«الزهور الصغيرة» تهزم الإرهاب.. بقلم ــ عبدالمحسن سلامة

«هاتوا حق بابا لحد ما أكبر وأجيبه بنفسى».. كلمات تلقائية خرجت من نجل الشهيد المقدم شريف طلعت عبد الرحمن، وهو طفل صغير لم يتجاوز السادسة من عمره، لكنه أعطى شحنة إيجابية لكل الحاضرين فى احتفالات عيد الشرطة المصرية، فهذا الطفل الصغير لم ينكسر، ولم ينهزم داخليا، ولم ييأس، لكنه أصر على القتال، سيرا على نهج والده، مطالبا المجتمع المصرى كله بضرورة التكاتف والثأر للشهيد، مصرَّا فى الوقت نفسه على استكمال مسيرة والده حينما يكبر ويكمل المهمة فى دحر الإرهاب وهزيمته.

ملف مكافحة الإرهاب مملوء بالقصص الإنسانية المؤثرة لشهداء الشرطة والجيش، وهم يقدمون أرواحهم بكل إصرار وعزيمة، لكى يعيش الشعب المصرى وينتصر، والملاحظة الأساسية أن معظم الشهداء من الشباب المؤمن بقضية شعبه وحق وطنه فى الحياة الكريمة.

هؤلاء الأبطال تركوا زوجات صغيرات «ترملن» مبكرا، وأبناء فى عمر الزهور كانوا ينتظرون عودة آبائهم ليدسوا رءوسهم فى أحضانهم لكنهم فقدوها إلى الأبد، أما الآباء والأمهات فتلك قصة أخرى بعد أن قاموا بالتربية وسهر الليالى والتضحية بكل غال ونفيس لأجلهم، ثم يأتى من لا قلب أو عقل أو دين له ليغتالهم بدم بارد فى محاولة فاشلة لكسر إرادة المصريين.

ولأن الشعب المصرى شعب بطل لا ينهزم أبدا فقد زادته التضحيات إيمانا وقوة، وها هم الأبناء والزوجات والآباء والأمهات يصرون على استكمال مسيرة الشهداء حتى يتم استئصال شأفة الإرهاب تماما.

حينما جاء الدور على تكريم اسم الشهيد النقيب عمر مجدى صبحى تقدمت السيدة والدته لتعلن أن ابنها الشهيد هو الابن الأوسط لثلاثة أشقاء ضباط فى الشرطة المصرية، وأنها فخورة بابنها، وراضية بما كتبه الله على أسرتها، مؤكدة أن ابنها لم يكن يخشى الموت والشهادة، وأن آخر ما كتبه على صفحته «رب غسَّلنى بدمى، واجعل ملابسى كفنى واقبلنى من الشهداء».

إيمان عميق وعزيمة لا تلين لرجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ولشعب بطل وعظيم لاينكسر، ولا يخشى فى الحق لومة لائم.

أفراد الجيش المصرى والشرطة المصرية هم أبناء لكل المصريين، ولا يمكن أن تجد عائلة مصرية واحدة إلا ولها ابن أو قريب فى الجيش أو الشرطة «ضابط أو عسكرى»، وتلك هى الميزة الأساسية للجيش والشرطة فى مصر فهما من أبناء كل المصريين، ومن يحاربهم يحارب الشعب المصرى كله، ومن هنا يأتى التفاف الشعب المصرى حول جيشه وشرطته فى ملحمة بطولية خالدة ممتدة عبر التاريخ.

كان يوم 25 يناير 1952، هو حلقة من حلقات تلك الملحمة البطولية الخالدة حينما أصرت قوات الشرطة فى الإسماعيلية على مواجهة قوات الاحتلال الإنجليزى رغم فارق الإمكانات الضخم فى التسليح والمعدات بين قوات الشرطة المدنية المصرية، وقوات الاحتلال الإنجليزى، لكن حينما يتعلق الأمر بتراب الوطن فإن الأمر يختلف، والحسابات تختفى، ويصبح الوطن مقدما على كل الحسابات، ومن هنا كان موقف الملازم أول مصطفى رفعت المتمثل فى ضرورة مواجهة قوات الاحتلال الإنجليزى، مهما يكن الثمن، ومهما تكن التضحيات، ولم يخذله رفيق الكفاح اليوزباشى عبدالمسيح مرقص ومعهما 300 من أفراد الشرطة ليظلوا صامدين رافضين الاستسلام والخضوع لقوات الاحتلال.

هو المشهد نفسه تقريبا الذى يعيشه رجال الجيش والشرطة فى مواجهتهم شياطين الإرهاب، فلا استسلام ولا تهاون فى مواجهة الإرهابيين مهما تكن التضحيات، وها هى والدة الشهيد أشرف إبراهيم محمد تحكى قصة استشهاده، وكيف أصر على المواجهة حتى آخر لحظة من عمره ليحمى زملاءه ويفتديهم بحياته.

الموقف واحد ومتشابه، والفرق أن مصطفى رفعت ورفاقه كانوا يواجهون محتلا غاصبا، فى مواجهة مكشوفة ومعروفة، أما الأبطال الذين يواجهون الإرهاب فهم يواجهون عدوا أخطر من قوى الاحتلال، لأنه عدو بلا ملامح، ويفتقد كل قواعد الاشتباك المعروفة فى الحروب، ولايعرف إلا الغدر والخيانة، والطعن من الخلف، واستخدام كل الأساليب القذرة.

