السلام «المستحيل» فى الانتخابات الإسرائيلية... بقلم عبدالمحسن سلامة
تزايدت التكهنات أخيرا عن قرب إطلاق صفقة القرن خاصة بعد تصريحات نيكى هيلى سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، والتى أعلنت فيها أن إدارة ترامب أعدت خطة للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ووصفتها بالأكثر ابتكارا، ولأول مرة يتحدث مسئول أمريكى بوضوح عن تلك الصفقة الغامضة ويؤكد أن بها أمورا كثيرة ترضى الطرفين، وأن كلا من الإسرائيليين والفلسطينيين ـ بحسب وصفها ـ سيستفيدون من صفقة السلام، وحذرت فى الوقت نفسه من رفض تلك الخطة لأن الوضع القائم سوف يستمر خمسين عاما أخرى على الأقل دون حل.
تسريبات كثيرة خرجت بعد تلك التصريحات حول شكل الصفقة ومضمونها، وأبرز تلك التسريبات أشارت إلى أن الصفقة تتضمن إقامة دولة فلسطينية تشمل حدودها قطاع غزة واجزاء من الضفة الغربية، وتأجيل قضيتى القدس واللاجئين، مع توفير 10 مليارات دولار لإقامة الدولة الفلسطينية وبنيتها التحتية بما فى ذلك المطار والميناء البحري، وإيجاد حلول لمشكلات الإسكان والزراعة والصناعة.
هى صفقة مسمومة يريد ترامب تمريرها بطريقته واسلوبه ليسجل أنه نجح فيما فشل فيه الآخرون طوال 70 عاما منذ اندلاع الأزمة عام 1948 وقيام دولة إسرائيل، والمشكلة أن ترامب ينسى أنه أصبح جزءا من المشكلة، ومن الصعب ـ إن لم يكن مستحيلا ـ أن يصبح جزءا من الحل، لأنه هو من قام بالموافقة على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ليستبق نتائج المفاوضات، وينحاز بشكل أعمى إلى جانب إسرائيل على حساب الجانب الفلسطيني.
صحيح أن هذا القرار كان موجودا منذ فترة طويلة وكان يتم تأجيله من جانب الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين، إلا أن ترامب انحاز بشكل فج إلى إسرائيل، وقام بتنفيذ القرار، ليؤكد الشكوك حول مصداقية الإدارة الأمريكية الحالية، وكونها لم تعد وسيطا أمينا للسلام فى المنطقة، لأن الوسيط لابد أن يكون غير منحاز، وترامب فعل عكس ذلك، ودائما يؤكد انحيازه إلى إسرائيل فى كل المناسبات.
بغض النظر عن تلك الصفقة المشبوهة وأغراضها أو أبعادها، ونتائجها، فإن ما حدث من تطورات درامية فى إسرائيل أخيرًا أصاب مفاوضات السلام المرتقبة فى مقتل، فقد انهار التحالف البرلمانى الذى يقوده رئيس الوزراء الإسرائيلي، وبعد أن كان نيتانياهو يرفض الانتخابات المبكرة، عاود التفكير مرة أخرى، وقام بالتعجيل بها، ليصوت الكنيست بالأغلبية على حل نفسه، ويتم تحديد موعد للانتخابات المبكرة فى 9 أبريل المقبل.
المشكلة أن كل المؤشرات تشير إلى فرص بقاء نيتانياهو رئيسا للوزراء بعد الانتخابات كبيرة جدًا ليصبح أكثر رؤساء الحكومات الإسرائيلية استمرارًا فى موقعه منذ قيام دولة إسرائيل.
نيتانياهو هو المستفيد الأكبر من حل الكنيست، وطبقا للاستطلاع الذى أجرته صحيفة «معاريف الإسرائيلية» ونشرته يوم الثلاثاء الماضى فإن الليكود الذى يتزعمه نيتانياهو سوف يحصل على 30 مقعدًا، ويفوز الائتلاف الحالى بـ 63 مقعدًا، أى أن اليمين المتطرف مازال يحظى بأغلبية واضحة فى الشارع، وبالتالى سوف تكون الحكومة المقبلة أكثر تطرفًا، وأشد عداء للفلسطينيين والعرب.
