رحلة الخروج من الظلام إلى النور.. بقلم ــ عبدالمحسن سلامة
منذ 5 سنوات كان المشهد مثيرًا وعبثيًّا إلى درجة كبيرة، فالكهرباء كانت مثل الفاكهة المحرمة، لا تأتى إلا نادرًا، والظلام أصبح يهاجم القاهرة والمحافظات يوميًّا ولساعات طويلة، ربما تمتد إلى أكثر من نصف اليوم فى محافظات الصعيد والوجه البحري، وتقل قليلًا فى محافظات القاهرة الكبري.وفى كل الأحوال أصبح تخفيف الأحمال سمة يومية فى التعامل مع الكهرباء، ومع استمرارية تلك الحالة الظلامية ازدهرت تجارة المولدات الكهربائية للطبقة الميسورة، أما الطبقات الفقيرة فلجأت إلى شراء «لمبات الجاز» و«الكلوبات» مرة أخري.
أدى الانقطاع المستمر للكهرباء إلى تلف الأجهزة الكهربائية فى المنازل، وفساد المخزون من الأطعمة فى البيوت، وأصبحت الكهرباء والانقطاعات المستمرة لها حديث الصباح والمساء فى البيوت المصرية.
كان السؤال الذى يلح على ألسنة المصريين ماذا حدث؟! ولماذا هذا الانهيار الرهيب فى الكهرباء؟!.
كانت الإجابات مراوغة كثيرًا وصحيحة قليلًا، وعبثية أحيانًا، لدرجة أن رئيس الجمهورية المعزول محمد مرسى خرج فى خطاب رسمى يتحدث عن هؤلاء الذين يقطعون الكهرباء متعمدين من العمال، وتحدث عن أحد العمال فى إمبابة الذى «يغلق سكينة الكهرباء ويمشي» فى تشخيص للأزمة بشكل هزلى وعبثى إلى حد كبير، أما رئيس وزرائه آنذاك هشام قنديل، فقد طالب المصريين بارتداء الملابس القطنية، وعدم تشغيل المكيفات والأجهزة الكهربائية.
مأساة كبيرة عاشتها مصر مع أزمة الكهرباء فى تلك الفترة العصيبة من تاريخها، وامتد تأثيرها السلبى إلى المصانع والشركات التى تعطَّل فيها العمل بسبب انقطاعات الكهرباء المستمرة، وعدم انتظامها.
المشهد الثانى كان فى مستودعات أسطوانات البوتاجاز التى كانت فيها الطوابير تصل إلى مسافات طويلة بسبب الصراع على الفوز بأسطوانة بوتاجاز بسبب نقص الحصة وعدم الانتظام فى توريد حصص الأسطوانات المقررة للمستودعات، وأصبحت صورة طوابير مستودعات البوتاجاز دائمة فى الصحف المصرية حينذاك، وانخفض المخزون الإستراتيجى للبوتاجاز إلى أقل من أسبوع، وكانت الأزمة تشتد وتكون أكثر ضراوة فى الشتاء، وفى المواسم وقبل الأعياد بسبب الزيادات الطبيعية فى الاستهلاك.
المشهد الثالث، من محطات تموين السيارات، فقد وصلت الأزمة إليها هى الأخري، وامتدت طوابير السيارات أمام محطات البنزين لتغلق الطرق وتعطل السير فى انتظار قدوم العربات المحملة بالبنزين التى كانت غالبا لا تكفى كل هذه الطوابير المنتظرة، ووصل الأمر إلى أن أصحاب السيارات كانوا يضطرون إلى المبيت أحيانا فى سياراتهم انتظارًا لوصول العربات الناقلة للبنزين.
كان من الصعب أن تتوافر كل أنواع البنزين فى محطة تموين واحدة، خاصة السولار وبنزين 80، فيضطر اصحاب السيارات إلى عمل «كعب داير» وقطع مسافات طويلة بحثًا عن محطة تموين تتوافر بها تلك النوعيات.
