مصر «الوطن الأكبر» لكل الأفارقة ... بقلم:عبدالمحسن سلامة

كنت فخورا، وأنا أتابع المؤتمر الصحفى للرئيسين عبد الفتاح السيسي، وسيلفا كير، بمقر القصر الجمهورى فى الاتحادية، حينما وجه سيلفا كير الشكر للرئيس عبد الفتاح السيسى على مواقف مصر الإنسانية تجاه شعب جنوب السودان، مؤكدا أن مصر كانت ومازالت وطنا لكل أبناء جنوب السودان وستظل هكذا للأبد، مشيرا إلى أن معظم الوزراء الموجودين معه فى زيارته الرسمية والحاضرين للمؤتمر الصحفى تلقوا تعليمهم فى مصر بما يؤكد ضرورة تعزيز التعاون بين البلدين بما يعود بالنفع المشترك عليهما.

على الجانب الآخر فقد كان الرئيس عبد الفتاح السيسى حريصا على تأكيد العلاقات الأخوية بين مصر وجنوب السودان، وأنها سوف تشهد ازدهارا غير مسبوق خلال المرحلة المقبلة.

دولة جنوب السودان دولة وليدة تخطو خطوات مهمة نحو التنمية والاستقرار، ولذلك فقد وجه الرئيس سيلفا كير الدعوة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسى لزيارة جوبا فى مايو المقبل لحضور حفل تشكيل حكومة الوحدة، والتحدث إلى الشعب فى جنوب السودان، وهى الدعوة التى لقيت ترحيبا شديدا من الرئيس عبد الفتاح السيسي، مؤكدا أنه يتطلع لزيارة جنوب السودان، وتقديم كل الدعم لحكومة جنوب السودان لتحقيق السلام هناك، وتعزيز التعاون فى مختلف المجالات.

السودان (شماله وجنوبه) بالنسبة لمصر هو الامتداد الطبيعى للأمن القومى المصري، وظلت مصر والسودان فترة طويلة من عمر الزمان دولة واحدة، وكان محمد على رائد نهضة مصر الحديثة، هو أول من تنبه إلى أهمية السودان بالنسبة لمصر، ليس هذا فقط، بل إنه امتد جنوبا حتى وصلت إمبراطوريته إلى منابع بحيرة فيكتوريا، وسار على نهجه ولاة مصر من بعده، كما يحكى الأمير عمر طوسون فى كتابه «مصر والسودان» قصة اهتمام حكام مصر بالقارة السمراء عموما وبالسودان على وجه الخصوص، حيث تقع منابع النيل والجزء الأكبر من مجراه، وقد بدأ تحرك محمد على بعد أن شعر بنية الغدر من الاستعمار الأوروبى فى احتلال القارة السمراء فصمم على إنفاذ حملة إلى السودان وضمها إلى مصر. وفى زمن الخديو إسماعيل وصل النفوذ المصرى إلى بحيرة فيكتوريا نيانزا. وفى عام 1870 تم ضم مديرية خط الاستواء، ووصل النفوذ العسكرى المصرى حتى شلالات ريبون عند منبع النيل من تلك البحيرة، ليرفرف العلم المصرى، ويكون أول علم رسمى لحكومة منتظمة يرفرف على هذه المناطق لأول مرة فى تاريخها عام 1874. بعدها وقعت مملكة أوغندا اتفاقا مع المملكة المصرية لتقع تحت حماية الحكومة المصرية.

الاهتمام المصرى بإفريقيا قديم قدم التاريخ لأن مصر هى «هبة النيل» كما قال هيرودوت، ولولاه لكانت مصر صحراء جرداء تعانى القحولة والجدب على السواء.

الآن تتأهب مصر لتولى رئاسة الاتحاد الإفريقى خلال الشهر المقبل مع بدء القمة الـ 32 للاتحاد الإفريقى التى تعقد يومى 10و 11 فبراير المقبل فى أديس أبابا.

تحديات كثيرة تنتظر رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى أبرزها إيجاد وسائل عملية تسهم فى تكثيف التعاون الثنائى بين الدول الإفريقية فى مختلف المجالات، وكيفية تحقيق أقصى استفادة ممكنة من الفرص المتاحة فى دول القارة، وتحقيق الاندماج الاقتصادي، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية بالقارة، من خلال إنشاء مشروعات رائدة تستهدف تحقيق تحول تنموى حقيقى فى القارة فى مختلف المجالات.

الأفارقة يحلمون بالوصول إلى نموذج الاتحاد الأوروبى فى التكامل الاقتصادى والسياسى والعسكري، وربما تكون هذا المشوار حلما لكن الاتحاد الإفريقى بدأ الطريق، ورئاسة مصر له خلال الدورة الجديدة سوف تعزز إمكان تحقيق هذا الحلم وتسهم فى تحويله إلى واقع على الأرض من خلال تعزيز البنية التحتية للدول الإفريقية، وتعزيز التكامل الاقتصادى والاندماج الإقليمي، والعمل على زيادة معدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتحقيق أعلى قدر من السلم والأمن الإفريقي، بالإضافة إلى إحداث ثورة إصلاح مالى ومؤسسى للاتحاد الإفريقي.

