مواصفات الاختيار فى انتخابات نقابة الصحفيين
بقلم : كرم جبر
الآمال معلقة على جمعة تقرير المصير وأن يوفق الله الصحفيين، لانتخاب نقيب وستة أعضاء مقاتلين، يحملون على عاتقهم
ملفات مسكوتاً عنها، وآن أوان اقتحامها بجرأة وشجاعة، أهمها على الإطلاق استعادة لقب «صاحبة الجلالة»، الذى افتقدناه فى زحام المشاكل والأزمات، فنزل الصحفيون من أعلى السلم الاجتماعي إلى أسفله، وتدهورت دخولهم وأحوالهم المعيشية، ويعانون البطالة بكل صورها، وأخطرها تعطل الأقلام إما لغلق كثير من الصحف، أو لضيق الأماكن والصفحات عن استيعاب الأعداد الكبيرة.
تسترد الصحافة بعضا من هيبتها إذا استعادت النقابة قوتها، وقوتها فى وحدة الصحفيين ولم شملهم، ولن يلتئموا إلا إذا خلعوا عباءتهم السياسية على أبوابها، واختاروا نقيبا أعضاء مجلس يعبرون عن كل الصحفيين، ولنا فى مقولة النقيب الراحل كامل زهيرى درس مستفاد، فعندما أعلن أن عضوية النقابة كالجنسية، رسخ مفهوم الانضواء تحت راية واحدة، لا تتنازعنا أحزاب ولا تيارات سياسية ولا دينية، ولا نتنابز بالشعارات الصارخة والمزايدات الوطنية، ولا نصنّف بعضنا بين حكومى متخاذل ومعارض مغامر، فلا ولاء ولا انتماء إلا للمهنة وإعلاء القيم والمبادئ.
لن تكون نقابة قوية إلا إذا كان النقيب ومجلسه أقوياء، ومعيار القوة ليس الصوت العالى ولا المسيرات والوقفات الاحتجاجية، بل بالعودة الى تقاليد المهنة التى تحفظ هيبتها وقامتها وهامتها، وأهمها أن الصحافة كانت وستظل جزءًا من الدولة، وليست حزبا معارضا أو حركة احتجاجية، تقف فى خندقها وتدافع عن قضاياها الوطنية، وإذا تعرضت لهجمة من حاكم أو نظام، تحتكم الى القانون وتعلى شأن العدالة والمساواة، لا تتشنج ولا ترفع راية التمرد والعصيان، ولا تظهر فى صورة الفصيل الشارد عن السياق العام .
قوة الصحافة فى احترام رموزها، وقوة النقابة فى رفع شأن أعضائها، فلا يضيرهم أن يحصلوا على بدل يعالج مأساة المرتبات الضعيفة، ولا يصح أن يعايرهم أحد بأنهم يتنازلون عن استقلالهم من اجل لقمة العيش، عيب.. لأن الصحفى حين يقف أمام الصندوق لا يباع ولا يشترى، وفى رقبة النقابة أن ترفع شأنهم ماديا ومهنيا، وأن تسلحهم بالتدريب وتعلم اللغات، حتى يزداد الطلب عليهم ويواكبوا العصر، وعليها أيضا ان تفعّل الحماية المهنية، فالصحافة تكاد تكون المهنة الوحيدة المستباحة، وكل المهن الأخرى لها نقابات تمنع مزاولة المهنة لغير أعضائها، وعلى الأقل فمن يكتب بصفة منتظمة، يجب أن يحمل تصريحا ويدفع اشتراكا حتى تتحقق المساواة.
النقابة فى مفترق طرق ونجاحها مرهون باجتياز متاريس المزايدات السياسية، وان يتسلح الزملاء بالوعى والفروسية والشهامة، ويبتعدوا عن الشائعات والمكائد والتشويه، ويتذكروا تقاليد الصحافة العريقة فى الزمن الجميل، ويختاروا أعضاء محترمين، يدعموا المؤسسات الصحفية حتى تسترد عافيتها وقوتها، فتقف على قدميها وتعظم مواردها ولا تمد يدها، وتنزع الأشواك من طريق الأجيال الجديدة التى تحلم بالحياة والحرية،فيظهر بينهم نجوم جدد يرفعون شأن المهنة، ويسطرون مرحلة مختلفة، قوامها سمو الكلمة ونظافة اليد واللسان.
تذكروا كامل زهيرى «المعارض»، فارس معركة الحفاظ على استقلال النقابة وإجهاض قانون تحويلها الى ناد، وكان سلاحه القانون والحجج والأسانيد، وليس الصراخ والتشنج والهتافات المسيئة، تذكروه كاتبا بارعا ومتحدثا ذكيا ومحاورا محترما، فحين حاول الرئيس السادات الاستعراض عليه فى أحد الاجتماعات، فى حضور وزراء ومسئولين وكتاب وصحفيين. وقال له «يا كامل شوف صحفى كويس نعينه وزير»، رد عليه «يا ريت يا سيادة الرئيس تشوف وزير كويس نفكر نعينه صحفى» ولم يغضب أحد وضحك الجميع .. الله على الذكاء وسمو اللغة ورقى الفكر وسرعة البديهة، والحكاية منقولة عن نجله الزميل مؤنس
وتذكروا إبرهيم نافع «المؤيد» بطل معركة القانون 93 لسنة 95، الذى انعقدت تحت رئاسته أهم جمعية عمومية فى تاريخ الصحافة، أجهضت القانون المشبوه، وأفشلت تغليظ عقوبات النشر والحبس الاحتياطى، وحضر معه آلاف الصحفيين، وفى صدارتهم رؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف القومية والحزبية، وأبلغوا الرئيس مبارك اعتراضهم ورفضهم للقانون، دون خشية من غضب او خوف من عقاب، فاستجاب لهم وحقق مطلبهم، وأصبح يوم التصدى فى العاشر من يونيو من كل عام هو عيد الصحافة والصحفيين.
ليس فى الإمكان استنساخ النقباء العظماء أمثال احمد بهاء الدين وكامل زهيرى ويوسف السباعى وابراهيم نافع ومكرم محمد احمد.. ولكن على الأقل أن نبدأ خطوة فى مشوار الألف ميل، لاسترجاع أمجاد النقابة والصحافة.