعدها تمكن من بسط نفوذ الدولة والجيش على بنغازى وكل مدن الشرق المطلة على البحر المتوسط تقريبا، وكان آخر المعاقل التى نجح فى تحريرها من الإرهابيين مدينة درنة التى كانت تعتبر أخطر المعاقل الإرهابية فى الشرق.

رغم ذلك فلا تزال هناك مناطق فى الغرب أبرزها طرابلس بعيدا عن سيطرة الجيش الليبي، ولعل ما حدث أخيرا من اشتباكات بين الجماعات والميليشيات المسلحة فيها يكون الدليل الأبرز على فشل الاعتماد على تلك الميليشيات والجماعات فى حفظ الأمن مما يستدعى ضرورة بسط نفوذ الجيش الليبى على كامل مناطق وأراضى ليبيا، وحل الميليشيات المسلحة وتسليم أسلحتها، ودمج عناصر الجيش الليبى فى جميع المناطق بشكل فردى فى الجيش الوطنى بعيدا عن الجبهات والميليشيات والتحالفات.

منذ ولاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومصر لديها رؤية ثابتة وواضحة بضرورة توحيد الجيش الليبى ودعمه من أجل بسط نفوذه على كامل الأراضى الليبية، ورفض كل الجماعات والميليشيات المسلحة، وإطلاق عملية سياسية قائمة على دعم اتفاق الصخيرات وخطة المبعوث الأممى غسان سلامة.

سألت السفير بسام راضى عن مدى نجاح قمة باليرمو فى حل الأزمة الليبية؟

أجاب: باليرمو خطوة فى إطار الجهود الدولية التى تساندها مصر لحل الأزمة الليبية لكنها تحتاج إلى خطوات أخرى كثيرة من أجل إنهاء الأزمة الليبية المعقدة والممتدة منذ أكثر من سبع سنوات، وأضاف: مصر تهتم بالأزمة الليبية باعتبارها جزءا أساسيا وإستراتيجيا من الأمن القومى المصري، فلدينا حدود مع ليبيا تمتد لأكثر من 1200 كيلو متر، مما يحمل الدولة المصرية أعباء باهظة التكاليف لتأمين تلك الحدود، مشيرا إلى أن الحدود بين أى دولتين تقوم الدولتان بتأمينها، لكن فى الحالة الليبية مصر هى فقط من تقوم بتأمين الحدود نظرا للأوضاع الحالية فى ليبيا، وهذا يتطلب جهدا كبيرا من الجيش المصرى فى مراقبة تلك الحدود الطويلة والممتدة. وقد اعترف العالم كله بما تقوم به مصر من جهد كبير فى هذا المجال، مما انعكس على الحد من الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، وأيضا أسهم فى منع وصول العديد من الجماعات الإرهابية إلى ليبيا بعد أن فرت من دول النزاع الأخرى مثل سوريا والعراق.

 

وأضاف السفير بسام راضى قائلا: نجحت قمة باليرمو فى عقد قمة بين المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الليبي، ورئيس الوزراء فايز السراج، وهو اللقاء الأول لهما منذ فترة طويلة، وأحدث نوعا من التقارب والتفاهم فيما بينهما بما يعزز فرص الحوار والتسوية.

أيضا فقد أكدت القمة أهمية الدور المصرى فى حل الأزمة الليبية، وتقدير المجتمع الدولى كله خصوصا إيطاليا لرؤية مصر فى حل هذه الأزمة، حيث تتمسك مصر بضرورة توحيد الجيش الليبى ودعمه، وعدم الالتفات إلى الجماعات والميليشيات المسلحة، لأن دولة المؤسسات هى الضامن الرئيسى لنجاح أى تسوية مستقبلية خاصة إذا كنا نتحدث عن انتخابات وإجراءات دستورية وقانونية، فهذا يحتاج إلى ضرورة توفير الأمن اللازم لتنفيذ تلك الاستحقاقات، ولن يتم ذلك إلا بجيش موحد وقوى قادر على حماية الشعب الليبي، مشيرا إلى أن مصر تتعامل مع الشعب الليبى على أساس مبدأ المواطنة للجميع بعيدا عن التصنيفات الدينية والجغرافية والقبلية، وهو شعب عربى شقيق وجار، آن الأوان لكى يتخلص من كابوس الفوضى والمعاناة التى يعيشها.

وأوضح أن مصر تتمسك برؤية المسار السياسى الواحد للأزمة الليبية بما لا يفتح الباب أمام مسارات موازية أخري، بعيدا عن المبادئ الأممية التى تم إقرارها.

