إنجاز القرن فى سيناء... بقلم ــ عبدالمحسن سلامة

ما حدث يوم الأحد الماضى على أرض سيناء، هو إنجاز القرن الحقيقي، بعد أن عانت سيناء طويلا من التهميش والعزلة، بسبب مصاعب الانتقال منها وإليها، مما تسبب فى عدم اندماجها مع الوطن الأم رغم ما تتمتع به من مزايا، وما تحويه من ثروات.

شبه جزيرة سيناء هى شبه جزيرة صحراوية، تقع غرب آسيا فى الجزء الشمالى الشرقى من مصر، وهى الجزء الوحيد من مصر الذى يتبع قارة آسيا جغرافيا مما يضفى تميزا خاصا على موقع مصر الجغرافي، وجعلها ملتقى قارتى آسيا وإفريقيا، وتبلغ مساحة شبه جزيرة سيناء نحو 60 ألف كيلو متر مربع بنسبة 6% من إجمالى مساحة مصر التى تبلغ مليون كيلو متر مربع.

بحسبة بسيطة فإن إجمالى عدد سكان مصر الآن يبلغ نحو 100 مليون نسمة تقريباً، أى أن حصة سيناء العادلة من إجمالى عدد السكان يكون فى حدود 6 ملايين نسمة، إلا أن الواقع غير ذلك حيث يبلغ عدد سكان سيناء، بحسب موقع الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء نحو 569 ألفا و928 نسمة موزعين على شمال سيناء بعدد سكان 463 ألفا و 975 نسمة، وجنوب سيناء بعدد سكان 105 آلاف و953 نسمة، أى أنه من الطبيعى أن يتم الدفع بعدد لا يقل عن خمسة ملايين نسمة من سكان الوادى المزدحم والمكدس نحو سيناء لتعميرها، واستغلال ثرواتها وتخفيف الزحام والضغط عن الوادى والدلتا.

كان من المستحيل أن يحدث هذا عمليا فى ظل صعوبة التنقل بين سيناء والوادى والدلتا، فلم يكن هناك ربط لسيناء بباقى مصر سوى نفق الشهيد أحمد حمدي، وكوبرى السلام، وهما لا يستوعبان حركة التنقل منذ فترة طويلة مما أدى إلى تكدس السيارات والشاحنات ذهابا وعودة لمسافات طويلة كانت تمتد لساعات، وربما لأيام، الحالة نفسها كانت أمام حركة المعديات التى تقوم بنقل العربات المحملة بمواد البناء أو مستلزمات الإنتاج.

مشكلة كبرى عانت منها شبه جزيرة سيناء على مر العصور، وهى الجزء الغالى والنفيس من الأرض المصرية، التى ضحى لأجلها المصريون بدماء كثيرة، عبر مراحل التاريخ المختلفة، وشهدت أحداثا تاريخية، كبرى أبرزها الحروب الصليبية الأولي، وكانت ولاتزال مطمعا للاستعمار القديم والحديث حيث كانت مطمعا للاستعمار الفرنسى والإنجليزي، ثم كانت مطمعاً للاحتلال الإسرائيلى الذى احتلها بعد هزيمة يونيو 1967، وظلت محتلة حتى كان قرار حرب أكتوبر المجيدة، الذى أطلقه الزعيم الراحل محمد أنور السادات ليعبر الجيش المصرى القناة فى ملحمة تاريخية كبري، ومن خلال تلك الحرب العظيمة استطاعت مصر تحرير مناطق كثيرة من سيناء، لتتم استعادة كامل الأراضى المصرية بعد ذلك بالسلام.

ولأن دماء المصريين روت كل ذرة رمل فى سيناء، فإن سيناء تظل دائما وأبدا هى الجزء الحى والنابض فى قلوب المصريين وعقولهم، ومن هنا كان الحلم الدائم لدى كل المصريين هو كيفية دمج تلك المنطقة الغالية مع باقى جسد الوطن الأم لتعظيم الاستفادة منها ومن ثرواتها، فى إطار إستراتيجية متكاملة لاستغلال ثرواتها، وإعادة توزيع الخريطة السكانية لمصر، والتخفيف من التكدس والازدحام فى المناطق القديمة بالوادى والدلتا.

