الخيط المشترك فى مئوية عبد الناصر والسادات وزايد... بقلم ــ عبدالمحسن سلامة

لحسن الحظ أن نحتفل هذا العام بمئوية مولد 3 من الزعماء التاريخيين العرب هم بحسب ميلادهم جمال عبد الناصر وزايد آل نهيان وأنور السادات، وهم الذين تركوا بصمة لا تنسى، ليس فى تاريخ دولهم أو عالمهم العربى فقط، بل امتد تأثيرهم إلى العالم كله بأفعالهم ومواقفهم المشهود لها محليا وعالميا.

البداية كانت بالزعيم جمال عبد الناصر الذى ولد فى 15 يناير 1918، وكان أبرز قادة ثورة 23 يوليو 1952 التى غيرت خريطة مصر والعالم العربي، وأسهمت فى إشعال موجة من موجات التحرر الوطنى فى إفريقيا والعالم كله، ونجحت فى انتزاع استقلال مصر وطرد المستعمر الإنجليزى إلى غير رجعة، وامتد تأثير الثورة المصرية إلى خارج حدودها فكانت أيقونة لكل الحالمين بالحرية وطرد المستعمر وقيام الدولة الوطنية المستقلة فى كل ربوع العالم العربى وإفريقيا والعالم.

لم يكن عبدالناصر زعيما محليا فقط لكنه كان زعيما عربيا ذا تأثير واسع على كل الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، ولا تزال هناك أحزاب موجودة ببعض البلدان العربية تأثرا بالزعيم جمال عبد الناصر.

بغض النظر عن مدى الاتفاق والاختلاف فى بعض سياسات الزعيم الراحل إلا أن أحدا لا يستطيع إنكار حجم شعبيته فى الشارع العربي، وقدرته الفذة على تجميع الشعب المصرى والشعوب العربية حوله.

نجح الرئيس جمال عبد الناصر فى إحداث نوع من التكامل بين فكرة الدولة الوطنية المصرية وبين الهوية القومية العربية دون طغيان لواحدة على الأخري، وأدرك عمق الانسجام بين الدائرتين، لأن قيام الدولة الوطنية القوية هو البداية الحقيقية لأى تكامل أو وحدة عربية.

أيضا استطاع عبد الناصر فى كتابه «فلسفة الثورة» تأكيد التلازم بين العروبة والإسلام دون تشدد أو تعصب، وانفتح عبدالناصر على كل الثقافات الأخرى وأقام تحالفات عالمية كبرى مع دول عدم الانحياز والدول الاشتراكية والدول الإسلامية فى الوقت نفسه دون طغيان من جهة على أخري.

اجتهد عبد الناصر فى تحقيق أهداف ثورة 1952 الستة، ونجح بالفعل فى بعضها، ووقفت القوى الاستعمارية له بالمرصاد فكان العدوان الثلاثى فى 1956، وبعده حرب 1967 من أجل استنزاف قدرات الدولة المصرية، واستمرارها فى مستنقع الجهل والفقر والتخلف، ومع ذلك نجح عبد الناصر فى كسر هذا الطوق الجهنمى الغادر وأسس لدولة مصرية قوية، وهوية عربية، وحلم قومى لا يزال يراود الكثيرين من أبناء الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج.

أما ثانى الزعماء العرب الذى نحتفل بمئويته هذا العام فهو الشيخ زايد آل نهيان الذى ولد فى 6 مايو 1918. والأمر المؤكد أن الشيخ زايد آل نهيان حالة خاصة وفريدة من الزعماء، ليصبح السادس من أغسطس يوم توليه مقاليد الحكم فى إمارة «أبو ظبي» يوما فارقا فى تاريخ الإمارات والأمة العربية كلها، حيث استطاع بنجاح إقامة أول اتحاد عربى ناجح ومستمر حتى الآن من خلال بناء اتحاد دولة الإمارات العربية.

فى البداية نجح فى إقامة اتحاد مع إمارة دبي، وتأسيس اتحاد بين إمارتى «أبو ظبي» و«دبي» عام 1968 بالتعاون مع الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، لينجحا معا فى تأسيس أول فيدرالية عربية حديثة.

لم يتخل الشيخ زايد عن حلمه وصبر وثابر حتى استطاع بحكمة وهدوء إعلان اتحاد الإمارات العربية المتحدة الذى يضم «أبو ظبي، دبي، الشارقة، الفجيرة، أم القوين، عجمان، رأس الخيمة»، ليكون النواة الأولى فى مسيرة الوحدة العربية دون ضجيج أو شعارات.

