الخطوط المشتركة بين أمريكا وإفريقيا... واشنطن: عبدالمحسن سلامة
هل هناك علاقة بين زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى للدول الإفريقية الثلاث (غينيا، وكوت ديفوار، والسنغال)، وبين زيارته الولايات المتحدة فى التوقيت نفسه، على الرغم من المشقة, وطول السفر بين هذه الدول؟!..
الرئيس عبد الفتاح السيسى هو رئيس الاتحاد الإفريقى الآن، بحكم رئاسة مصر للاتحاد هذا العام، ومصر بلد إفريقى له جذوره الإفريقية المتشعبة, ومصالحه الحياتية المرتبطة بالنيل, الذى هو مصدر حياة المصريين، وللأسف الشديد, ولعدة عقود, أهملت مصر القارة الإفريقية بسوء قصد، وعدم تخطيط، على اعتبار أن تكلفة العلاقات مع إفريقيا أعلى من العائد منها، على الرغم من أن إفريقيا قارة «بكر» يمكن أن تصبح مصر بوابتها إلى العالم, والعكس صحيح، كما أن نزاعات المياه ومشكلاتها لا يمكن تجاهلها، لكن الأخطاء القاتلة, التى وقعت فيها السياسة الخارجية لعقود, وتجاهل هذه البديهيات؛ جعلت من الضرورى بذل المزيد من الجهد لعودة العلاقات إلى ما كانت عليه فى الستينيات وما قبلها، ولذلك كانت الزيارات المتكررة للرئيس عبد الفتاح السيسى لتعويض ما فات، حيث قام بنحو 26 زيارة إلى القارة الإفريقية، آخرها زيارته السنغال، وحظيت دول حوض النيل بالعدد الأكبر من الزيارات، حيث قام بزيارة إثيوبيا (6 مرات)، والسودان (5 مرات)، ورواندا وأوغندا (مرتين)، وهكذا، لكنه فى التوقيت نفسه امتد اهتمامه إلى بقية أنحاء القارة، وقام بزيارة دول لم يسبقه إليها رئيس مصرى من قبل، كما هى الحال فى زيارة جمهورية كوت ديفوار الأخيرة، والتى تعتبر أول زيارة لرئيس مصرى إليها، فى إطار حرص مصر الدائم على تكثيف التنسيق والتواصل مع الأشقاء الأفارقة، وتعزيز العلاقات فى مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية.
إفريقيا, الآن, لها ثقل عالمى مهم فى السياسة الدولية، ولذلك أصبحنا نرى اهتمام دول العالم المتقدم بالقارة الإفريقية، ومحاولة فتح آفاق التعاون معها، وعقد القمم المشتركة, مثل القمة الأوروبية ـ الإفريقية، والقمة الصينية ـ الإفريقية.. والكثير من القمم الأخرى, التى تركز على فتح مجالات التعاون المشترك بين الدول الإفريقية والدول العظمى, اقتصاديا, وسياسيا, تقديرا من هذه الدول للمستقبل الواعد للدول الإفريقية فى مختلف المجالات.
مصر, من جانبها، تسعى جاهدة للحفاظ على حصتها من مياه النيل، بل إنها تسعى لزيادتها، على اعتبار خصوصية الوضع المصرى بين دول الحوض، وفقرها المائى، واعتمادها الأساسى على النيل كمصدر وحيد للمياه العذبة، وحتى الآن، وعلى الرغم من النيات الطيبة التى تظهرها إثيوبيا, وتؤكدها، فإنه لم يتم التوقيع كتابة على الاتفاق النهائى الثلاثى بين مصر وإثيوبيا والسودان حول كيفية تشغيل سد النهضة، وسنوات الملء والتخزين، والاشتراطات الفنية اللازمة للتشغيل بالإشراف الثلاثى المباشر حتى لا تتعرض مصر لأى مخاطر ـ لا قدر الله ـ ناتجة عن مدة سنوات الملء والتخزين، أو حدوث نقص فى حصة مصر لأى سبب من الأسباب.
