منطقة فوق برميل بارود ساخن!... بقلم ــ عبدالمحسن سلامة
منذ 29 عامًا، وبالتحديد فى فجر 2 أغسطس 1990، كانت البداية للمخطط الشيطانى الرهيب فى المنطقة، حينما قام صدام حسين بغزو الكويت بعد أن ظهرت السفيرة الأمريكية معه فى بغداد مبتسمة، لتؤكد أن أمريكا لن تتدخل فى صراع عربى عربى، وعلى الفور ابتلع صدام حسين «الطعم»، وقام بغزو الكويت بعد أن هاجمت كتيبة مشاة بحرية عراقية مدعمة بالدبابات جزيزة «بوبيان» من الجنوب، وهاجمت قوات عراقية أخرى جزيرة فيلكا، ودخلت بعدها القوات العراقية العاصمة الكويتية، وسيطرت على الأراضى الكويتية.
كان الغزو العراقى للكويت هو البداية لعودة الاستعمار الأجنبى مرة أخرى إلى المنطقة بشكل جديد بعد أن غادرها مع ثورات التحرير العربى فى الخمسينيات والستينيات، ونالت الدول العربية استقلالها، إلا أن الغزو العراقى للكويت فتح الباب مجددًا أمام التدخل الأجنبى فى المنطقة بعد أن قامت القوات الأمريكية وحلف الناتو بالتدخل العسكرى المباشر ليس لتحرير الكويت فقط، لكن لغزو العراق وتدميره وكسر شوكته، ونجحت قوات التحالف فى هزيمة صدام حسين، وطرد القوات العراقية، ولم تكتف بذلك، بل إنها بدأت تنسج خيوط المؤامرة حول رقبة صدام، بحجة الأسلحة النووية التى لم يظهر لها أثر على أرض الواقع، إلا أنه بموجب تلك الحجة الباطلة قامت القوات الأمريكية بغزو العراق فى 19 مارس 2003، ومعها بعض الدول المتحالفة مثل بريطانيا وأستراليا، واستمرت تلك الحرب قرابة الثلاثة أشهر حتى تم حسمها نهائيًا فى الأول من مايو عام 2003 باحتلال العراق، وسيطرة القوات الأمريكية على بغداد، وإلقاء القبض على الرئيس العراقى الراحل صدام حسين، ومحاكمته صوريًا وإعدامه.
الغزو الأمريكى للعراق جاء متوافقا مع نظرية «الفوضى الخلاقة» الأمريكية، وإشاعة الفتنة والفوضى بين أبناء الشعب العراقى الواحد، وزرع التفتيت داخل الدولة الواحدة وتقسيم الشعب العراقى إلى 3 طوائف (سنة وشيعة وأكراد)، وتوزيع المناصب الرئيسية فيما بينهم فى إطار ما يعرف بـ «سياسة المحاصصة»، بحيث تذهب رئاسة البلاد إلى الأكراد، ورئاسة الوزراء إلى الشيعة، ورئاسة البرلمان إلى السنة، وهو وضع شديد الصعوبة والتعقيد يؤدى فى النهاية إلى إضعاف صفة «المواطنة» لمصلحة الطائفية البغيضة.
أعتقد أن الغزو العراقى للكويت، والغزو الأمريكى للعراق هما الموجة الأولى من المخطط الشيطانى الرهيب للعصف بالمنطقة وتدميرها من خلال زرع الفتن الطائفية والمذهبية، ولقد استغرقت تلك الموجة الأولى نحو 13 عاما منذ بدء الغزو العراقى للكويت فى 1990 حتى الغزو الأمريكى للعراق عام 2003.
منذ قرابة 9 سنوات بدأت الموجة الثانية من ذلك المخطط الشيطانى فيما عرف بثورات الربيع العربى التى اندلعت فى المنطقة وبدأت فى 17 ديسمبر عام 2010 فى تونس، ثم انتقلت بعدها إلى مصر وليبيا، واليمن، والآن فى الجزائر والسودان.
الموجة الثانية استغلت حاجة الشعوب إلى الحرية والديمقراطية والعدالة، لتندلع الثورات التى تحولت من الربيع إلى الخريف الحارق الذى كان يستهدف تدمير تلك الدول. وقد نجت مصر بأعجوبة من هذا السيناريو اللعين، بعد أن قام الشعب المصرى باسترداد ثورته فى 30 يونيو، وأعاد بناء مؤسساته مرة أخرى فى وقت لا تزال الدول الأخرى تعانى ولا يزال أمامها مشوار ليس بالقصير للخروج من المشهد المأساوى المعقد بها مثل سوريا واليمن وليبيا.
من الواضح أنه كان هناك إصرار على إشعال تلك الثورات بدليل ما حدث فى ليبيا من تدخل فج ـ على غرار ما حدث فى العراق وإن كان بصيغة أخرى، حينما تدخلت دول التحالف الغربى لضرب ومحاصرة ليبيا، وفرضت حظرا جويا فوق الأراضى الليبية، وقامت بشن سلسلة من الهجمات العنيفة ضد قوات الجيش الليبى حتى دمرت قواته الجوية وسقط نظام حكم العقيد معمر القذافى وثم القبض عليه وقتله بعد أن شاركت قوات أمريكية وبريطانية وفرنسية فى تدمير قدرات الجيش الليبى، وادخلت ليبيا فى مستنقع الفوضى الذى تعانيه حتى الآن.ورغم مأساة الشعب الليبى فلاتزال هناك بعض الدول التى لا تريد الخير لليبيا وتعارض توحيد المؤسسة العسكرية الليبية بقيادة المشير خليفة حفتر حتى تستمر ليبيا غارقة فى أزمتها إلى حين.