الدول العربية جميعها تريد السلام، وتأكيدًا لذلك فقد أطلقت جامعة الدول العربية مبادرة السلام العربية فى القمة العربية التى عقدت فى بيروت عام 2002، وأطلقها المرحوم الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ملك المملكة العربية السعودية، وهدفها إحلال السلام فى المنطقة، والاعتراف بمبدأ الدولتين، وقيام دولة فلسطينية معترف بها على حدود 1967، وعودة اللاجئين، وانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان، وذلك مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل فى إطار سلام عادل لكل دول المنطقة، وهى المبادرة التى أطلق عليها الأرض مقابل السلام، وساهمت فى كشف نيات إسرائيل العدوانية التى كانت تتشدق بأكاذيب السلام، وأنها راغبة فيه، وأن العرب هم الرافضون للسلام، حتى جاءت هذه المبادرة لتخرس «الألسنة الإسرائيلية» فى كل المحافل الدولية، وتزيح الستار عن وجه إسرائيل المتطرف المعادى للسلام، والرافض لكل المبادرات السلمية الرامية إلى إنهاء النزاع فى الشرق الأوسط، وإحلال السلام فى المنطقة لكل الشعوب بما فيها الشعبان الفلسطينى والإسرائيلي.
إجراء الانتخابات المبكرة فى إسرائيل معناه باختصار وقف الحديث عن أى مبادرات بما فيها صفقة القرن المشبوهة، انتظارًا لنتيجة الانتخابات المقبلة، وفى كل الأحوال فلن يكون هناك جديد فى نتائج تلك الانتخابات، حتى لو حدثت المعجزة وتمت الإطاحة برئيس الوزراء فى الانتخابات، وفشل حزبه، فالقادم لن يكون أفضل بما فيها أحزاب اليسار والوسط، لأن مزاج الشارع الإسرائيلى الآن يميل فى معظمه إلى التطرف والتشدد فى مواجهة المطالب العادلة للشعب الفلسطينى.
على الجانب الآخر، فإن جزءا كبيرا من الأزمة يتعلق بالجانب الفلسطينى نفسه، وعدم قدرته على حل مشكلاته الداخلية، والاصطفاف خلف قيادته، فهناك دولتان وحكومتان، وانقسامات حادة بين الجانبين، وفى كل مرة تتم تهيئة الأجواء للمصالحة، والاتفاق على الخطوط الأساسية، غير أنه سرعان ما تتبخر تلك المحاولات وتتكسر على حواجز الشكوك، وعدم الإخلاص، والمصالح الشخصية، والرؤية الضيقة للأحداث.
الشعب الفلسطينى ضحى ويضحي، ولا يملك كائن من كان أن يطعن فى صحة وسلامة مواقف الشعب الفلسطيني، فهو شعب بطل بكل ما تحمله الكلمة من معان، وهو من أكثر الشعوب التى ضحت وتضحى من أجل استقلالها وحريتها، ولايزال يقدم يوميا الشهداء الذين يتساقطون فى مسيرات العودة وغيرها من أشكال النضال الوطنى دون كلل أو خوف أو تردد.
إذن المشكلة ليست فى الشعب الفلسطيني، وإنما فى جنرالات المصالح الفلسطينية الذين يتخفون وراء الشعارات، ويقبلون بالوساطة والمصالحة ثم يقومون بإفشالها على أرض الواقع، ورغم الجهود الرهيبة التى بذلتها مصر فى لم الشمل الفلسطيني، ورعاية جهود المصالحة، ونجاح هذه الجهود، والتوافق عليها من الطرفين، غير أنه لم تلبث الخلافات أن نشبت من جديد بين حماس فى غزة، وفتح فى الضفة، مما أدى إلى العودة إلى نقطة الصفر من جديد.
حتى الانتخابات البرلمانية لا يريدون الاتفاق عليها، وهم أيضا يختلفون حول صلاحيات الحكومة ودورها، وهكذا فى كل مرة «تنتكس» المصالحة، وتعود إلى نقطة الصفر، وهم بهذا يقومون بذبح قضيتهم، وتقديمها على طبق من الفضة للإسرائيليين.
الأمر المؤكد أن إسرائيل تقوم بدور كبير فى إفشال جهود المصالحة، ولاتريد لها أن تتم تحت أى مسمي، بدليل ما تفعله من السماح للأموال القطرية بالدخول إلى قطاع غزة، فى إطار خطة ممنهجة لتعميق الخلاف بين قيادتى غزة، والضفة، وإضعاف سلطة الرئيس الفلسطينى محمود عباس.