كان من المستحيل أن يحدث ذلك فى ظل صعوبة الانتقال من سيناء، وإليها، ومن هنا كان تركيز الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ البداية على ضرورة تعمير سيناء وربطها بالوطن الأم وأطلق تعبيره الشهير «هنعمرها.. هنعمرها».

التعمير سار على مسارين متوازيين أولهما استئصال «شأفة الإرهاب» من كل ربوع سيناء فكانت العملية الشاملة التى حققت نجاحات مبهرة وكسرت شوكة الإرهاب والإرهابيين هناك، حيث تم القضاء على معظم العناصر الإرهابية وقطع كل خطوط الإمداد إليهم، مما أسهم فى تجفيف منابع التمويل، ومحاصرة الإرهابيين وتدمير معاقلهم، وتنظيف كل أراضى سيناء منهم، ولم يعد منهم سوى بعض حالات الذئاب المنفردة التى تقوم أحيانا بأعمال يائسة.

المسار الثانى هو التعمير والتنمية، وإذا تحدثنا عن التعمير والتنمية فلابد من توفير البنية الأساسية اللازمة من طرق وكبارى وأنفاق وبنية تحتية ومدن عمرانية جديدة، ودون ذلك يظل الحديث عن التنمية والتعمير مجرد أحلام وأمنيات لا تجد طريقها على أرض الواقع.

 

صحيح كانت هناك محاولات سابقة حدثت مثل إنشاء نفق الشهيد أحمد حمدي، وكوبرى السلام لكنهما لم يعودا يصلحان لاستيعاب حركة الانتقال العادية، وبات الذهاب والإياب من سيناء وإليها ضربا من العذاب، لذلك كان تركيز الرئيس عبدالفتاح السيسى على إقامة شبكة ضخمة من الأنفاق والطرق والكبارى لتربط شبه جزيرة سيناء بباقى الأراضى المصرية تمهيدا لجذب المستثمرين من الداخل والخارج إلى هذه المنطقة بعد أن يتأكدوا من سهولة الحركة والانتقال لبضائعهم ومنتجاتهم من سيناء وإليها بالطرق البرية والبحرية والجوية.

فى نهاية شهر يناير من العام الماضى كنت ضمن الحاضرين الاحتفال بخروج ماكينة الحفر العملاقة لتعلن انتهاء الأعمال الأولى لحفر أحد الأنفاق التى تم افتتاحها يوم الأحد الماضي.

إنجاز ضخم سطرته 4 شركات مصرية عملاقة لتعلن دخول مصر عصر تمصير صناعة الأنفاق، بعد أن تم التعاقد على شراء 4 ماكينات عملاقة فى نوفمبر 2015 من كبرى الشركات الألمانية المتخصصة لتكون هذه الماكينات مملوكة لمصر لترشيد تكلفة التنفيذ، وفى الوقت نفسه امتلاك القدرة على تنفيذ أى مشروعات أخرى فى أى وقت، وأى مكان، ومن المقرر أن يتم استخدام هذه الماكينات العملاقة بعد ذلك فى حفر الخطوط الجديدة من مترو الأنفاق للتوسع بأقصى قدر ممكن فى شبكة المترو لتخفيف التكدس والازدحام على المواطنين فى تحركاتهم وانتقالاتهم بعد أن أصبح المترو من أفضل وسائل نقل الركاب الآن فى مصر.

خلال الـ15 شهرا الماضية ومنذ أن تم الانتهاء من أعمال الحفر الأولى بدأت على الفور أعمال تجهيز الأنفاق وتشطيبها طبقا لأحدث المواصفات العالمية، وتنفيذ كل متطلبات الأمن والسلامة باستخدام أحدث التقنيات وتشمل شبكات الإنذار والحريق، ومخارج هروب، وطوارئ مراقبة بالكاميرات، وهواتف طوارئ، ولإحكام السيطرة الأمنية على مداخل ومخارج شرق وغرب الأنفاق تم إنشاء منطقتين أمنيتين تشملان استخدام أحدث تقنيات الكشف على السيارات المحملة بالبضائع من خلال نظام أشعة «XRay» حتى يتم تجنب عمليات التفتيش اليدوى التى كانت تستهلك وقتا طويلاً.