السؤال المطروح الآن هل تبدأ الموجة الثالثة من مسلسل تدمير المنطقة بإشعال الحرب فى منطقة الخليج وحدوث مواجهة عسكرية بين القوات الأمريكية والإيرانية، وهل يتطور الأمر إلى ما هو أسوأ من ذلك أم تنجح جهود احتواء الأزمة؟
وماذا لو اندلعت الحرب فهل يتوقف الأمر على مجرد مواجهات خفيفة أم يتكرر السيناريو العراقي؟! وهل الأمر يتعلق بأزمة أمريكية مع النظام الإيرانى فقط أم بأطماع أوسع وأشمل فى دول الخليج؟ وهل هناك أبعاد أخرى متعلقة بالصراع المكتوم بين أمريكا والصين؟!
الأمر المؤكد أن إيران لعبت دورا كبيرا فى خلق حالة الفوضى والتوتر فى المنطقة من خلال محاولاتها المستمرة والدءوب للتدخل فى شئون الدول الأخرى، وإحياء ما يسمى الهلال الشيعى والتدخل المباشر فى شئون العديد من الدول مثل اليمن وسوريا والعراق ولبنان، ومحاولاتها المستمرة للتدخل فى شئون دول أخرى مثل السعودية والإمارات والبحرين عن طريق محاولاتها إثارة القلاقل و التوترات فى تلك الدول.
للأسف فقد بلعت إيران «الطعم» الأمريكى كما بلعه صدام حسين من قبل، وبدأت محاولاتها للهيمنة والسيطرة والتدخل فى شئون الدول الأخرى، وتورطت بشكل مباشر أو غير مباشر فى أزمات اليمن وسوريا ولبنان والعراق، والآن هى فى وضع «حرج» بعد أن تصاعدت المواجهة مع أمريكا، وانسحب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب من الاتفاق النووى مع إيران، ثم بدأت لغة التصعيد فيما بينهما دون وجود سيناريو واضح حتى الآن للتصعيد أو للتهدئة.
تصريحات الرئيس الأمريكى التى أدلى بها يوم الخميس الماضى أمام الصحفيين أثناء استقباله الرئيس السويسرى فى البيت الأبيض تشير إلى ظهور نبرة جديدة للتهدئة من جانب الرئيس الأمريكى مشيرا إلى أنه يأمل الا تندلع الحرب مع إيران، وألا تكون الولايات المتحدة فى طريقها لخوض حرب مع إيران، والمعنى نفسه نقلته صحيفة «نيويورك تايمز» عن مسئولين فى الإدارة الأمريكية أن ترامب أبلغ وزير دفاعه بالوكالة باتريك شاناهان بأنه لايريد الدخول فى حرب مع إيران وذلك خلال الاجتماع معه فى البيت الأبيض، إلا أنه على الجانب الآخر فقد حذرت مجلة «الإيكونوميست» البريطانية من ضبابية المشهد حيث رصدت المجلة إعلان جون بولتون مستشار الأمن القومى الأمريكى عن أن بلاده لاتسعى إلى حرب ضد النظام الإيرانى فى حين أنه هو نفسه من كتب فى صحيفة «النيويورك تايمز» من قبل قائلا «لتفادى هجوم إيراني.. هاجموا إيران».
هو مشهد ضبابى حتى الآن لكنه فى كل الأحوال يشير إلى مأزق كبير تقع فيه المنطقة يحتاج إلى تكاتف ووضوح رؤية من الأطراف الفاعلة فى المنطقة، ولعل هذا هو مايفسر تلك الجولات والمباحثات التى شهدتها القاهرة أخيرا خلال زيارتى ملك البحرين الملك حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة، وكذلك زيارة الشيخ محمد بن زايد ولى عهد أبوظبى ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والتى أكدت خلالها مصر التضامن المصرى الكامل مع دولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية فى التصدى لكل محاولات النيل من أمن واستقرار البلدين الشقيقين، وتأكيد الموقف المصرى الثابت باعتبار أمن منطقة الخليج جزءا لايتجزأ من أمن مصر القومي.
الخروج من المأزق الحالى وتجنب الموجة الثالثة من الفوضى فى المنطقة يحتاج إلى إعادة ترتيب أوراق من جانب كل الأطراف المعنية خاصة إيران والكف عن محاولاتها التدخل فى شئون الآخرين من دول الخليج أو من الدول الأخرى من أجل تجنب السيناريو الأسوأ وحتى لاتتكرر مأساة العراق مرة أخرى، لأنه سوف يكون السيناريو الأسوأ ليس لإيران فقط، وإنما لكل دول المنطقة بلا استثناء، ولايصب إلا فى مصلحة دولة واحدة فقط وهى «إسرائيل».