مأساة كبيرة عاشتها مصر فى تلك الفترة الصعبة مع الكهرباء والطاقة، وكان المصريون يتابعون خروج الشحنات من موانى الدول الصديقة والشقيقة القادمة إلى مصر فى محاولة لمتابعة توقيت وصولها لمعرفة حجم الانفراجة المتوقعة ومدتها، وللأمانة والتاريخ، فقد وقفت دول الخليج العربى خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت موقفًا تاريخيّا لا يُنسى من أجل تخطى تلك الفترة العصيبة باستثناء بعض المواقف الانفعالية التى لا تنسى أيضا، حينما قررت إحدى الشركات التابعة لدولة شقيقة إعادة السفن وهى فى عرض البحر ومنعها من القدوم إلى مصر حتى تم تجاوز تلك المشكلة وحل الأزمة.
تذكرت كل تلك المشاهد والأحداث وأنا أتابع مؤتمر الأهرام الثانى للطاقة مستمعا إلى حديث د.محمد شاكر وزير الكهرباء والطاقة المتجددة الذى نجح فى رصد رحلة خروج مصر من الظلام إلى النور وكيف أنها كانت رحلة شاقة وعسيرة، فالعجز فى قطاع الكهرباء كان ضخما حيث تم تنفيذ خطة عاجلة لإضافة قدرات بإجمالى 3632 ميجاوات، للتغلب على العجز الموجود، وتم تنفيذها فى وقت قياسى لم يتجاوز ثمانية أشهر لتبدأ الآثار الإيجابية تظهر تباعا اعتبارا من صيف عام 2015 لينتهى تخفيف الأحمال تماما بعد ذلك.
كانت هناك خطة عاجلة لإنهاء الأزمة تعلقت بتوظيف كل ما هو متاح من إمكانات، وإنهاء مشكلات المحطات التى كانت تحت الإنشاء، بعدها تم إدخال نحو 6000 ميجاوات فى الشبكة الكهربائية لتضاف قدرات جديدة إلى الشبكة بالإضافة إلى رفع كفاءة كل محطات توليد الكهرباء لتأمين التغذية الكهربائية اللازمة لتلبية متطلبات التنمية الشاملة على أرض مصر فى كل المجالات. مشيرا إلى أن قطاع الكهرباء نجح فى إنشاء 3 محطات عملاقة لتوليد الكهرباء بنظام الدورة المركبة بسعة 14400 ميجاوات بكفاءة أعلى من 60% ، وتم افتتاحها فى يوليو الماضى بتشريف رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، وسوف يصل إجمالى القدرات الكهربائية المضافة إلى الشبكة الكهربائية الموحدة بنهاية هذا العام إلى نحو 25 ألف ميجاوات أى ما يعادل 12 ضعف قوة السد العالى وهى القدرات التى تمت إضافتها خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
إعجاز حقيقى حدث فى قطاع الكهرباء أدى إلى انبهار العالم بما حدث فى مصر وقدرتها على الخروج من الظلام الذى كان يهددها إلى تأمين الطاقة الكهربائية لكل الاحتياجات المنزلية والصناعية والزراعية والتوسع العمرانى والصناعى والزراعى فى إطار إستراتيجية قطاع الكهرباء 02035 الآن انقلب العجز الضخم فى قطاع الكهرباء إلى وجود احتياطى آمن يصل إلى 25% حاليا مع السعى إلى زيادة هذا الاحتياطى فى إطار خطة لإدخال مصادر جديدة ومتنوعة للطاقة، والالتزام بالمعايير البيئية الصارمة فى إنشاء المحطات الجديدة وأيضا الالتزام بأعلى معايير الأمان فى إنشاء مفاعل الضبعة النووي، حيث تعمل مصر على تنويع مصادر الطاقة مثل إقامة أكبر محطة للطاقة الشمسية فى العالم المقامة فى بنبان، وكذلك محطة توليد الطاقة من الرياح فى الزعفرانة، إلى جوار توليد الكهرباء من الطاقة النووية فى الضبعة.
كل هذا سوف يسهم فى التوسع فى تصدير الطاقة من خلال محطات الربط مع الدول الأخرى كالسودان والأردن وغيرهما من الدول العربية والإفريقية والأوروبية.
هذا الإعجاز لم يكن ليتحقق إلا بالتعاون مع قطاع البترول والثروة المعدنية، وهو القطاع الذى نجح فى توفير احتياجات محطات توليد الكهرباء من البترول والغاز، حيث عمل قطاع البترول على عدة محاور أساسية هى تأمين الطاقة والاستدامة المالية، وحسن إدارة هذا القطاع بأعلى كفاءة ممكنة مما أدى إلى تحقيق الأهداف المرجوة خلال السنوات الأربع الماضية.
