50 دولة عربية وأوروبية فى شرم الشيخ.. بقلم ــ عبدالمحسن سلامة

لأول مرة تعقد قمة مشتركة بين جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبى فى مصر، حيث تنطلق اليوم فاعليات أعمال القمة العربية ـ الأوروبية بحضور حوالى 50 دولة (22 دولة عربية و28 دولة أوروبية)، لمناقشة العديد من الملفات المهمة والحيوية التى تهم الجارين العربى والأوروبي، وفى مقدمتها قضايا الإرهاب والأمن واللاجئين والهجرة غير الشرعية والأوضاع المتعلقة بالأزمات فى ليبيا واليمن وسوريا، وكذلك قضايا التجارة والاستثمار والعلاقات العربية ـ الأوروبية فى مختلف المجالات.

القمة، التى يترأسها الرئيس عبد الفتاح السيسي، تأتى بعد أيام قليلة من رئاسة مصر الاتحاد الإفريقي، لتؤكد حجم التطور الهائل الذى تشهده مصر حاليا، وعودتها كقوة إقليمية مؤثرة فى القضايا العربية والإفريقية والدولية.

سألت الوزير سامح شكرى وزير الخارجية عن أهمية هذه القمة فى هذا التوقيت؟!

أجاب: القمة تأتى وسط تحديات عديدة تواجه المنطقة، وهناك الكثير من الموضوعات ذات الصلة تجمع بين الجانبين العربى والأوروبي، على رأسها قضايا الإرهاب، والنزاعات المسلحة فى المنطقة، والهجرة غير المشروعة واللاجئين، وتطورات القضية الفلسطينية، مشيرا إلى أن هذه القمة يتم الإعداد لها منذ عامين، حيث تقررت فى اجتماع وزراء الخارجية العرب آنذاك، وتم الإعداد لها جيدا، والرئيس عبد الفتاح السيسى يتابع كل التفاصيل الخاصة بالقمة، ويعطى لها الأولوية ويضع كل الإمكانات لنجاحها، لأن المحيط الأوروبى هو المحيط المجاور للمحيط العربي، وبالتالى فإن هناك علاقة تأثير وتأثر شديدة بما يحدث على الأرض بين الجانبين.

وأضاف: هناك جدول أعمال مهم سوف تتم مناقشته خلال اجتماعات القمة اليوم وغدا، خاصة ما يتعلق بالتعاون بين المجموعتين العربية والأوروبية فى مختلف مجالات التعاون الاقتصادى والأمنى والسياسي، وايضا كل ما يتعلق بمواجهة الآثار المترتبة على النزاعات فى المنطقة التى اندلعت منذ 2011 حتى الآن، والتى أسفرت عن توسيع قاعدة الإرهاب، واندلاع أزمات عنيفة ببعض دول المنطقة، بالإضافة إلى القضية الفلسطينية التى تعد أهم قضايا المنطقة، ولاتزال هناك مشكلات ضخمة متعلقة بحل الدولتين، ووقف الاستيطان، والجلوس على مائدة المفاوضات بين الجانبين الإسرائيلى والفلسطيني، للبدء فى مفاوضات جادة، ووضع تصور مقبول لإنهاء النزاع الممتد منذ أكثر من 70 عاما، تصور يكون قائما على مقررات المشروعة الدولية.

قلت: هل هناك أولويات فى الأجندة الأوروبية تختلف عن أولويات الأجندة العربية؟!

