فساد نيتانياهو.. وتكسير «عظام» الفلسطينيين .. بقلم عبدالمحسن سلامة
تحولات درامية وسريعة تشهدها الساحة الإسرائيلية الآن، فبعد أن كان رئيس الوزراء بنيامين نيتانياهو يرفض الانتخابات المبكرة بعد أن استقال حليفه السابق ليبرمان من الحكومة، وحاول نيتانياهو آنذاك إنقاذ الموقف أكثر من مرة، إلا أنه بعد ذلك تراجع عن موقفه السابق ودعا إلى انتخابات مبكرة مستغلا فى ذلك ضعف الأحزاب المنافسة وتشتتها، إلا أنه تلقى ضربة قاصمة خلال الأسبوع الماضى بعد أن أعلن المدعى العام الإسرائيلى أنه يعتزم توجيه اتهامات تتعلق بالفساد لرئيس الوزراء فى ثلاث قضايا تشمل اتهامات بالرشوة، والاحتيال، وخيانة الأمانة، اعتمادا على ما ستسفر عنه جلسات الاستماع وذلك قبيل فترة وجيزة من الانتخابات المقرر إجراؤها فى التاسع من أبريل المقبل، وفى حالة إدانة نيتانياهو تصل عقوبة الاتهامات إلى السجن مدة قد تصل إلى 10 سنوات أو الغرامة أو الإثنتين معا.
هذه الاتهامات أسهمت فى تحويل السباق الانتخابى فى إسرائيل إلى منافسة حقيقية بعدما كانت تظهر استطلاعات الرأى تقدم حزب الليكود وتحالفه بنسبة كبيرة، وتشكيل ائتلاف يمينى حاكم عقب إجراء الانتخابات، إلا أن الموازين تغيرت الآن، وربما يتكرر سيناريو هيلارى كلينتون وترامب، حينما كانت هيلارى مرشحة للفوز بقوة فى الانتخابات الأمريكية على منافسها دونالد ترامب، إلا أن أزمة بريدها الإلكترونى التى فجرها المفتش العام هناك، وكشف فيها عن مجموعة من حسابات البريد الإلكترونى الشخصية لها على أحد خوادم القطاع الخاص غير الحكومية بدلا من حسابات البريد الإلكترونى المسجلة على خوادم الحكومة الاتحادية أثناء إجراء بعض المهام الرسمية خلال توليها منصب وزيرة الخارجية، وحذف ما يقرب من 32 ألفا من رسائل البريد الإلكتروني، ما اعتبره المفتش العام حينها انتهاكا لبروتوكول وإجراءات وزارة الخارجية والقوانين الفيدرالية واللوائح التى تنظم متطلبات حفظ السجلات، وهو الاتهام الذى لعب دورا مؤثرا فى تقدم ترامب وفوزه فى الانتخابات.
هذا السيناريو ربما يتكرر فى إسرائيل لمصلحة منافس نيتانياهو القوى فى الانتخابات «بينى جانتس» رئيس أركان الجيش الإسرائيلى السابق وتحالفه مع كتلة يسار الوسط ، وتشير استطلاعات الرأى إلى أن كتلة يسار الوسط قد تفوز بنحو 61 مقعدا مقابل 59 مقعدا لكتلة اليمين بزعامة نيتانياهو، وفى تلك الحالة لن يستطيع نيتانياهو تشكيل ائتلاف حكومى بسبب تراجع معسكر اليمين ككل.
لكن ليس معنى ذلك حسم الانتخابات لمصلحة يسار الوسط فلا تزال المعركة طويلة وممتدة، ونيتانياهو ليس ملزما بتقديم استقالته إلا إذا أدين واستنفدت جميع درجات التقاضي، وهو الأمر الذى ربما يستغرق شهورا وربما أكثر من ذلك، لأن لائحة الاتهامات لن يتم تقديمها إلا مع منتصف الصيف المقبل، بما يعنى أن جلسات المحاكمة لن تكون إلا بعد إجراء الانتخابات وإعلان نتيجتها وتشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة سواء برئاسة نيتانياهو أو برئاسة غريمه جانتس.