خلال العام الماضى بدأت مصر التحضير جيدا لرئاستها الاتحاد الإفريقي، حيث شهد منتدى شباب العالم فى نسخته الثانية التى عقدت فى شهر نوفمبر الماضى إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسى مدينة أسوان عاصمة للشباب الإفريقى لعام 2019، كما أطلق أيضا البرنامج الرئاسى لتدريب الشباب الإفريقى على القيادة، إلى جانب إطلاق مبادرة دولية لتدريب 10 آلاف شاب مصرى وإفريقى كمطورى ألعاب وتطبيقات إلكترونية خلال السنوات الثلاث المقبلة.

التجربة المصرية الحالية فى إنشاء المشروعات القومية فى المدن الجديدة، والبنية التحتية والمشروعات الصناعية والزراعية، كلها تجارب ملهمة للأفارقة، فأخيرًا أسندت تنزانيا لمصر مشروع إنشاء سد «سيتجلر جورج» بتكلفة تصل إلى 2.8 مليار دولار، وكان هناك منافسون كثر، لكن التجربة المصرية فى إقامة مثل هذه المشروعات حسمت توجه تنزانيا إلى مصر، لتفوز بتنفيذ هذا السد.

هناك أيضا تعاون مشترك وجاد فى مجال الصحة، خاصة فى مجال علاج الملاريا، فهناك علماء مصريون قاموا بالعديد من الدراسات والأبحاث، واستطاعوا الوصول إلى علاجات رائعة ورخيصة فى هذا المجال، كما أن التجربة المصرية فى علاج فيروس «سي» تجربة باهرة تصلح لأن تكون نموذجاً يتم الدفع به إلى كل الدول الإفريقية.

فى المجال العسكرى مصر تشارك بفاعلية فى كل عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام، وكانت لها المشاركة الكبرى فى البعثة الأممية فى الكونغو الديمقراطية، وبعدها شاركت فى 37 بعثة أممية بأكثر من 30 ألفا من القوات العسكرية والشرطية، حيث تحتل مصر المرتبة السابعة عالمياً بقائمة أكبر الدول المسهمة بقوات عسكرية وشرطية فى عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة فى ست بعثات جميعها فى إفريقيا.

إلى جانب التعاون العسكرى تأتى قضية مكافحة الإرهاب كإحدى أهم الأولويات التى تهم القارة السمراء خاصة أن هناك الكثير من دول القارة تعانى ويلات الإرهاب والتطرف، وتسعى جاهدة للخلاص من ذلك الوباء القاتل، وقد نظمت مصر خلال عضويتها فى مجلس الأمن والسلم الإفريقى العديد من الفاعليات الخاصة بمكافحة الإرهاب، كما استضافت العديد من ورش العمل والمؤتمرات المتعلقة بتلك المشكلة، من أجل وضع آليات لمواجهة الإرهاب وتجفيف منابع الفكر المتطرف الذى لا يزال يجد آذانا مصغية من بعض الشباب الإفريقي، على غرار ما يحدث فى بوكو حرام وداعش وغيرهما من التنظيمات الإرهابية المتطرفة.

أما على الجانب الاقتصادى فسوف تدخل اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية حيز التنفيذ، وهى الاتفاقية التى تم توقيعها فى كيجالى العام الماضي، وقد تم التصديق عليها من جانب 13 دولة حتى الآن، ولكى تدخل حيز التنفيذ تحتاج إلى توقيع 22 دولة، وفى مصر يتم إنهاء الإجراءات الخاصة بالتصديق عليها الآن من جانب مجلس النواب.

هذه الاتفاقية سوف تسهم فى تعزيز حركة التجارة بين الدول الإفريقية، وإزالة الحواجز والعقبات أمام السلع ورءوس الأموال مما ينعكس بقوة على زيادة التعاون الاقتصادى بين الدول الإفريقية.

إلى جوار تلك الاتفاقية فإن ربط دول القارة بشبكة اتصالات ومواصلات برية وبحرية وجوية بات ضرورة ملحة لتدعيم حرية الحركة والتنقل للأفراد ورءوس الأموال بين دول القارة، ويعتبر طريق القاهرة ـ كيب تاون من المشروعات العملاقة التى تحتاج إلى إرادة سياسية قوية من جانب الزعماء الأفارقة للإسراع باستكماله وتنفيذه، والمعروف أن شبكة الطرق والاتصالات كانت من الأسباب القوية لنجاح الاتحاد الأوروبي، وإذا ظهر مشروع طريق القاهرة ـ كيب تاون إلى النور فإنه سوف يربط طوليا بين القاهرة وكيب تاون مارا بكل الدول الإفريقية، وهو يمر بمعظم دول حوض النيل من الشمال إلى الجنوب، رابطا بين تلك الدول بريا لتبدأ بعدها المرحلة الثانية من خلال الربط بالسكك الحديدية، فالانتقال بين الدول الإفريقية مازال ضربا من العذاب حيث يستغرق السفر بالطيران بين بعض الدول 17 ساعة، وهناك بعض الدول الأخرى يحتاج الذهاب إليها إلى السفر لإحدى الدول الأوروبية أولا لكى يعود المسافر مرة أخرى إلى إفريقيا ليصل إلى الدولة المراد الوصول إليها مما يجعل من الحركة أو الانتقال مسألة صعبة ومعقدة.

مصر عادت بقوة إلى إفريقيا منذ 4 سنوات بعد فترة طويلة من الإهمال واللامبالاة، ورئاستها الاتحاد الإفريقى خلال الشهر المقبل، سوف تكون الترجمة الحقيقية لهذه العودة لتصبح مصر هى الوطن الأكبر لكل الشعوب الإفريقية بلا استثناء.

 

Back to Top