أجاب الوزير سامح شكرى: الأمر المؤكد أن هناك أولويات لدى كل جانب، فالجانب الأوروبى يهتم بقضايا الأمن والهجرة غير المشروعة والإرهاب، فى حين أن الأجندة العربية تركز على ضرورة تجفيف منابع الإرهاب، وضرورة توحيد المفاهيم بشأنه، فليس هناك تطرف غير عنيف وآخر عنيف، وإنما التطرف هو الوعاء الأشمل لكل أشكال الإرهاب. أيضا فإن على الدول الأوروبية أن تقتنع برؤية الجانب العربى حول مفاهيم الدول الوطنية، وكيف أنها هى الحامية والضامنة لكل أشكال الاستقرار فى المنطقة، فى حين أن النزاعات المسلحة أدت إلى تهديد خطير لأمن الدول والشعوب، وأسهمت فى تشريد الملايين، والدفع بأعداد كبيرة إلى الهروب والهجرة غير المشروعة، ولذلك فلابد من إيجاد حلول للمشكلات الموجودة فى اليمن وليبيا وسوريا، وحل الصراعات هناك بالطرق السلمية، وتوحيد كل الفصائل تحت راية الدولة الوطنية فى هذه الدول.

وأضاف: الجانب الأوروبى عليه أيضا مسئولية كبيرة فى تجفيف منابع الدعم والتمويل للإرهاب، ولابد أن يكون هناك إدراك أوروبى كامل بخطورة النزاعات المسلحة فى دول المنطقة، ووقف كل أشكال الدعم والتمويل لكل الجماعات المتطرفة، بحيث تتوافر أرضية مشتركة للتوصل إلى حلول للقضايا المتفجرة فى المنطقة.

وتوقع الوزير سامح شكرى نجاحًا كبيرًا للقمة العربية ـ الأوروبية، حيث من المتوقع أن يشارك نحو 23 رئيس دولة وحكومة أوروبية فيها، وهو رقم ضخم فى مثل تلك المناسبات، كما أنه من المتوقع أن يكون هناك حضور عربيً كبير متمثلً فى حضور العديد من الرؤساء والملوك، مثل قادة المملكة العربية السعودية، والكويت، والبحرين، والعراق، وفلسطين، والإمارات، وغيرهم من العالم العربي، مما يؤكد الاهتمام بالمشاركة من الجانبين بهدف التوصل إلى رؤية مشتركة حول كل القضايا المطروحة، والاهتمام بتعميق العلاقات بين الجانبين، العربى والأوروبى فى كل المجالات.

انتهت تصريحات الوزير سامح شكري، وزير الخارجية، ومن المؤكد أن المؤتمر سيكون فرصة ذهبية لكى يشاهد على الطبيعة وفود 50 دولة عربية وأوروبية حجم التطور الهائل الذى يحدث فى مصر الآن فى مختلف المجالات، وبما يؤكد أن مصر هى بلد الأمن والأمان، ويسهم فى الدعاية والترويج لمصر كمقصد سياحى عالمى غير قابل للمنافسة من أى جهة عالمية أخري.

أيضا، فإن رئاسة مصر القمة الإفريقية، وبعدها القمة العربية ــ الأوروبية، سيسهم فى تقريب وجهات النظر العربية ـ الإفريقية من جانب، ورؤية الجانب الأوروبى من جانب آخر، لوجود العديد من القضايا ذات الصلة بين الأطراف الثلاثة، فى إطار من التنسيق والتعاون الإستراتيجى فى مختلف المجالات، والتصدى للتحديات الموجودة والتغلب عليها فى إطار من المصلحة المشتركة، فالعالم العربى يعانى تحديات الإرهاب وآثاره، والفوضى التى أصابت العديد من الدول، خاصة ليبيا واليمن وسوريا، ومازال التهديد قائما بتكرار هذا النموذج من الفوضى فى دول أخري، وهذه المشكلات نفسها موجودة فى إفريقيا بدرجة أو بأخري، بالإضافة إلى المشكلات الاقتصادية الطاحنة التى تعانيها دول القارة، التى تنتج عنها مشكلة نزوح أعداد كبيرة من اللاجئين إلى خارج دول القارة، ومحاولتهم الدائمة الهجرة إلى أوروبا.