شرح المهندس طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية قصة نجاح قطاع البترول الذى كان يعانى الأزمات العنيفة والديون المتأخرة للشركات، وتوقف الاكتشافات، وهروب الشركات العاملة فى هذا القطاع من مصر، إلا أنه خلال السنوات الأربع الماضية تغيرت الحال تماما حيث تم توقيع 63 اتفاقية بترولية جديدة باستثمارات تبلغ نحو 14 مليار دولار، وتنفيذ أكبر مشروعين لتجميع البيانات الجيوفيزيقية بمنطقتى البحر الأحمر وجنوب مصر، وخفض مستحقات الشركاء الأجانب إلى أقل من الثلث لتصل إلى 1.2 مليار دولار فى يونيو الماضى وتنفيذ 24 مشروعا لتنمية حقول الغاز أهمها مشروعات ظهر وأتول ونورس وشمال الإسكندرية، وهى المشروعات التى أسهمت فى زيادة الإنتاج من الغاز الطبيعى بنسبة 60% مقارنة بمتوسط الإنتاج عام 2015، وتحقيق الاكتفاء الذاتى من الغاز الطبيعى فى سبتمبر الماضي.
سألت وزير البترول المهندس طارق الملا عن طموحاته وتوقعاته خلال الفترة المقبلة؟
أجاب: الرئيس عبدالفتاح السيسى وضع إستراتيجية لتحويل مصر إلى مركز إقليمى لتجارة وتداول الغاز والبترول، وهى الإستراتيجية التى نعمل عليها من خلال عدة محاور، حيث تم تشكيل لجنة حكومية تضم جميع الجهات المعنية لدراسة المشروع ووضع خطة لتحقيقه، بالإضافة إلى إصدار قانون تنظيم أنشطة سوق الغاز الذى يسمح للقطاع الخاص بالدخول والمنافسة فضلا عن التعاون المستمر مع دول الاتحاد الأوروبى وشرق المتوسط لتحقيق هذا الغرض، مشيرا إلى أن مصر تتمتع بكل المقومات التى تؤهلها لتصبح مركزا إقليميا للطاقة بما يسهم فى تأمين مصادر الطاقة، وجذب المزيد من الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة وتوفير النقد الأجنبى وفرص العمل الجديدة للشباب.
وأشاد بتوقيع اتفاقيات تعيين الحدود مع السعودية وقبرص، مما أدى إلى زيادة معدلات البحث والتنقيب، ومن المتوقع أن يكون البحر الأحمر هو منطقة الجذب الجديدة للاستثمارات بعد المؤشرات الأولية المبشرة التى ظهرت هناك.
أعتقد أن ما حدث فى قطاع البترول والكهرباء والطاقة خلال السنوات الأربع الماضية يشبه المعجزة بشكل حقيقي، وبعد أن كان هناك عجز ضخم فى الكهرباء أصبح هناك احتياطى يصل إلى 25% سوف يزداد بدخول المشروعات الجديدة الخدمة لتدخل مصر نادى الدول المصدرة للكهرباء، وهو الأمر نفسه الذى حدث فى قطاع البترول والغاز، حيث أصبحت مصر تكتفى ذاتيا من الغاز، وسوف تقوم بتصدير الفائض خلال الأعوام المقبلة، كما أن مصر أصبحت من الدول الجاذبة فى مجال الاكتشافات والبحث والتنقيب، وهناك تنافس دولى كبير بين الشركات العالمية العاملة فى هذا المجال لضخ المزيد من الاستثمارات فى مجال الاستكشافات المتوقعة فى البحرين الأحمر والمتوسط.
لقد نجح مؤتمر الأهرام للطاقة فى أن يتحول إلى منصة هائلة للحوار والنقاش بين جميع الأطراف العاملة فى مجال الطاقة والكهرباء بدءًا من الجهات الحكومية (وزارتى الكهرباء والبترول) مرورًا بالشركات المحلية العاملة فى هذا القطاع وانتهاءً بالشركات العالمية العملاقة الإقليمية والدولية.