نقاط الاتفاق والاختلاف فى العلاقات المصرية ــ الأمريكية.. بقلم عبدالمحسن سلامة
ما بين الدفء والجفاء الشديدين تراوحت العلاقات المصرية ـ الأمريكية على مدى العقود الستة الماضية، إلا أنه وخلال الفترة الأخيرة، ومنذ وصول الرئيس السيسى إلى سدة الحكم فى مصر، فقد تميزت هذه العلاقات بالاستقرار والازدهار، رغم وضوح المواقف المصرية، والاختلاف مع الكثير من التوجهات الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بقضايا السلام فى المنطقة وقضيتى القدس والجولان.
زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى واشنطن هذه الأيام تأتى فى إطار العلاقات الثنائية المتميزة، وهى الزيارة الثنائية الثانية ضمن برنامج الزيارات المتبادلة بين الدولتين للنقاش والحوار حول مختلف القضايا، فى إطار العلاقات الإستراتيجية المتميزة بين الولايات المتحدة الأمريكية ومصر.
لا أحد يستطيع أن ينكر قوة أمريكا العسكرية والاقتصادية والسياسية، باعتبارها القوة العظمى فى العالم، لكن هذا لايمنع من وضع النقاط على الحروف فى الكثير من القضايا العالقة بين البلدين، على اعتبار أن مصر أيضا هى الدولة الأكبر والأكثر تأثيرا فى المنطقة العربية والشرق الأوسط وإفريقيا، وبالتالى لابد من وجود حوار عميق ومستمر بين الدولتين، فى محاولة لتذويب الفوارق أو على الأقل تقليل حجم هذه الفوارق فى بعض القضايا، والاتفاق فى بعض القضايا الأخري، خاصة ما يتعلق بالعلاقات الثنائية.
لا يوجد اختلاف بين الدولتين حول أهمية وإستراتيجية العلاقات الثنائية، فمصر بالنسبة لأمريكا شريك إستراتيجى مهم، وقوة إقليمية مهمة، ولها الدور الأكبر فى حل النزاعات بالمنطقة، ومحاربة الإرهاب، والحفاظ على استقرار وأمان منطقة الشرق الأوسط.
على الجانب المقابل؛ فإن مصر تعى قوة أمريكا سياسيا واقتصاديا وعسكريا، وهى حليف إستراتيجى لمصر منذ عصر الرئيس الراحل أنور السادات وتوقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، وقامت أمريكا منذ ذلك الوقت بدور مهم بمساعدة مصر اقتصاديا وعسكريا على مدى الأعوام الأربعين الماضية، وخلال زيارة وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو مصر فى منتصف يناير الماضي، وخلال المؤتمر الصحفى المشترك لوزيرى خارجية البلدين، أكدا زيادة وتيرة الزيارات المتبادلة، وعقد الحوار الإستراتيجي، وعودة صيغة المشاورات (2+2) بين وزيرى الدفاع والخارجية فى البلدين، ودعم وتنمية العلاقات التجارية والاقتصادية بين الدولتين، تحقيقا لرؤية الرئيسين عبدالفتاح السيسي، ودونالد ترامب.
توقيت الزيارة شديد الأهمية، بحسب تأكيد الوزير سامح شكرى وزير الخارجية، لأنه يأتى فى إطار المناخ الإيجابى السائد الآن فى العلاقات الأمريكية ـ المصرية على المستوى الثنائي، وإزالة معظم النقاط الخلافية العالقة فى العلاقات بين الدولتين، مما أدى إلى وجود حالة من الارتياح العام على المستوى الثنائي، لتتطور هذه العلاقة إلى علاقة إستراتيجية قوية، ويتضح ذلك من حجم اللقاءات بين الرئيسين، وعودة دورية اللقاءات الثنائية بعد توقف دام فترة طويلة خلال فترة الرئيس الأمريكى السابق أوباما، وهذه الزيارة هى الثنائية الثانية خلال فترة حكم ترامب، واللقاء السادس بين الرئيسين.
سألت وزير الخارجية سامح شكرى عن أبرز القضايا المطروحة على طاولة الحوار بين الدولتين خلال هذه الزيارة؟
فأجاب الوزير: قضايا عديدة مطروحة للنقاش، منها ما يتعلق بالعلاقات الثنائية بين الدولتين فى المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية، وقد تم الاتفاق على عودة الحوار الإستراتيجى بين الدولتين، ومن المقرر أن تبدأ جلساته فى مايو المقبل قبل شهر رمضان، بحيث يتم تذليل كل المصاعب والعقبات التى تعترض تطور العلاقات بين الدولتين فى مختلف المجالات وهذا هو المحور الأول.
أما المحور الثانى للمشاورات؛ فهو المحور المتعلق بقضايا السلام فى المنطقة، ومكافحة الإرهاب، وضرورة الدفع فى اتجاه تحقيق السلام العادل والشامل، بما يتفق وقرارات الشرعية الدولية، وحل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية على الأراضى التى احتلتها إسرائيل عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، وهذا هو الموقف المصرى الثابت فى هذا الشأن، والذى تتبناه مصر فى جميع المحافل الدولية الثنائية والأممية، وكذلك أيضا إنهاء الاحتلال الإسرائيلى لكل الأراضى المحتلة عام 1967، بما فيها الجولان السورية.