ليست قضية النيل وحدها التى تربط مصر بإفريقيا، لكن هناك الكثير من الارتباطات الاقتصادية والسياسية الأخرى، خاصة ما يحدث فى دول الجوار المباشر مثل ليبيا، والسودان، أو دول الجوار غير المباشر مثل الجزائر.
مصر حريصة على وحدة وسلامة هذه الدول، وترفض التدخل الأجنبى فى شئون تلك الدول وغيرها، وتؤمن تماما بحق الشعوب فى تقرير مصير دولها، بعيدا عن محاولات التآمر والتربص, حتى يمكن الحفاظ على كيانات هذه الدول من التفتيت أو الهدم، ولأن مصر قد تعرضت لتجربة قاسية فى هذا الشأن، فإن الرئيس عبد الفتاح السيسى حريص على الحفاظ على كيانات الدول الوطنية، خاصة أن الدول الثلاث دول عربية شقيقة، ومصالح مصر تتأثر بشكل مباشر وغير مباشر بما يحدث فيها ، ولذلك فإن هناك حرصًا مصريًا على تأكيد وجهة نظرها بضرورة عدم التدخل فى شئون هذه الدول، مع الحرص الشديد على وحدة وسلامة أراضيها، بعيدا عن فوضى الميليشيات والكيانات المسلحة غير الشرعية, فى إطار من الرؤية الشاملة للحل السياسى لجميع المشكلات.
الوضع فى ليبيا شديد الخصوصية بالنسبة لمصر، فهى دولة جوار مباشر، وحدودنا تمتد معها إلى أكثر من 1200 كيلو متر ، ولدينا جالية مصرية كبيرة فى ليبيا، وتوجد جالية ليبية أكبر فى مصر, وهناك صلات مصاهرة بين العائلات المصرية والليبية، سواء فى المحافظات الحدودية أو غيرها، ولذلك فإن الموقف المصرى كان واضحا, منذ البداية, بضرورة الحفاظ على وحدة الأراضى الليبية، وضرورة مساندة الجيش الليبى فى استعادة الأمن والنظام على جميع أراضيه، ورفض أى كيانات غير شرعية تهدد أمن الشعب الليبى الشقيق، مع مساندة الجهود الدولية فى التوصل إلى حل سياسى للأزمة يضمن وجود خريطة طريق لحلها وفق مقررات الأمم المتحدة، وما تم التوصل إليه مع المبعوث الدولى غسان سلامة.
هناك من يريد استمرار الوضع المضطرب الحالى فى ليبيا، وهناك من يغذى جنرالات الحرب، ويدعم الميليشيات المسلحة, التى تعمل بعيدا عن سلطة الجيش الليبى، وهو الوضع غير المقبول من جانب الشعب الليبى, الذى عانى ويلات الفوضى والانفلات الأمنى، وأصبح غير آمن على حياته فى ظل تلك الفوضى طوال السنوات الماضية، ومنذ سقوط نظام الرئيس الليبى الراحل معمر القذافى.
الشعب الليبى يريد الأمان والاستقرار, وعودة الحياة الطبيعية، خاصة أنه يملك من الموارد والثروات ما يجعله مؤهلاً للتعافى بسرعة من الأزمات التى يعانيها، لكن للأسف الشديد هناك من يتآمر على الشعب الليبى سواء من الداخل أو الخارج بغرض الحفاظ على مصالحه على حساب معاناته.
مصر تقوم الآن بدور مهم وحيوى فى الحفاظ على مصالح دول القارة الإفريقية بحكم رئاستها الاتحاد الإفريقى، ومن هنا تأتى أهمية الزيارات المتكررة التى يقوم بها الرئيس عبد الفتاح السيسى لدول القارة الإفريقية, فى محاولة لتوحيد المفاهيم حول الأزمات المشتعلة فى العديد من دول القارة, من أجل حقن دماء الشعوب الإفريقية، وإنهاء فوضى السلاح خارج الأطر الشرعية لدول القارة، وكشف وفضح التآمر على مصالح الشعوب الإفريقية التى تهدف إلى استمرار تبعية هذه الدول للكيانات الاستعمارية القديمة أو الحديثة, بغض النظر عن نوعية الاستعمار، ومفرداته التى اختلفت عن ذى قبل.