الأوضاع المضطربة فى بعض دول المنطقة وتداعياتها يجب أن تكون حافزا للجانبين الأوروبى والعربى للعمل معا، بعد أن أكدت الأحداث أن ما يصيب جانبا ينعكس على الآخر بدرجة أو بأخري.

أتصور أن انعقاد أول قمة بين جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبى لحظة تاريخية فى العلاقات بين الجانبين يتحتم استغلالها، فى ضوء مشاركة العديد من رؤساء وقادة 50 دولة عربية وأوروبية فى القمة التى تبدأ اليوم وتستمر يومين، من أجل تصحيح المفاهيم والأفكار الخاطئة لدى كل طرف عن الآخر، بالإضافة إلى وضع أسس لإقامة تعاون وثيق بين الجانبين فى مختلف القضايا لتعزيز جسور الثقة المتبادلة، وتعزيز إنهاء النزاعات المسلحة وبناء السلام والاستقرار فى المنطقة، إلى جانب إعطاء دفعة قوية للتعاون الإقليمى الاقتصادى وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية، وتنشيط العلاقات التجارية والاستثمارات بما يفتح أبواب الأمل أمام شعوب العالم العربى فى حياة أفضل خالية من النزاعات والإرهاب.

أيضا، فإنه من المهم دعم الجانب الأوروبى المطلب العربى العادل بإيجاد حل للأزمة الفلسطينية التى تتعقد يوما بعد يوم فى ظل تعنت إسرائيلى تجاه الحل، وعدم الرغبة الجادة من الحكومة الإسرائيلية فى دخول مفاوضات شاملة لتنفيذ حل الدولتين بما يتفق وقرارات الشرعية الدولية التى تتضمن انسحاب إسرائيل من الأراضى التى احتلتها عام 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، بما يعنى قبول إسرائيل المبادرة العربية التى أعلنتها الجامعة العربية عام 2002، وتم إعلانها فى القمة العربية ببيروت على لسان المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية حينذاك، والتى دعا فيها إلى انسحاب إسرائيل الكامل من جميع الأراضى العربية المحتلة منذ 1967، تنفيذا لقرارى مجلس الأمن «242 و338»، اللذين عززتهما قرارات مؤتمر مدريد عام 1991، ومبدأ «الأرض مقابل السلام» بما يعنى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية مقابل إقامة الدول العربية علاقات طبيعية مع إسرائيل.

للأسف الشديد، فإن إسرائيل لا تزال تراوغ وتتهرب من استحقاقات عملية السلام فى المنطقة ويساندها فى ذلك موقف أمريكى منحاز ومتعنت، ولعل مؤتمر وارسو الأخير يؤكد مدى حسن النية من الجانب العربي، والتعنت الفج من جانب إسرائيل، فهى تريد أن تأخذ كل شيء دون مقابل، تريد العلاقات الطبيعية مع الدول العربية دون قيام السلام فى المنطقة، ومن حسن الحظ أن الموقف الأوروبى من عملية السلام فى المنطقة أفضل من الموقف الأمريكي، وهو ما يمكن البناء عليه خلال القمة العربية ـ الأوروبية المنعقدة اليوم وغدا فى شرم الشيخ، وتأكيد أنه لن يكون هناك سلام أو استقرار حقيقى فى المنطقة دون حل للقضية الفلسطينية.

انعقاد القمة العربية ـ الأوروبية فى مصر شهادة نجاح للسياسة المصرية، وقدرتها على قيادة السفينة العربية فى هذا التوقيت المهم والحساس، والأهم هو كيفية استفادة العالم العربى بوحدته وإرادته المشتركة ــ من استغلال ذلك الحدث التاريخى لتقريب المسافات وتوحيد المصالح بين الجانبين العربى والأوروبى بما يؤدى فى النهاية إلى تحقيق الأهداف المشتركة فى السلام والتنمية والرخاء للشعوب العربية والأوروبية وكل دول المنطقة.

Back to Top