على طريقة صديقه ترامب بدأ نيتانياهو خطة الهجوم المضاد حيث انتقد إعلان المدعى العام بلهجة تحد واضحة، وانتقد إجراء التحقيقات باعتبارها حملة مغرضة ضده أعدها خصومه اليساريون للإطاحة بحكومته اليمينية، متعهدا بإظهار براءته من التهم التى وصفها بالخسيسة، مشيرا إلى أنه لا يوجد تفسير لتوقيت إعلان التهم سوى أنها جزء من ثأر سياسى للإطاحة بحكومة اليمين ووضع حكومة اليسار مكانها، متهما وسائل الإعلام واليساريين بتدبير الحملة ضده مستغلا فى ذلك إعجاب قطاع كبير من الإسرائيليين بطريقته فى الحكم وخبرته الممتدة لسنوات طويلة ونجاحه فى تقوية الاقتصاد الإسرائيلي، وعلاقته المتميزة بالرئيس الأمريكى ترامب، ما أدى إلى اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها فى إجراء صادم للفلسطينيين والعرب جميعا بما يؤكد مكانة ونفوذ نيتانياهو لدى السلطات الأمريكية والرئيس الأمريكي، أيضا فإن نيتانياهو كان معارضا وبقوة للاتفاق النووى الذى أبرمه الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما مع طهران وظل على هذا الموقف حتى جاء الرئيس دونالد ترامب وألغى الاتفاق مع إيران وانسحب منه رغم معارضة الشركاء الأوروبيين.
أعتقد أن نيتانياهو لن يتورع عن استخدام كل الأساليب خلال المرحلة المتبقية قبيل إجراء الانتخابات بما فيها تكسير «عظام» الفلسطينيين وضربهم ومحاصرتهم والاعتداء عليهم ليؤكد أنه صمام الأمان للإسرائيليين وللتغطية على الاتهامات التى تلاحقه بالفساد، وقد بدأ السيناريو المتوقع يوم الخميس الماضى حينما صعدت قوات الاحتلال الإسرائيلى من اعتداءاتها ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم فى الضفة الغربية وقطاع غزة، ما أسفر عن سقوط ضحايا ومصابين واعتقال 12 مواطنا وهدم منزلين.
من بين الضحايا الطفل سيف الدين عماد ناصر أبوزيد (15 عاما) متأثرا بجروح خطيرة أصيب بها فى رأسه بعد إطلاق قناصة إسرائيليين النار عليه خلال مشاركته فى فعالية سلمية فى قطاع غزة.
دم الفلسطينيين وأراضيهم سوف تكون القرابين التى يقدمها نيتانياهو للفوز فى الانتخابات حيث تواصل سلطات الاحتلال ابتلاع الأراضى الفلسطينية والتوسع فى إقامة المستوطنات خاصة فى القدس الشرقية، مما جعل أكثر من 40% من الأراضى المحتلة فى الضفة الغربية تحت سيطرة المستوطنين مما يعرقل حل الدولتين فى المستقبل.
على الجانب الآخر، فإن إسرائيل تقوم بإشعال نيران الفتنة بين السلطة الفلسطينية فى الضفة الغربية وحماس فى غزة، وفى الوقت الذى تقوم فيه الحكومة الإسرائيلية بزعامة نيتانياهو بتحويل الأموال إلى حماس فى غزة، تقوم باقتطاع الأموال من حصيلة الضرائب التى يجب تحويلها إلى السلطة الفلسطينية، من أجل دعم حماس وتشجيعها على التمرد على السلطة الفلسطينية، وفى الوقت نفسه يدير نيتانياهو حملة تحريض ضخمة ضد الرئيس الفلسطينى محمود عباس كما يقوم بحملة اعتقالات فى صفوف حركة فتح فى الضفة الغربية.
