أيها الصحفيون استردوا صحافتكم!
كرم جبر
فى زمن الصحافة الجميل كان الاحترام السياسى والمهنى والأخلاقى، هى المفردات التى يكتب بها الصحفيون، يتحاورون ويتعاركون ويتبارون فى استخدام كنوز اللغة، وفى النهاية يدشنون ثقافة الاختلاف و«الاحترام»، فلا تطاول ولا شتائم ولا تعليقات جارحة ولا اتهامات مرسلة، وغيرها من التقاليد الرائعة التى اختفت من القاموس السياسى والصحفى، وتم استبدالها بأساليب وممارسات أضعفت هيبة الصحافة ومصداقيتها وريادتها، فسقط منها فى الزحام لقب صاحبة الجلالة.
ليس فى وسع أحد أن يقول للزمان ارجع يا زمان، ولا أن نستنسخ العقاد ومحمد زكى عبدالقادر وإحسان عبدالقدوس وأنيس منصور وأحمد بهاء الدين وصلاح حافظ وفتحى غانم وعبدالرحمن الشرقاوى، وغيرهم من آلاف العمالقة الذين رفعوا سمعتها عالية فى السماء، وجعلوا الصحافة المصرية النموذج التى تتطلع إليه كل الصحف العربية.. فصحافتنا تعانى التدنى والتدهور والانهيار، وساءت أوضاع الصحافة والصحفيين، ونزلوا من أعلى السلم الاجتماعى إلى درجات أدنى، فى ظل ظروف مهنية ومعيشية بالغة الصعوبة، ولم تعد هناك صحافة الشمال المرفهة الغنية، وصحافة الجنوب الأقل انتعاشا ورواجا، وحاصرت الديون مؤسسات عريقة لم تعد قادرة على الصمود، دون أن تحصل على الدعم من خزانة الدولة.
كانت المنافسة الصحفية فى الزمن الجميل تعنى الفروسية والشهامة، وليست المؤامرات والمكائد والضرب تحت الحزام، وأتذكر إحسان عبدالقدوس نموذجاً رائعاً، ورغم أن والدته فاطمة اليوسف كانت صاحبة المؤسسة العريقة التى تحمل اسمها، إلا أنها لم تجامله، وتعمدت أن تصنع منه كاتبا قويا خشنا، يستطيع أن يشق طريقه بين العمالقة، وأطلقت بينه وبين أحمد بهاء الدين سباقًا صحفياً شرساً، ومنعت نشر مقالاته الأدبية والشعرية فى «روز اليوسف» حتى لا يقال إنه «ابن الست»، فأرسل مقالاً لم يوقعه باسمه، احتل صدر الصفحة الأدبية، كانت تريده فارسا عنيدا ومقاتلاً نبيلا، وتحقق لها ما أرادت، وأصبح إحسان هو فارس الحب والحرية وأحد النبلاء العظام فى بلاط صاحبة الجلالة.
عودة تقاليد الصحافة العريقة فى الزمن الجميل ضرورة، لتستعيد صاحبة الجلالة عرشها ومكانتها، وتسترد المؤسسات الصحفية عافيتها وقوتها، فتقف على قدميها وتعظم مواردها ولا تمد يدها، وتنزع الاشواك من طريق الأجيال الجديدة التى تحلم بالحياة والحرية، فيظهر بينهم نجوما جددا يرفعون شأن المهنة، ويسطرون صفحات جديدة، قوامها سمو الكلمة ونظافة اليد واللسان، والعودة من جديد إلى التميز والمنافسة، والجرأة المسلحة بالمصداقية، والحرية التى تقدس معنى الحرية.. ملحوظة: تذكرت ذلك بمناسبة انتخابات الصحفيين الجمعة المقبلة.
رابط المقال