قمة مواجهة التحديات والمخاطر فى مكة المكرمة.. بقلم ــ عبدالمحسن سلامة
يوم الخميس المقبل تنعقد القمة العربية الطارئة رقم 14 التى دعت إليها المملكة العربية السعودية فى مكة المكرمة وسط تحديات ومخاطر عديدة تواجه الأمن القومى العربى، خاصة بعد تعرض منطقة الخليج مؤخرا للعديد من الأحداث الإرهابية والتخريبية للسفن فى ميناء الفجيرة الإماراتى من بينها ناقلتا نفط تابعتان للمملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى المحاولات الفاشلة للحوثيين فى قصف المناطق السعودية بالصواريخ واستهداف الأماكن المقدسة.
القمة العربية الطارئة المرتقبة تأتى وسط قمتين، الأولى خليجية تعقد قبل القمة العربية، والثانية إسلامية تعقد فى اليوم التالى لها، وأظن أن المطروح على القمم الثلاث به الكثير من القضايا المشتركة، لكن أيضا به بعض القضايا الخلافية خاصة أن إيران طرف رئيسى فى الأزمة الحالية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال دعمها لميليشيات الحوثيين فى اليمن التى تتبنى عمليات القصف الصاروخى للمملكة العربية السعودية والمناطق المقدسة بها.
سألت الأمين العام لجامعة الدول العربية السفير أحمد أبوالغيط عن سر الدعوة المفاجئة للقمة العربية الطارئة فى هذا التوقيت؟
أجاب: المنطقة كلها تتعرض لأحداث ساخنة إلا أن ما حدث من تطورات أخيرة تمثلت فى القصف الصاروخى لبعض المناطق فى المملكة العربية السعودية، ومحاولة استهداف الأماكن المقدسة بالطائرات دون طيار، وكذلك أيضا الأحداث الإرهابية التى تعرضت لها السفن فى المياه الاقتصادية للإمارات العربية المتحدة، واستهداف ناقلات نفط سعودية فى ميناء الفجيرة الإماراتى.. كل هذا كان وراء دعوة المملكة العربية السعودية لعقد قمة عربية طارئة فى مكة المكرمة والتى سوف تعقد مساء الخميس المقبل ـ إن شاء الله ـ لمناقشة كل هذه التحديات، وغيرها من القضايا مثل تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، وما يتردد أيضا بشأن قرب إطلاق ما يسمى بصفقة القرن، والمحاولات الأمريكية لتسوية القضية الفلسطينية/ الإسرائيلية من وجهة نظر الإدارة الأمريكية، والتى يراها الطرف الفلسطينى أنها ليست تسوية وإنما هى تصفية للقضية.
وأضاف الأمين العام لجامعة الدول العربية السفير أحمد أبوالغيط أن المملكة العربية السعودية استشعرت الخطر لكل تلك الأحداث وقررت الدعوة لعقد قمة عربية طارئة، وقامت بالتنسيق مع جامعة الدول العربية، حيث تتولى تونس الآن رئاسة الدورة الحالية لجامعة الدول العربية، وقامت الأمانة العامة للجامعة بالتنسيق مع الأعضاء، حيث تشترط اللائحة لعقد الاجتماع الطارئ موافقة ثلثى أعضاء الجامعة، وبالفعل وافق أكثر من 14 عضوا على فكرة الاجتماع الطارئ، وأبلغونى بموافقتهم على الاجتماع الذى دعت إليه الممملكة العربية السعودية، وتقرر عقد القمة مساء يوم الخميس المقبل فى مكة المكرمة بعد اجتماع القمة الخليجية.
قلت: من الذى يرأس اجتماع القمة المقبل.. هل هى المملكة العربية السعودية بصفتها الداعية إلى القمة الطارئة أم تونس بصفتها رئيسة الدورة الحالية لجامعة الدول العربية؟
أجاب السفير أحمد أبوالغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية: تونس هى رئيسة الدورة الحالية لجامعة الدول العربية، وخلال الاجتماع يقدم صاحب الدعوة الملك سلمان بن عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين الإيضاحات والأسباب التى دعته إلى عقد القمة الطارئة من خلال البيان الذى يقوم بتلاوته على السادة رؤساء الدول والحكومات والملوك والأمراء الحاضرين للقمة، وبعد المشاورات يصدر البيان الختامى للقمة.
قلت: هل من المتوقع أن تكون هناك قرارات أو توصيات محددة بشأن التهديدات التى تتعرض لها المنطقة بشكل عام ومنطقة الخليج بشكل خاص، أم أن الأمر سوف يقتصر على إعلان للقمة العربية بدعم المملكة فى مواجهة التهديدات والمخاطر التى تتعرض لها؟
أجاب السفير أحمد أبو الغيط: نحن مازلنا فى مرحلة التشاور، وفى عام 2018 تعرضت مكة لنفس الهجمات، وحينها دعت المملكة العربية السعودية لاجتماع لوزراء الخارجية العرب لمواجهة تلك الأحداث، وكان هناك موقف موحد تجاه ذلك، وفى حالة صدور توصيات فإن ذلك يعنى اتخاذ القرارات اللازمة لها، أما فى حالة إصدار بيان للجامعة للتضامن مع المملكة فى مواجهة التهديدات والمخاطر فسوف يكون بياناً صادراً عن الاجتماع، وهناك مشاورات تجرى الآن لبحث كل التفاصيل ومناقشتها أثناء الاجتماع تمهيدا للاتفاق حول صيغة البيان الذى من المقرر إصداره عقب انتهاء الجلسة تحت مسمى «إعلان» أو «بيان مكة».