بعيدًا عن تصريحات السفير بسام راضى المتحدث باسم رئاسة الجمهورية فإن كل الشواهد تشير إلى أن الرؤية المصرية لمعالجة الأزمة الليبية هى الرؤية الأكثر واقعية فى هذا الصدد، وهناك أطراف دولية عديدة باتت مقتنعة بالرؤية المصرية، لأنها رؤية قائمة على فكرة إنقاذ الدولة الليبية أولا، والحفاظ على مؤسساتها بعيدا عن الأشخاص والتوجهات، لكن للأسف لاتزال هناك أطراف أخرى تغذى حالة الانقسام الليبي، وتزيد الأزمة اشتعالا بسبب الصراع على غنيمة النفط الليبي، وهى الحقيقة التى أكدها المبعوث الأممى غسان سلامة فى حواره مع الأستاذ مكرم محمد أحمد الذى نشرته صحيفة «الأهرام» والذى أكد فيه «أن التسوية السياسية لن تكون سهلة أو قريبة الموعد» مشيرا إلى أن ليبيا بسبب الانقسامات تحولت إلى «شظايا عديدة، بعد أن تحول الصراع فى ليبيا إلى صراع على الثروة» بعد انهيار سلطة الدولة وتزايد دور الميليشيات المسلحة وسيطرتها على كثير من المدن الليبية.

الصراع على الثروة الليبية أدى إلى تزايد الضغوط الداخلية والخارجية لاستمرار هذا الوضع المأزوم لاستنزاف تلك الثروة لمصلحة أطراف دولية، وكذلك استمرار الحفاظ على المكاسب الطائلة لجنرالات الحرب من الجماعات المسلحة التى ثبت أن قادتها يحصلون على كم هائل وضخم من الأموال دون رقيب، والأخطر هو دور الجماعات الإرهابية التى تقاتل حتى النفس الأخير للحفاظ على وجودها فى ليبيا باعتبار أنها آخر المعاقل التى يمكن أن تفر إليها بعد النجاحات التى تحققت فى سوريا والعراق، ولم يعد أمام تلك الجماعات الإرهابية سوى ليبيا للفرار إليها، على أمل إعادة تنظيم صفوفها والتقاط أنفاسها لتعود تضرب بقوة من جديد وتستعيد نفوذها المفقود فى العديد من دول المنطقة.

الميزة الأساسية فى الشعب الليبى أنه شعب مسالم، وليس به انقسامات حادة (طائفية أو عرقية) كما فى سوريا أو العراق مثلا، لكن دخول الجماعات المتطرفة والمسلحة على الخط هو الذى يعرقل الآن فرص الحل السياسي، ويساند ذلك للأسف الشديد أطراف إقليمية ودولية تريد استمرار هذا الوضع المأساوى هناك.

لابد أن تتجاوز إيطاليا وفرنسا خلافاتهما بشأن رؤية حل الأزمة الليبية بعد أن قطعا شوطا لا بأس به فى هذا المجال، والتوافق على الرؤية المصرية بشأن توحيد الجيش الليبى ودعم مؤسسات الدولة الوطنية من أجل التمهيد لإجراء الاستحقاقات السياسية والدستورية المتوافقة مع اتفاق الصخيرات وخطة المبعوث الأممى غسان سلامة.

استمرار الوضع الحالى أمر غير مبرر أو معقول لأنه يسهم فى تقوية الجماعات المسلحة والإرهابية غير الشرعيين، ويهدد بوقوع المزيد من الاشتباكات على غرار تلك الأحداث التى وقعت فى طرابلس أخيرا. فالجيش الليبى الآن هو مفتاح الحل، ودعمه ورفع حظر تصدير السلاح إليه بات ضرورة ملحة لإعادة بسط الأمن أولا فى كل ربوع الدولة الليبية، وساعتها يمكن بسهولة تحقيق كل الالتزامات والاستحقاقات السياسية والدستورية.

أتمنى أن تكون قمة باليرمو خطوة فى الاتجاه الصحيح تعقبها خطوات أخرى سريعة وجادة لإنقاذ ليبيا من مأزقها الحالي، ووضع النقاط على الحروف لعودة الدولة الليبية قوية موحدة تحمى مواطنيها فى الداخل وحدودها ضد مخاطر نزوح الجماعات الإرهابية والمتطرفة التى تحاول التسلل إليها فى جنح الظلام والفوضي.

Back to Top