قلت: هل هناك علاقة بين الزيارة الحالية للرئيس عبدالفتاح السيسى ومرور 40 عاما على توقيع معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية؟
أجاب وزير الخارجية سامح شكرى قائلا: لا توجد علاقة مباشرة بين الزيارة وذكرى مرور 40 عاما على معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية، وربما يكون الاحتفال الذى تقيمه الغرفة التجارية الأمريكية بمناسبة مرور 40 عاما على إنشاء مجلس الأعمال المصرى الأمريكى هو الشيء المشترك الوحيد فى هذا الإطار، لأن مجلس الأعمال المصرى الأمريكى أنشئ متزامنا مع توقيع معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية، أما دون ذلك فليست هناك علاقة، فهى زيارة ثنائية تأتى فى إطار ما تم الاتفاق عليه من دورية انعقاد اللقاءات الثنائية بين الدولتين.
وماذا عن مبادرة السلام الأمريكية أو ما يتم الترويج لها على أنها صفقة القرن؟
أجاب الوزير سامح شكري: حتى الآن ليست هناك مبادرة محددة فى هذا الشأن، وكل ما يقال هو نوع من التسريبات غير المدققة، وأعتقد أن المبادرة لم تتم بلورتها حتى الآن، وربما تكون بعد الانتخابات الإسرائيلية، وربما لا تظهر تماما، وكل ما يثار هو مجرد تكهنات، وفى كل الأحوال موقف مصر معلن وواضح تماما، وهو الاتفاق على إنهاء الاحتلال الإسرائيلى لكل الأراضى المحتلة بعد حرب 1967، وحل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
وماذا عن القضايا الأخرى فى المنطقة والوضع فى ليبيا؟
أجاب: مصر تتابع الموقف فى ليبيا بشكل دقيق، ونحن مع وحدة الجيش الليبي، وعدم التصعيد العسكري، وضرورة إنهاء دور الميليشيات المسلحة، ومصر مع الحل السياسي، وهناك تحركات قادها السكرتير العام للأمم المتحدة فى أثناء زيارته المنطقة، والأمر المؤكد أن ما تشهده المنطقة من أزمات فى سوريا واليمن وليبيا سوف يكون ضمن ملفات الحوار المصرى الأمريكي، مشيرا إلى أن الأحداث خلال الفترة الماضية أثبتت صدق وسلامة توجهات السياسة الخارجية المصرية تجاه تلك الأحداث وغيرها، مما دعا القوى المؤثرة فى العالم، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، إلى إعادة النظر فى سياستها مرة أخرى تجاه تلك الأزمات، فى إطار مفهوم إعادة الدولة الوطنية، والتمسك بثوابتها، بعيدا عن التدخلات الخارجية.
بعيدا عن تصريحات الوزير سامح شكري، فإن مرور 40 عاما على توقيع اتفاقية السلام المصرية ـ الإسرائيلية، ربما يكون دافعا للإدارة الأمريكية لإعادة تصويب رؤيتها من الصراع العربى الإسرائيلي، فلا سلام عادلا دون عودة الأراضى المحتلة، كما حدث مع مصر، ونصت عليه اتفاقية السلام التى تم توقيعها فى البيت الأبيض بين الرئيس الراحل أنور السادات ومناحم بيجين رئيس وزراء إسرائيل، وفى حضور الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر يوم 26 مارس عام 1979.
تجربة مصر فى السلام تجعلها قادرة على تصويب الكثير من المفاهيم الخاطئة فى السياسة الأمريكية، خاصة ما يتعلق بقضايا السلام، ومكافحة الإرهاب، والحفاظ على هُوية الدول الوطنية، وعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول.
على الجانب الآخر، فإن الرئيس عبد الفتاح السيسى قد نجح فى إعادة التوازن إلى السياسة الخارجية المصرية من خلال دعم العلاقات مع أمريكا، وجعل مصر شريكا إستراتيجيا لها، لكن فى الوقت نفسه نجح فى إقامة علاقات متميزة ولاتقل قوة أيضا مع روسيا والصين والاتحاد الأوروبي، بعيدا عن أحادية العلاقة، مما أعاد التوازن إلى السياسة الخارجية المصرية، وجعل من مصر قوة يعتد بها فى التفاوض مع القوى الدولية المختلفة، وجعل هذه القوى تستمع بإنصات شديد واهتمام للرؤية المصرية فى القضايا التى تخص دول المنطقة، ومن المتوقع أن تشهد المباحثات بين الجانبين المصرى والأمريكى تبادل الأفكار والرؤى حول مختلف القضايا، بما ينعكس إيجابيا على المصلحة المشتركة للدولتين بشكل خاص، وعلى مشكلات المنطقة وأزماتها ومستقبلها خلال المرحلة المقبلة بشكل عام.