لو كان تأسيس اتحاد الإمارات العربية المتحدة هو الإنجاز الوحيد للشيخ زايد آل نهيان لكفي، ولكن الأمر لم يتوقف عند ذلك الحد، بل امتدت إسهاماته إلى مختلف المجالات، عربيا، وإقليميا، ودوليا.

نجح فى تطوير وتغيير وجه الحياة فى الإمارات، واستطاع أن يقيم دولة عصرية حديثة تواكب أحدث المتغيرات العالمية، وفى الوقت نفسه تحتفظ بوجهها العربى والإسلامى فى مزيج فريد من الأصالة والمعاصرة، وأسقط كل الحواجز بينه وبين شعبه من خلال الحرص على الالتزام بقيم الصراحة والوضوح والمباشرة مع مواطنيه لتقفز الإمارات خطوات هائلة فى طريق التطور والإصلاح.

فى العلاقات العربية كان حائط الصد ضد تدهور تلك العلاقات فى الأوقات العصيبة التى مرت على المنطقة، وكان الصدق والإخلاص والوضوح أدواته الدائمة فى رأب الصدع العربي، ولمَّ شمل الزعماء العرب، وكان كل الزعماء العرب يعرفون عنه أن مواقفه واضحة وصريحة ولا خلاف بين ما يعلنه وما يتم الاتفاق عليه فى الاجتماعات والغرف المغلقة.

هو صاحب المقولة الشهيرة «النفط العربى ليس أغلى من الدم العربي» التى أطلقها فى أثناء حرب أكتوبر المجيدة، وكان وزراء النفط العرب اجتمعوا فى الكويت لبحث الدعم العربى للجبهتين المصرية والسورية، وقرروا خفض صادرات النفط بنسبة 5%، وهو القرار الذى لم يعجبه ليطلب من وزير البترول والثروة المعدنية الإماراتى الذى كان موجودا فى الكويت لحضور الاجتماع الدعوة إلى مؤتمر صحفى هناك، ليعلن فيه قطع النفط بالكامل عن الولايات المتحدة، وأى دولة أخرى تقف مع العدو الإسرائيلي.

هذا الموقف التاريخى يجسد الصفات الشخصية للشيخ زايد وانتماءه العربى الأصيل، وهو موقف جريء وشجاع لأنه ـ كما وصفه الخبراء ــ فتح جبهة جديدة إلى جانب الجبهتين المصرية والسورية فى المعركة وأدخل لأول مرة سلاح البترول كأداة من ضمن أدوات الحروب فى التاريخ.

خلال المؤتمر الصحفى الذى عقده الشيخ زايد تعقيبا على قرار وقف تصدير النفط أعلن اقتناعه الكامل بالقرار وعدم الخوف من أى تداعيات له قائلًا: «لقد أصدرت قرار قطع النفط لإيمانى أنى أؤدى واجبى كاملًا تجاه أهلى وقومي، إن الولايات المتحدة فى موقفها ضد العرب ومساندتها إسرائيل تقف ضد العدالة، ونحن لا نسعى إلى الحرب، لكننا فقط نريد استعادة حقوقنا المسلوبة، كما أننا ندافع الآن عن أرضنا التى عشنا عليها آلاف السنين، وأكلنا من خيرها، إننا بهذه الحرب قد واجهنا المستحيل، واستطعنا بحمد الله أن نكسر هذا المستحيل، والعالم كله يقف معنا الآن لأننا أصحاب حق».

كان موقف الشيخ زايد هو البداية ثم انضمت الدول العربية الأخرى فى ملحمة عربية رائعة جسدت التعاون والتكامل العربى الفعلى لأول مرة دون خوف أو تردد.

على صعيد العلاقات المصرية - الإماراتية كان الشيخ زايد عاشقًا لمصر قولًا وفعلًا، ومن خلال مواقف كثيرة يصعب حصرها، مما كان دافعًا قويًّا لمؤسسة الأهرام العريقة لكى تحتفى اليوم فى احتفالية خاصة بمئوية الراحل العظيم الشيخ زايد آل نهيان وفاء من الشعب المصرى لهذا القائد الحكيم فى كل مواقفه على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية، وهى الاحتفالية التى تشرفت برعاية سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية، وسمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وولى عهد أبوظبى لها بما يؤكد استمرارية تدفق العلاقات القوية بين الدولتين على المستويين الرسمى والشعبي، بما يجعل العلاقات المصرية - الإماراتية نموذجا يحتذى به فى العلاقات بين الشعوب والدول العربية، كونها علاقة قوية وراسخة لم تهتز ولم تتزعزع على مدى أكثر من خمسة عقود.