الأمر المؤكد أن إسرائيل لا تريد «فتح» ولا «حماس» لكنها فقط تريد إشعال الحرب فيما بينهما لأن الخطر الحقيقى والوحيد الذى يهدد الحكومة الإسرائيلية هو وحدة الشعب الفلسطيني، واصطفافه خلف قيادته لكى تلتزم إسرائيل بالسلام وتلتزم بقرارات الشرعية الدولية خصوصا القرارين 242 و338 اللذين ينصان على ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضى التى احتلتها فى حرب 1967، واعتبار أراضى دولة فلسطين القائمة فى الرابع من يونيو 1967 قبل اندلاع الحرب أراضى محتلة يجب الانسحاب منها إذا أرادت إسرائيل السلام، كما أصدر مجلس الأمن القرار 2334 الذى يؤكد أن بناء المستوطنات فى الأراضى المحتلة بما فيها القدس الشرقية يعد عملا غير قانوني، ويلزم إسرائيل ـ باعتبارها دولة الاحتلال ـ وقف جميع النشاطات والأعمال الاستيطانية فى الأراضى المحتلة والاحترام الكامل للشرعية الدولية، والالتزامات المترتبة عليها.
المشكلة أن الفصائل الفلسطينية المتصارعة هى التى تعطى الفرصة لنيتانياهو وغيره للتلاعب بهم وإشعال نيران الفتنة فيما بينهم، فليست هناك رغبة جادة فى إجراء مصالحة حقيقية، وللأسف فإن كل الفصائل تتحدث عن المصالحة وكأنها واجب مقدس لكنها فى الخفاء تعمل ضد المصالحة تماما، متمسكين بأوهام نفوذ زائف، وسلطة وهمية تحت جبروت الاحتلال، رغم إدراك جميع الفصائل حجم الأزمة التى تواجهها القضية الفلسطينية، ووصولها إلى طريق مسدود نتيجة تعنت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وانحياز أمريكا الأعمى إلى إسرائيل، ورغبة ترامب الجامحة فى تمرير صفقة القرن التى تنهى ما تبقى من أشلاء الدولة الفلسطينية.
هذه التحديات الخطيرة كافية لأن تكون جرس إنذار قويا لإفاقة الفصائل، ووضع حد للانشقاقات والانقسامات فيما بينهم بعيدًا عن «حلو الكلام» الذى يصدر فى البيانات أو فى شكل تصريحات مرحبة بالمصالحة ومؤكدة لها، لكنها تعمل ضدها فى الخفاء.. هناك حالة من الاحتقان المتصاعد بين فتح وحماس رغم كل الجهود المبذولة للتوفيق بينهما بحثا عن مصالحة ربما لا يريدها الطرفان بشكل حقيقى لدرجة جعلت الشعب الفلسطينى والشعوب العربية تمل من أخبار المصالحة نتيجة عدم جدية الأطراف الفلسطينية فى إتمامها، فلا يزال هناك كيانان ودولتان، واحدة فى الضفة وأخرى فى غزة، رغم أنه من المفترض أن هناك كيانا واحدا، هو كيان السلطة الشرعية فى الضفة، وبالضرورة لا بد أن تتبع غزة هذا الكيان الشرعى من أجل لم شمل الفلسطينيين خلف قيادتهم الحالية المتمثلة فى رئيسهم محمود عباس، والاتفاق على آليات محددة لإجراء الانتخابات التشريعية أولا ثم الرئاسية بعدها لتأكيد وحدة الفلسطينيين أمام العالم، وتأكيد رغبتهم الجادة فى إنهاء الاحتلال الإسرائيلى وقيام دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية طبقا لمقررات الشرعية الدولية.
إذا كان نيتانياهو سيستغل الانتخابات الإسرائيلية أسوأ استغلال ممكن لإنقاذ نفسه وشعبيته على حساب الفلسطينيين وقضيتهم، فإن الأطراف الفلسطينية مطالبة هى الأخرى بوحدة الصف بشكل حقيقى بعيدًا عن الكلام المكرر والمعاد والنيات الطيبة التى لا تسمن ولا تغنى من جوع لحقن دماء الشعب الفلسطيني، وتحقيق وحدته استعدادًا لمواجهة سيناريوهات ما بعد الانتخابات الإسرائيلية سواء فاز نيتانياهو أم غريمه بينى جانتس، لأنه فى كل الأحوال لن يكون أحدهما أفضل من الآخر إلا إذا كان هناك شعب فلسطينى موحد خلف قيادة موحدة.