يوم الأحد الماضى كان الموعد مع إنجاز القرن فى سيناء وافتتاح تلك الشبكة من الطرق والكبارى والأنفاق، وخلال رحلة الذهاب شاهدت على الطبيعة شبكة الطرق التى أقيمت على أحدث المواصفات العالمية، ومداخل ومخارج الأنفاق الجديدة المدهشة، التى تم تنفيذها وفق أحدث التقنيات، ولتحقيق أعلى معدل من الاستفادة تم إنشاء مجموعة من الطرق والكبارى لتيسير حركة الانتقال من الأنفاق وإليها، بحيث لم تعد حركة عبور النفق تستغرق سوى أقل من 20 دقيقة تقريبا.

الآن يمكن أن تفتح سيناء ذراعيها لكل المستثمرين بعد أن تم تذليل جميع المشكلات والعقبات أمام حركة البضائع والمنتجات ومستلزمات البناء والتشغيل.

المفاجأة الضخمة التى فجرها الرئيس عبد الفتاح السيسى أيضا هو إعلانه الانتهاء من المرحلة الأولى لمدينة الإسماعيلية الجديدة التى أقيمت على مساحة 2828 فدانا بإجمالى 52 ألف وحدة سكنية متنوعة المساحات، وتشمل 5 أحياء سكنية وحيا متميزا، وتستوعب نحو 250 ألف نسمة، وقد أقيمت المدينة على أحدث المواصفات العالمية، وقد تأجل إعلانها لحين الانتهاء من افتتاح الأنفاق حتى يمكن لتلك المدينة الجديدة استيعاب أكبر قدر من راغبى السكن، سواء من مدينة الإسماعيلية القديمة أو باقى مدن القناة، وكذلك جميع المواطنين الراغبين فى السكن والاستقرار بتلك المدينة.

أعتقد أن الإسماعيلية الجديدة هى البداية لإقامة سلسلة من المدن الجديدة على أرض سيناء من بينها بئر العبد الجديدة، ورفح الجديدة وغيرهما من الجيل الجديد من المدن الجديدة التى سوف تنتشر فى ربوع سيناء لتعميرها وجذب المزيد من السكان والمستثمرين إليها فى إطار الإستراتيجية المصرية الجديدة لزيادة مساحة النسبة المعمورة من خريطة مصر ومضاعفتها خلال المرحلة المقبلة، وإعادة توزيع الخريطة السكانية بما يضمن الحفاظ على الرقعة الزراعية، وتخفيف الضغط على المناطق القديمة.

ما حدث على أرض سيناء فى الأسبوع الماضى من افتتاح الأنفاق وشبكة الطرق والكبارى منها وإليها وإنشاء مدينة الإسماعيلية الجديدة له علاقة وثيقة بالحرب التى تخوضها مصر ضد الإرهاب واجتثاث جذوره من سيناء ومن كل شبر فى أرض مصر، لأن التعمير هو أحد أهم سبل مواجهة الإرهاب والتخلص منه، وقد نجحت مصر أخيرا فى تسجيل نجاحات كبرى فى مواجهة الإرهاب على أرض سيناء، وعادت الحياة طبيعية هناك، فالأسواق الآن تعمل بطاقتها القصوي، والمدارس والجامعات تعمل بشكل طبيعي، وحركة العمل اليومية تسير فى مسارها الاعتيادي، لكن لا تزال هناك بعض الجيوب المتناثرة التى تقوم ببعض الأعمال اليائسة أحيانا، وهو ما تتم مواجهته الآن بكل قوة من جانب قوات الجيش والشرطة التى تستكمل مهام أعمالها فى العملية الشاملة بسيناء.

Back to Top