أما الزعيم الثالث الذى نحتفل بمئوية مولده فهو الزعيم الراحل أنور السادات الذى ولد فى 25 ديسمبر 1918، والرئيس أنور السادات هو رئيس عبقرى بكل ما تحمله الكلمة من معان فهو بطل الحرب والسلام معًا، وهو الزعيم الذى كان تفكيره يسبق عصره بمراحل، وحاز إعجاب العالم كله بقراراته ومواقفه، واستشهد دفاعا عن مبادئه وراح ضحية الغدر والخسة والنذالة من حفنة من الإرهابيين المارقين.

كان الرئيس أنور السادات نائبا لرئيس الجمهورية قبل أن يصبح رئيسا عام 1970، ومنذ توليه مسئولية السلطة نجح فى مواجهة أصعب الأزمات وأعقدها داخليا وخارجيا.

واجه السلفية الناصرية وحاملى قميص عبد الناصر ـ وهو منهم براء ـ بعد أن حاولوا الانقلاب عليه، ونجح فى إعادة ترتيب البيت من الداخل، كما نجح فى مواجهة الهيمنة السوفيتية وقرر طرد الخبراء السوفيت فى أكثر التوقيتات حساسية، وهو فى كل ذلك كان يرتب لأعظم الانتصارات العربية فى التاريخ الحديث بعد أن قرر خوض حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 لتستعيد الأمة العربية شرفها وكبرياءها وعزتها وكرامتها، وتتحطم إلى الأبد أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لايقهر إلى الأبد.

كان الرئيس أنور السادات هو صاحب قرار حرب أكتوبر التى خاض فيها الجيش المصرى أشرف المعارك، وأضاف خبرات جديدة فى سجل وتاريخ الحروب فى العالم، ونجح فى أن يسطر أعظم الانتصارات العربية ليقف العالم مشدوها أمام قدرة هذا الجيش العظيم الذى يضم خير أجناد الأرض بشهادة الرسول الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

لم يكتف الرئيس الراحل أنور السادات بهذا الإنجاز الضخم والتاريخى لكنه أصر على استكمال إعادة كل شبر من الأراضى المصرية والعربية، فكانت مبادرة السلام التى أطلقها، وزلزلت العالم كله شرقه وغربه، وسافر إلى القدس وعرض خطته فى السلام على الكنيست الإسرائيلى ليتم بعدها التوصل إلى اتفاقية كامب ديفيد للسلام والتى كانت مكونة من شقين الأول مصرى إسرائيلي، والثانى إسرائيلى عربي، لكن ضيق الأفق وضعف البصر والبصيرة لم يسعفا الكثير آنذاك لمواكبة رؤية الزعيم الراحل العظيم، فوقفوا له بالمرصاد رافضين جهوده، لكنه نجح فى استعادة كامل الأراضى المصرية المحتلة.

أثبت التاريخ عبقرية الرئيس السادات وبعد نظره ليسجل التاريخ أنه نجح فى تحرير كامل الأراضى المصرية المحتلة فى العدوان الإسرائيلى عام 1967.

خيوط مشتركة كثيرة جمعت بين الزعماء الثلاثة عبدالناصر وزايد والسادات ليس فقط كونهم ولدوا فى عام واحد هو عام 1918، لكنهم أيضا جمعت بينهم صفات العبقرية والنبوغ، وبعد النظر، وسعة الأفق، وقدرتهم على تغيير واقع دولهم، وامتداد تأثيرهم إلى نطاقهم الإقليمى والعربي، وامتداد هذا التأثير إلى العالم كله.

لكل ذلك كان الزعيم عبد الناصر أكبر داعم للشيخ زايد فى خطوته الأولى لاتحاد إماراتى «أبوظبى ودبي» عام 1968، وكان الرئيس السادات أكبر داعم لاتحاد الإمارات عام 1971، وظل الشيخ زايد دائما وأبدا محبا لمصر والمصريين وداعما لها فى كل المواقف وعلى مختلف الأصعدة حتى وفاته، ليستمر هذا الترابط التاريخى الوثيق، من بعده بين الشعبين والقيادتين فى إطار من الثقة والاحترام المتبادل والتضامن، إلى جانب توافق الرؤى بشأن مجمل قضايا وملفات المنطقة والعالم.

Back to Top