انتخابات «إنقاذ» النقابة
بقلم: عبدالمحسن سلامة
البعض لا يزال مصراً علي «تسييس» انتخابات النقابة وخروجها عن إطارها المهني النقابي، وتحويلها إلي صراع تيارات ومن «مع»، ومن «ضد» في إطار يؤدي إلي مزيد من الانهيار والتدهور الذي لم تشهده النقابة علي مدار تاريخها الطويل
شهدت النقابة سنوات ازدهارها علي أيدي نقباء عظام علي مدي تاريخها الطويل والعريق، ولم تقع في «فخ» الانقسام والتشرذم الذي تشهده الآن رغم الأزمات العاتية التي تعرضت لها وكان أعنفها وأبرزها أزمة القانون 95 الشهيرة وهي الأزمة «الملهمة» لكيفية إدارة الأزمات، والقدرة علي تحويل الأزمة إلي أنتصار، لأن من يدير الأزمة يجب ألا يكون جزءاَ منها كما حدث في أزمة النقابة الأخيرة.
كان الأستاذ إبراهيم نافع متواصلا مع الدولة، وكذلك كان نائبه المرحوم الأستاذ جلال عيسي لكنهما استطاعا بذكاء الحفاظ علي وحدة النقابة بالتفاهم والتنسيق وعدم الاندفاع، ولم يقتصر الأمر علي مجلس النقابة فقط لكنهم إستعانوا بكل الرموز والمهتمين لتتحول الأزمة الخطيرة التي تمثلت في خروج تشريع جائر ضد الصحافة والصحفيين والنقابة إلي انتصار هائل رفع رؤوس الصحفيين عاليا وحافظ علي كرامتهم وتماسكهم، وفي ذات الوقت ازداد الصحفيون تلاحما مع مجتمعهم بعيدا عن لغة القطيعة والمقاطعة.
لقد أقترح بعض الزملاء في مجلس النقابة الحالي ومنهم الاستاذان خالد ميري وكيل أول النقابة ومحمد شبانة أمين الصندوق وآخرون تشكيل مجلس حكماء يضم نخبة متنوعة من النقابيين وشيوخ المهنة لمعاونة المجلس في إدارة الأزمة وايجاد مخرج لها إلا أن الأصوات الزاعقة رفضت الفكرة وقتلتها في مهدها.
أن رفض السماع للآخر والتشبث بوجهة نظر واحدة وإرهاب الطرف الآخر بالأتهامات سابقة التجهيز هو من أسهم في ازدياد حدة الانقسام والتشرذم في الوسط الصحفي، وللأسف لا يزال هؤلاء ومناصروهم يوزعون صكوك الوطنية والخيانة حسب أهوائهم.
لقد اضطررت أن اذكر تلك الواقعة لكشف الستار عن بعض محاولات لم الشمل التي تم إجهاضها في أزمة النقابة الأخيرة مقارنة بما حدث في أزمة القانون 95 الذي مد فيها النقيب ومجلسه أيديهم إلي الجميع وقاموا بإدارة الأزمة بنجاح فاق كل التوقعات دون أصطدام أو خسارة.
عموما لا يجب التوقف كثيرا أمام اللبن المسكوب ولننظر إلي الأمام بما يسهم في انقاذ النقابة والمهنة من مخاطر باتت وشيكة.
الاستمرار في هذا الوضع يعني المزيد من الخسائر، واستمرار دوامة المشكلات والتعقيدات دون رؤية حقيقية للخروج من ذلك النفق المظلم خاصة أن من يديرون الأزمة أصبحوا جزءا منها، وهناك فرق ضخم بين إدارة الأزمة وأن تصبح جزءا من تلك الأزمة.
الدورة المقبلة لمجلس النقابة أمامها تحديات عديدة وخطيرة لإنقاذ النقابة وعودتها إلي عصرها الذهبي مع النقباء العظام أمثال كامل زهيري وأحمد بهاء الدين وإبراهيم نافع ومكرم محمد أحمد وجلال عارف وغيرهم ممن سطروا بأحرف من نور تاريخ النقابة العريق في إطار من التنوع والاختلاف، وفي الوقت نفسه بعيدا عن الانقسام والتشرذم والاستقطاب.
لابد من استكمال مسيرة هؤلاء والبناء فوق ما هو موجود والعمل بوتيرة سريعة لتعويض ما فات، وأخطر تلك التحديات هي المهنة وما تتعرض له من مخاطر هذه الأيام.
لا تزال الصحافة الورقية مهنة عفية ومزدهرة في الكثير من دول العالم مثل الهند واليابان والصين وكل دول العالم تقريبا باستثناء بعض الدول القليلة.
نحتاج إلي عدة مؤتمرات وندوات لوضع خطة استراتيجية حول مستقبل صناعة الصحافة وأساليب تطويرها والحفاظ عليها، وإزالة المعوقات التي تعترض نموها وازدهارها.
من الضروري أن تسهم الحكومة بدورها في إزالة العقبات التي تواجه سوق الصحافة ولعله بات الآن واضحا أنه لابد من دعم مدخلات صناعة الصحافة في مصر مثل الورق والأحبار ومستلزمات الطباعة بحيث يتم تخفيف العبء قليلا عن كاهل المؤسسات الصحفية القومية والخاصة والحزبية لأن دعم العقول قضية أمن قومي وأستثمار في الطاقة البشرية للدولة المصرية.
أيضا لابد أن تقوم الحكومة بإسقاط الديون عن كاهل المؤسسات القومية لأنها «حجر عثرة» أمام تقدم تلك المؤسسات ولن يتم تحصيل هذه الديون فعليا، وبالتالي فإن وجودها والعدم سواء، ولا يتبقى سوى إسقاطها لإعادة اصلاح الهياكل المالية لتلك المؤسسات بما يجعلها قادرة علي القيام بدورها.
إلي جوار دعم مدخلات صناعة الصحافة فلابد من تحسين الأوضاع الاقتصادية للزملاء الصحفيين، ولا بديل عن هيكل جديد لأجور الصحفيين يتناسب مع الظروف الاقتصادية الحالية، ولابد من البحث عن آلية لتطبيق هذا الهيكل لأن المشكلة تكمن في المؤسسات الصحفية الخاصة ومن يقوم بتمويل هذا الهيكل لانه من الصعب ان تقوم الدولة بتمويل رجل الأعمال هذا أو ذاك، لذلك يظل البدل هو الآلية الوحيدة الموجودة حتي الآن لزيادة دخل الصحفيين بلا استثناء في كل المؤسسات الصحفية الخاصة والحزبية والقومية لحين إيجاد صيغة أخري قابلة للتنفيذ علي الجميع بلا استثناء.
لقد أصبحت دخول الصحفيين «تلامس» خط الفقر خاصة لهؤلاء الذين ليس لهم مصدر دخل آخر غير «البدل» وهم الآن للأسف يزداد أعدادهم كل يوم بعد أن تفاقمت أوضاع المؤسسات الصحفية، وأصبحنا نسمع كل يوم عن غلق صحيفة وتشريد زملاء صحفيين.
حصانة الصحفيين الاقتصادية لا تقل أهمية عن حصانة القضاة الاقتصادية، لأن حصانة الصحفيين هي ضمانة لكل المجتمع وتحميهم من الشطط.
لابديل عن تحكيم العقل بعيدا عن العواطف والأهواء والشللية السياسية لأن ذلك هو طوق النجاة للنقابة الآن.