منتدى تذويب الفوارق العربية ـ الإفريقية.. بقلم ــ عبدالمحسن سلامة
«يسعدنى الإعلان عن إطلاق النسخة الأولى من منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة خلال عام 2019، ليكون منصة إقليمية وقارية يجتمع بها قادة السياسة والفكر والرأى وصناع السلام وشركاء التنمية فى مدينة أسوان»، بهذه الكلمات أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى عن إطلاق منتدى الشباب العربى ــ الإفريقى خلال كلمته أمام القمة الإفريقية،الأخيرة فى أديس أبابا التى تسلمت فيها مصر رئاسة الاتحاد الإفريقى لأول مرة بعد غياب 26 عاماً عن رئاسة الاتحاد الإفريقى وقبله منظمة الوحدة الإفريقية، حيث كانت آخر مرة تولت فيها مصر رئاسة منظمة الوحدة الإفريقية قبل أن تتحول إلى الاتحاد الإفريقى عام 1993.
سألت السفير بسام راضى المتحدث باسم رئاسة الجمهورية عن أهمية المنتدى العربى ــ الإفريقى وتوقيته؟
أجاب: المنتدى العربى ــ الإفريقى يأتى امتدادا لفكرة مؤتمرات الشباب الناجحة التى تعقد فى مصر بصفة دورية منذ نحو 3 أعوام، وبعد نجاح الفكرة محليا والإعجاب بها من شباب العام تطورت الفكرة إلى أن يكون هناك منتدى لشباب العالم، تم إطلاق نسخته الأولى منذ عامين، واطلاق نسخته الثانية فى نوفمبر الماضى، وبعد أن تولت مصر رئاسة الاتحاد الإفريقى، وبروز دور مصر المحورى على الصعيدين الإفريقى والعربى، قرر الرئيس عبدالفتاح السيسى إطلاق النسخة العربية ـ الإفريقية من أجل زيادة الروابط بين الشباب العربى والإفريقى وتذويب الفوارق فيما بينهم وتحقيق العلاقات الطيبة بين الشعوب الإفريقية والعربية فى إطار الروابط التاريخية التى تمتد عبر آلاف السنين، بالإضافة إلى تشابه الظروف الاقتصادية والثقافية ووحدة المصالح بين الشعوب العربية والإفريقية، مما يحتم ضرورة بذل كل الجهود لتعميق التعاون المشترك من أجل تحقيق طموحات الدول العربية والإفريقية فى التقدم والتنمية والرخاء.
قلت له: وماذا عن حجم المشاركة من الدول العربية والإفريقية؟
أجاب السفير بسام راضى: هناك مشاركة كبيرة وواسعة من الشباب العربى والإفريقي. حيث توجد وفود شبابية من كل الدول الإفريقية والعربية تقريبا، بالاضافة إلى مشاركة 40 دولة بوفود رسمية تم تمثيلها على مستوى الوزراء، ورؤساء الهيئات، ورؤساء المنظمات، مما يؤكد مدى اهتمام الدول العربية والإفريقية بهذا الحدث المهم، والحرص على المشاركة فيه بكل قوة، ولذلك فمن المتوقع أن تكون هناك مناقشات جادة ومستفيضة حول كل القضايا المطروحة على جدول الأعمال من أجل الوصول إلى رؤية مشتركة حول تلك القضايا، بما يحقق مصلحة شباب وشعوب الدول العربية والإفريقية، وتحقيق طموحات التنمية والاستقرار لكل الدول العربية والإفريقية بلا استثناء.
سألته: وما أهم القضايا المطروحة على مائدة النقاش ورؤية مصر حول تلك القضايا؟
أجاب السفير بسام راضى، المتحدث باسم رئاسة الجمهورية،: هناك الكثير من القضايا التى سوف تتم مناقشتها من خلال جلسات المؤتمر وورش العمل، منها ما يتعلق بريادة الأعمال، وكيف تكون رائد أعمال ناجحا؟
هذا المجال حققت فيه مصر نجاحا كبيرا من خلال الاهتمام بنشر الصناعات الصغيرة والمتوسطة، ونشر ثقافة ريادة الأعمال، وتذليل مختلف العقبات التى تواجه الشباب فى هذا المجال، وتهدف نقاشات المنتدى إلى تعريف الشباب العربى والإفريقى بثقافة ريادة الأعمال وتحديد عوامل نموها، وإعداد نموذج الأعمال «بيزنس موديل»، واستخدام طرق ومهارات توليد الأفكار الريادية لعرض مقترح مشروعات للمستثمرين، والاستفادة من قصص نجاح بعض رواد الأعمال فى مختلف المجالات.