ضحاياهم من المصلين فى المساجد والكنائس وهم يعبدون الله الواحد، ومن أبطال الجيش والشرطة وهم يقومون بأشرف مهمة فى حماية وطنهم، لكل هذا فإن الحرب على الإرهاب أصعب بكثير من الحروب النظامية ضد قوى الاحتلال والاستعمار.

 

رغم كل ذلك فقد نجح أبناء مصر الأبطال من الجيش والشرطة فى تسديد ضربات قوية وناجحة ضد الإرهابيين مما أدى إلى تراجع الحوادث الإرهابية بدرجة كبيرة، وعادت الأمور إلى طبيعتها فى سيناء، وانحسرت العمليات الإرهابية هناك إلى أدنى درجة، ولم يعد هناك سوى ما يمكن تسميته بعمليات «الذئاب المنفردة»، وهى حالات موجودة فى كل دول العالم بعد أن نجحت قوات الجيش والشرطة فى تسديد العديد من الضربات الاستباقية ضد التنظيمات الإرهابية مما أدى إلى تصفية معظم المتورطين فى تلك التنظيمات أو فرارهم من المواجهة.

كان الإرهابيون يحلمون بإقامة «ولاية داعش» الإرهابية فى سيناء وبدأوا يخططون لذلك، ويستجمعون قواهم مستغلين حالة الفوضى والانفلات التى سادت مصر بعد ثورة 25 يناير، إلا أنه ومنذ أربع سنوات نجح الجيش المصرى ومعه قوات الشرطة فى دك معاقلهم، وهزيمتهم شر هزيمة، ليتنفس الأهالى هناك الصعداء وتفتح أبواب المحال والمدارس والجامعات مرة أخرى، وتسير الحياة بشكل طبيعى تماما بعد أن تضامن أبناء سيناء مع جيشهم وشرطتهم فى واحدة من الملاحم العظيمة، مستعيدين فى ذلك ملاحم البطولة والفداء نفسها فى أثناء مقاومة الاحتلال الإسرائيلى قبل تحرير سيناء.

الحرب على الإرهاب طويلة ومعقدة ولن تنتهى فى يوم وليلة لأن الإرهاب عدو خفى يعشش فى العقول الظلامية، وتظهر أعراضه فى تلك العمليات الإرهابية هنا أو هناك، ومن الضرورى استمرار اليقظة والحذر فى التعامل مع هذا الملف الشائك والمعقد، وعدم التهاون أو التراخى مهما يكن حجم النجاحات المتحققة على الأرض. وأظن أن مصر استوعبت الدرس جيدا، وبالتالى فهى تقوم بدور محورى فى العالم كله فى مكافحة الإرهاب، وقد تحملتْ عن طيب خاطر فاتورة ضخمة نيابة عن العالم فى تلك الحرب، وأخيرا تنبه العالم إلى ما كان تحذر منه مصر على مدى سنوات عديدة، وبات العالم أكثر اقتناعا بضرورة المواجهة الجماعية للإرهاب وتجفيف منابعه.

لاتزال هناك بعض دول العالم ترعى الإرهاب وتحمى بعضا من قادته، وتساعد فى تدبير التمويل اللازم للجماعات الإرهابية والمتطرفة، وإلا فمن أين تأتى كل تلك التكاليف الباهظة للعمليات الإرهابية من سيارات، وذخائر، ومعدات، وأجهزة استطلاع، وإعاشة، وتموين؟!.

العالم الآن مطالب بوقفة صريحة مع تلك الدول الراعية للإرهاب والممولة له، وعلى الأمم المتحدة أن تأخذ زمام المبادرة فى الدعوة إلى مؤتمر عالمى لمكافحة الإرهاب، ومن خلاله يتم وضع تصور متكامل لتجفيف منابع الإرهاب، وتوقيع عقوبات صارمة على تلك الدول «المارقة» التى تسهم فى دعم الإرهاب والإرهابيين.

لقد نجحت مصر فى عبور أخطر المراحل وهى مرحلة تثبيت أركان الدولة بعد سنوات عاصفة ومضطربة كانت تستهدف هدم مؤسسات الدولة المصرية إلا أن تكاتف الشعب المصرى مع جيشه وشرطته أدى إلى عبور تلك المرحلة والانتقال إلى مرحلة البناء والتعمير، وهو ما عبر عنه الرئيس عبد الفتاح السيسى فى أثناء الاحتفال بعيد الشرطة الأربعاء الماضى، حينما أشار إلى أنه إلى جوار النجاح فى مكافحة الإرهاب فقد نجحت مصر أيضا فى تخطى أصعب مراحل الإصلاح الاقتصادى، حيث لم يتبق إلا القليل، مشيرا إلى إصراره على الانتهاء من خطة الإصلاح فى أسرع وقت حتى يشعر المواطن المصرى بثمارها، ويستفيد منها شباب الجيل الحالى والأجيال القادمة.

نجاح مصر فى كسر شوكة الإرهاب وتقديم نموذج اقتصادى ناجح سوف يسهم فى عودة الاستقرار سريعا إلى كل دول المنطقة، خاصة تلك الدول التى تعانى الاضطراب والفوضى وعدم الاستقرار مثل ليبيا وسوريا واليمن وغيرها من الدول.

كل المؤشرات والتقارير العالمية تشير إلى قدرة الاقتصاد المصرى على التعافى خلال السنوات القليلة المقبلة لتحقيق أهداف التنمية الشاملة والمستدامة، وزيادة معدلات النمو، وهو ما سوف يسهم فى تحسين أحوال المواطن المصرى اقتصاديا لتسترد مصر عافيتها بعد سنوات من الاضطراب والفوضى.

Back to Top