بعيدا عن تصريحات الأمين العام لجامعة الدول العربية السفير أحمد أبو الغيط فإننى أعتقد أن سرعة تلبية الدول الأعضاء لدعوة المملكة العربية السعودية لعقد الاجتماع الطارئ فى مكة إنما هى مؤشر إيجابى من الدول العربية على تفهمها للمخاطر والتحديات التى تواجه المنطقة الآن، ورفضها لمحاولات التدخل الإيرانية فى شئون دول المنطقة وهو ما يزيد من عزلة طهران فى ظل تصاعد وتيرة المواجهة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية.
متغيرات عديدة طرأت على التحديات والمخاطر التى تواجه الأمن القومى العربى، وبعد أن كانت إسرائيل هى مصدر التهديد الرئيسى والوحيد للأمن القومى العربى، الآن أصبحت هناك تحديات خطيرة أخرى تواجه الأمن القومى العربى، ربما لا تقل خطورة عن التهديد الإسرائيلى، وأبرز هذه التحديات هى ظهور العديد من الكيانات والجماعات الإرهابية التى باتت تمثل مصدرا خطيرا يهدد الأمن القومى العربى كما هو موجود الآن فى معظم الدول العربية التى تحارب الكيانات الإرهابية المنتشرة على أراضيها، والتى تهدد وحدة ومستقبل الدولة الوطنية من خلال تبنيها أعمال العنف والإرهاب، والإصرار الدائم لتلك الجماعات الإرهابية على نشر الفوضى والعنف وهدم مؤسسات الدولة الوطنية.
هذه الجماعات تنتشر بكثافة فى دول مثل ليبيا وسوريا واليمن ولاتزال تعطل نهضة واستقرار الدول الثلاث، كما أنها موجودة بدرجة أقل حدة فى دول أخرى، وبالتالى أصبحت تلك الجماعات الإرهابية الآن أكبر مصدر لتهديد الأمن القومى العربى لأنها تستنزف موارد وقدرات الدول والشعوب، وتزرع الفتنة بين أبناء الشعب الواحد، وتسعى جاهدة لتدمير الاقتصاد الوطنى، وأغلب الظن أن هذه الجماعات تعمل بدعم قوى ومباشر من أجهزة مخابرات دول لها مصلحة مباشرة أو غير مباشرة فى استمرار حالة التراجع والانقسام فى العالم العربى.
أيضا فإن إيران أصبحت هى الأخرى مصدرا لتهديد الأمن القومى العربى منذ أن بدأت نواياها العدوانية ومحاولاتها المستمرة لتصدير ثورتها، والتمدد إلى خارج إيران لإيجاد ما يسمى بالهلال الشيعى، وتدخلها المستمر فى شئون بعض الدول العربية خاصة لبنان والعراق واليمن وسوريا، ومحاولاتها المستمرة لتعريض أمن المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات للخطر، وقد تصاعد التهديد الإيرانى بعد دعم إيران للحوثيين فى اليمن وانقلابهم على الشرعية اليمنية، مما ساهم فى تعميق الأزمة اليمنية الإنسانية، وارتفاع أعداد الضحايا والمصابين نتيجة ممارسات الحوثيين المدعومين من إيران.
هذه المخاطر والتحديات القديمة والحديثة تجعل من الضرورى تبنى جامعة الدول العربية رؤية إستراتيجية حديثة ومتطورة لمواجهة هذه التحديات، تأخذ فى الاعتبار المستجدات التى طرأت مؤخرا وأصبحت تشكل تهديدا مباشراً للأمن القومى، خاصة ما يتعلق بالكيانات الإرهابية، والتهديدات الإيرانية إلى جوار التهديد الرئيسى المتعلق بالعدو الإسرائيلى، وعدم رغبته فى إقامة سلام عادل، وشامل مع الفلسطينيين.
ربما تظهر ملامح مايطلق عليه صفقة القرن خلال الأيام المقبلة، وهو ما يستدعى أيضا وجود رؤية عربية مشتركة داعمة للسلطة الفلسطينية فى قرارها بشأن قبول أو رفض تلك الصفقة، لأن الفلسطينيين هم أصحاب الشأن، وهم أدرى بمشاكلهم، وما يقبله الفلسطينيون يجب أن يقبله العرب جميعا، والعكس صحيح إذا رفض الفلسطينيون ما سوف يتم عرضه عليهم، فهم أهل الدار، وهم الذين ضحوا بدمائهم وأرواحهم على مدى 71 عاماً من النضال ضد الاحتلال الإسرائيلى.
فى كل الأحوال فإن الاستجابة السريعة لعقد القمة العربية الطارئة فى مكة المكرمة تدعو للتفاؤل، وتؤكد الشعور المشترك للزعماء العرب تجاه المخاطر التى تحيط بالعالم العربى، وكل الأمل أن تترجم القمة تلك المشاعر إلى قرارات وتوصيات تحافظ على الهوية العربية المشتركة، وتنقذ المنطقة من المخاطر والتحديات التى تواجهها.