من بين القضايا المطروحة أيضا ما يتعلق بوادى النيل وكيف يصبح ممرا للتكامل الإفريقى العربي، ورؤية مصر ثابتة فى هذا المجال، فهى حريصة منذ قديم الأزل على أن يكون نهر النيل هو نهرا للتعاون ومن خلال دول حوض النيل يجب تقديم النموذج الناجح للتعاون بين الشعوب بحيث تصبح دول حوض النيل حاضنة لثقافة التعايش المشترك، لكى يتحول نهر النيل إلى شريان للحياة والتنمية لكل دول حوض النيل.
مشيرا إلى أن مساحة التعاون بين دول الحوض أكبر كثيرا من أى مساحات للتباين، ومصر دائما وأبدا تمد يدها بالتعاون إلى كل دول القارة السمراء عموما ودول حوض النيل خصوصا، وتوجد لمصر بعثات للرى منذ عدة عقود فى كل دول حوض النيل، وهى التى تقوم ببناء عدد كبير من السدود فى أوغندا، وشاركت أيضا فى الكثير من المشروعات فى السودان وتنزانيا، فمصر تريد الخير لكل شعوب القارة مادام تم الالتزام بحقوق مصر المائية، والحفاظ على مصلحتها وأمنها القومي.
وماذا عن تجربة مصر فى الرعاية الصحية ونشر هذه التجربة إفريقيا وعربيا؟
أجاب السفير بسام راضى: مصر تسير بخطوات رائدة فى مجال الرعاية الصحية فهى من ناحية تستعد لتطبيق مشروع التأمين الصحى الشامل الذى سوف يبدأ تطبيقه فى محافظة بورسعيد ثم بعدها السويس، والإسماعيلية، وشمال وجنوب سيناء، وهو المشروع الذى سوف يكون نقلة نوعية هائلة فى قطاع الصحة، وأيضا هناك تجربة مصرية فريدة فى القضاء على قوائم الانتظار، حيث تم الانتهاء من علاج 100 ألف حالة بتكلفة بلغت أكثر من مليار جنيه، إلى جوار مشروع «100 مليون صحة» لعلاج فيروس «سى»، والأمراض غير السارية، وكلها مشروعات قابلة للتعميم فى الكثير من الدول العربية والإفريقية، حيث تتشابه الظروف الصحية فى بعض الدول العربية والإفريقية مع الظروف الصحية المصرية، وتضع مصر كل إمكاناتها للتعاون مع هذه الدول بنقل تلك التجارب إليها مع إمدادها بكل الخبرات البشرية والعلمية اللازمة لذلك.
انتهى حديث السفير بسام راضى المتحدث باسم رئاسة الجمهورية ومن المؤكد أن انعقاد منتدى الشباب العربى ــ الإفريقى يأتى ضمن حلقات الدور الرائد الذى تقوم به مصر الآن فى إطار محيطها العربى والإفريقى والأوروبى خاصة بعد النجاح الذى تحقق فى القمة العربية ـ الأوروبية، ورئاسة مصر الاتحاد الإفريقى، وأعتقد أن هذه الدوائر (العربية ــ الإفريقية ــ والأوروبية) يجمع فيما بينها الكثير من الروابط والمصالح المشتركة، وهناك الكثير من الموضوعات ذات الصلة التى تجمع فيما بينها سواء فيما يتعلق بقضايا الإرهاب ومواجهة الفكر المتطرف، والأمن، واللاجئين، والهجرة غير المشروعة، والنزاعات المسلحة، والأوضاع المقلقة والأزمات فى ليبيا، واليمن، وسوريا، والصراع العربى الإسرائيلي، وكلها قضايا رئيسية على الأجندة العربية ـ الإفريقية بشكل رئيسى ودائم منذ عقود طويلة لكنها تفاقمت فى الفترة الأخيرة، خاصة بعد اندلاع ثورات الربيع العربى التى تحولت إلى خريف ساخن عصف بكيانات العديد من الدول، وترك آثارا سلبية (اقتصادية وأمنية) على باقى الدول الأخرى.