استمرار الشقاق والصراع يسهم فى إهدار تضحيات الشعب الفلسطيني، ويؤجل فرص الحل، ويضعف الموقف الفلسطينى فى مواجهة التعنت الإسرائيلي، وأعتقد أن توقيت إجراء الانتخابات الإسرائيلية المبكرة يجب أن يكون فرصة للفلسطينيين للعودة إلى مائدة الحوار، وتطبيق مبادرة المصالحة الوطنية على الأرض.
المصالحة الوطنية هى بداية حل الأزمة، ولو أخلصت القيادات الفلسطينية النوايا، وتجاوبت مع الجهود المصرية الرامية إلى تسوية الخلافات بين الطرفين، سوف تكون تلك الخطوة هى نقطة الانطلاق نحو مواجهة الغطرسة الإسرائيلية، وإنهاء الذرائع بعدم وجود شريك فلسطينى قادر على إدارة ملف المفاوضات مع الإسرائيليين.
كفى 70 عاما من التشتت والضياع للشعب الفلسطيني، فهو شعب بطل سوف ينتصر عاجلا أو آجلا، ولابد للقيادات الفلسطينية أن تكون بنفس مستوى الشعب فى التضحية وإنكار الذات، وفى تلك الحالة لن نشغل أنفسنا بنتائج الانتخابات الإسرائيلية، ومن يفوز فيها ولن ننتظر صفقة القرن المشبوهة على أمل أن تحرك المياه الراكدة، فهل يكون عام 2019 هو عام المصالحة والوحدة الفلسطينية.. أم أن الحلم مازال بعيدا؟!
عاش من أجل السلام، ومات من أجل المبادئ
فى لقاء تليفزيونى شهير سأله المذيع: ماذا تود أن يكتب عنك بعد رحيلك؟!
أجاب: أود أن يكتب على قبرى عاش من أجل السلام، ومات من أجل المبادئ.
إنه الزعيم الراحل الرئيس محمد أنور السادات الذى يحتفل العالم كله بمئوية مولده هذا العام، وقد تحققت نبوءته فعلا فهو زعيم عاش من أجل السلام، ونجح فى ذلك، ومات من أجل الإخلاص للمبادئ النبيلة.
أنور السادات هو بطل الحرب والسلام قولا وفعلا فهو من استطاع تحقيق الانتصار العربى الوحيد على إسرائيل، وكسر شوكتها، ونهاية أسطورتها، وأسطورة جيشها الذى لا يقهر، بعد أن نجح الجيش المصرى البطل فى دك المعاقل الإسرائيلية الحصينة، وعبور القناة، وهدم خط بارليف، واسترداد مساحة كبيرة من الأراضى المصرية التى كانت تحتلها إسرائيل. أيضا هو بطل السلام الذى أثبت التاريخ أنه صاحب رؤية متقدمة على الجميع فاستطاع استكمال استرداد كامل الأراضى المصرية، وأرسى مبدأ السلام بين العرب وإسرائيل، ولو أن باقى الحكام العرب أنصتوا قليلا إليه لربما تغيرت الصورة تماما، ولكن بدلا من ذلك قاطعوه وحرضوا عليه، والآن بعد فوات الأوان عادوا يبحثون عن طريق السادات.
تسلم الرئيس السادات مسئولية الحكم فى ظروف غاية فى التعقيد، فالدولة كانت منهكة اقتصاديا، وتعانى تبعات هزيمة 1967، والنخبة الحاكمة كانت منقسمة بين فريق لايزال يعيش فى جلباب الماضي، وفريق ينظر إلى المستقبل، ونجح السادات فى المهمة والعبور بمصر إلى بر الانتصار والحراك الاقتصادى والسلام، غير أن المتآمرين من جميع الأطياف حرضوا عليه وأشعلوا نيران الحقد والكراهية ضده ليسقط شهيدا من أجل المبادئ كما تنبأ، لكنه ظل حاضرا وبقوة حتى الآن فى ذاكرة كل مصرى وعربي، وسيذكره التاريخ بأحرف من نور بانه زعيم سابق لعصره عاش من أجل النصر والسلام ومات من أجل المبادئ.
تحية تقدير وعرفان إلى روح الزعيم البطل محمد أنور السادات فى مئوية مولده وسلام عليه مع الخالدين