على الجانب الآخر فإن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى الثانية للولايات المتحدة تأتى فى إطار الزيارات الثنائية بعد زيارته الأولى فى أبريل عام 2017، والتى اجتمع فيها بالرئيس دونالد ترامب, ليكون هذا هو اللقاء السادس بين الرئيسين, مما يشير إلى مساحة التفاهم المشترك، والتقدير المتبادل بين الرئيسين.
هذه الزيارة جاءت فى توقيت شديد الأهمية, خاصة أن الرئيس عبدالفتاح السيسى هو رئيس الاتحاد الإفريقى، ومن ثم فإنه يحمل وجهة نظر القارة الإفريقية فى الكثير من الأحداث, خاصة تلك الأحداث التى تقع داخل القارة, مثل الأزمة الليبية, وضرورة وضع الحلول اللازمة لإنهاء ومعاناة الشعب الليبى.
أيضا, فإنه إلى جوار القضايا الإفريقية, هناك القضايا العربية, خاصة ما يحدث فى سوريا، وكيفية التوصل إلى حلول للمشكلة بما يضمن الحفاظ على كيان الدولة السورية، ووحدة أراضيها, خاصة بعد أن تم القضاء على «داعش» هناك وسقوط آخر معاقله.
أما القضية الأهم, فهى القضية الفلسطينية، ومناقشة إمكان تحقيق السلام بعد المعاناة الطويلة, والممتدة على مدى 71 عاما وحتى الآن, سالت فيها دماء كثيرة، وتكبدت خلالها شعوب المنطقة تضحيات جسيمة, نتيجة الأزمات والحروب والصراعات.
مصر تتمسك بمقررات الشرعية الدولية فى هذا المجال، وضرورة تحقيق السلام العادل والشامل وفق مقررات الأمم المتحدة، والقرارات ذات الصلة، ومبادرة السلام العربية, التى تؤكد مبدأ الأرض مقابل السلام، وتتضمن ضرورة الانسحاب الإسرائيلى من الأراضى التى احتلتها فى حرب 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وكذلك إنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى السورية المحتلة فى الجولان.
هذه هى بعض الملفات المشتركة للقضايا الإفريقية والعربية, والتى كانت ـ ومازالت ـ محلا للمحادثات بين مصر والولايات المتحدة, بغض النظر عن حجم الاتفاق والاختلاف بين الجانبين فى هذه الملفات أو غيرها, لأن السياسة المصرية تقوم على فكرة الخطوط المستقيمة، والمصالح المشتركة لجميع الأطراف, فى إطار الرغبة فى تحقيق آمال الشعوب فى السلام, والتقدم الاقتصادى, بعيدا عن العنف, وسفك الدماء, ووقوع المزيد من الضحايا الأبرياء.
كل هذه القضايا تؤكد وجود خطوط مشتركة بين زيارات الرئيس عبد الفتاح السيسى للدول الإفريقية الثلاث, وزيارة الولايات المتحدة الأمريكية, على اعتبار أهمية أمريكا كدولة عظمى منخرطة فى كل تلك القضايا, ولها دورها المؤثر فيها، وفى الوقت ذاته الدور المحورى لمصر على المستويات الإقليمية والقارية, مما يؤكد أهمية التقارب بين الدولتين بشأن تلك القضايا وغيرها.
إلى جوار ذلك, كانت العلاقات الثنائية حاضرة, بقوة, فى المباحثات بين الرئيسين عبدالفتاح السيسى ودونالد ترامب، وهى العلاقات التى شهدت زخما كبيرا على مدى الأعوام الأربعين الماضية، وتنوعت فيها العلاقات, وامتدت إلى المجالات الاقتصادية والعسكرية والإستراتيجية والسياسية، وأصبحت فيها أمريكا شريكا اقتصاديا مهما لمصر، وهو ما اتضح من خلال الاحتفال الضخم, الذى أقامته غرفة التجارة الأمريكية للرئيس عبد الفتاح السيسى، وحضره رؤساء كبرى الشركات الأمريكية, الذين أشادوا بنجاح تجربة الإصلاح الاقتصادى المصرى، وأكدوا حرصهم على ضخ المزيد من الاستثمارات فى السوق المصرية خلال المرحلة المقبلة.