ربما تختلف الأجندة العربية عن الأجندة الأوروبية، لأن معظم الأحداث تقع فى المنطقة العربية فى حين أن أوروبا تتأثر فقط بنتائج هذه الأحداث، أما الأجندة العربية فهى تتفق والأجندة الإفريقية فى الكثير من المواقف والقضايا والظروف، فالظروف الاقتصادية تكاد تكون متشابهة بين معظم الدول العربية والإفريقية، وكلها دول نامية، حتى وإن كان فيها دول غنية وأخرى فقيرة، لأن الدول الغنية تنتمى إلى الدول البترولية لكنها ليست دولا متقدمة بالمعنى المفهوم، وبعيدا عن الظروف الاقتصادية فإن أغلب الدول العربية والإفريقية تعانى ويلات الإرهاب، والأفكار المتطرفة، والجهل، والتخلف، والنزاعات المسلحة، مما يستدعى رؤية مشتركة حول مفاهيم الدول الوطنية، وإنهاء النزاعات المسلحة التى أدت الى تهديد أمن الدول والشعوب، وأسهمت فى تشريد الملايين والدفع بهم إلى الهروب والهجرة غير المشروعة.
أعتقد أنه من الضرورى بلورة رؤية عربية ـ إفريقية مشتركة حول تلك الأزمات فى إطار من تذويب الفوارق العربية ـ الإفريقية، وتصحيح المفاهيم والأفكار الخاطئة لدى كل طرف عن الآخر، خاصة أن إفريقيا كانت دائما وأبدا مساندة للمواقف العربية فى المحافل الدولية من خلال دعم إقامة الدولة الفلسطينية، وتبنى حل الدولتين بما يتفق والقرارات الدولية المشروعة التى تتضمن انسحاب إسرائيل من الأراضى التى احتلتها عام 1967.
إسرائيل الآن تعمل بكل قوة على اختراق الانسجام التاريخى العربى ـ الإفريقى من خلال تبنى دبلوماسية إسرائيلية جديدة قائمة على فك الحصار الإفريقى العربى عليها بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو الأمر الذى كشف عن نيات إسرائيل السيئة، فالعرب لايرفضون إسرائيل، لكنهم يؤيدون حق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، تنفيذا لقرارى مجلس الأمن «242و338» فى حين أن إسرائيل هى التى ترفض السلام وتتعنت ضد إعطاء الشعب الفلسطينى حقه المشروع فى إقامة دولته طبقا للمقررات الدولية المشروعة.
على الجانب الآخر فإن نهر النيل هو «الحبل السرى» لحياة المصريين وهناك دولتان عربيتان هما «مصر والسودان» تشتركان مع 8 دول إفريقية هى «اثيوبيا، وكينيا، وأوغندا، والكونغو، ورواندا، وتنزانيا، وبوروندى، وإريتريا» وذلك ضمن دول حوض النيل وهو التجمع الذى يصلح أن يكون نموذجا للشراكة والعيش المشترك لكل دول القارة، إذا استطاعت تلك الدول أن تتبنى رؤية التعاون لكل دول الحوض بعيدا عن ضيق الأفق والأنانية من أجل تعميم مفهوم التنمية للجميع، وعدم القبول بالأضرار لأى دولة من دول الحوض.
ميزة مؤتمرات الشباب أنها لا تفرض قرارات، لكنها تقوم بما يشبه العصف الفكرى لشعوب الدول المشاركة فى هذه المؤتمرات بما يهيئ البيئة الملائمة للقادة والزعماء لاتخاذ القرارات القائمة على أسس الشراكة والتعاون والعيش المشترك، وبما يسهم كذلك فى وضع تصور للحلول المقترحة للمشكلات التى تعانيها الدول العربية والإفريقية اقتصاديا وسياسيا وأمنيا.
الأمر المؤكد أن كل ذلك سوف يؤدى إلى تحقيق طموحات الشباب فى مستقبل أفضل لدولهم يقيهم شر الفوضي، والانفلات، والنزاعات المسلحة، حتى لا يضطروا إلى الهجرة غير المشروعة والموت فى أعالى البحار بحثا عن حياة كريمة ومستقرة خارج أوطانهم.
آمال الشباب العربى الإفريقى كبيرة، والتحديات التى تواجه دولهم أكبر، لكن الإصرار على الحوار والتفاهم المشترك وتذويب الفوارق الوهمية بين الشعوب سوف يؤدى حتما إلى تحقيق الحلم العربى الإفريقى فى الانطلاق والازدهار والتقدم والرخاء.