الثأر للشهداء من الذئاب المنفردة.. بقلم ــ عبدالمحسن سلامة

بعد أن صلوا فجر يوم العيد، ووقفوا شامخين فى أماكنهم فى كمين أمنى غرب العريش، يحرسون الوطن فى سبيل الله، وتاركين منازلهم وأسرهم فى يوم العيد، فوجئوا بكلاب النار تحاول الاعتداء عليهم إلا أنهم تصدوا لهم فى ثبات وإيمان حتى آخر نفس دون خوف أو تردد، قاتلوهم وقتلوا معظم المعتدين فى حين نال 8 من الأبطال الشهادة فى سبيل الله. وفى المساء واليوم الثانى أكمل باقى الأبطال المهمة، واصطادوا ما تبقى من العناصر الإرهابية وقتلوا اكثر من 20 إرهابيا فى وكرهم بحى المساعيد فى العريش ومزرعة الزيتون ولايزال أبطال الجيش والشرطة يواصلون مهمة تطهير أرض سيناء من دنس الإرهاب والإرهابيين.

مشكلة الإرهابيين أنهم فقدوا عقولهم، وأعمى الغل والحقد بصيرتهم، فأصبحوا لا يفقهون ولا يتعظون، ولو أعملوا عقولهم لحظة لتوقفوا على الفور عن أعمالهم البغيضة فهم من الخاسرين فى الدنيا والآخرة، وعلى مدى التاريخ الإنسانى كله لم يكسب الإرهاب جولة واحدة، فأين «القاعدة» الآن، وأين «داعش»، وأين التنظيمات الإرهابية الأخرى فى كل مكان، وعلى مر الأزمان والعصور؟.

إنهزمت وانفرط عقدها، بعد أن أساءت كثيرا للإسلام وشوهت صورة المسلمين، فالإسلام لم يكن أبدا دين عنف وسفك دماء، وإنما هو دين رحمة وتسامح. ولقد توقفت كثيرا أمام خطبة العيد، التى ألقاها فضيلة المفتى د. شوقى علام فى مسجد المشير طنطاوى، حينما أشار إلى أن انتشار الإسلام فى آسيا جاء من خلال قوافل التجار المسلمين وبالمعاملة والأخلاق الحميدة والسلوك الراقى دخل الناس فى دين الله أفواجا فى الهند وإندونيسيا وماليزيا وبنجلاديش دون حروب أو اكراه، حتى أصبح المسلمون هناك يشكلون النسبة الأكبر من عدد المسلمين فى العالم.

لم تكن تلك الدول ضمن الفتوحات الإسلامية التى تم فيها تجهيز الجيوش لفتحها، لكنها عرفت الإسلام من خلال قوافل التجار وأخلاق المسلمين وسلوكياتهم، فكانت النتيجة هذا الفتح الهائل والعظيم، ودخول كل هذه الأعداد دين الإسلام.

وبحسبة بسيطة، نجد أن أكبر الدول الإسلامية تعدادا هى إندونيسيا التى يبلغ عدد سكانها نحو 230 مليون نسمة، وباكستان التى يبلغ عدد سكانها نحو 175 مليون نسمة، وتأتى بنجلاديش فى المركز الثالث التى يبلغ عدد سكانها نحو 165 مليون نسمة، فى حين يبلغ عدد المسلمين فى الهند نحو 190 مليون نسمة، أى نحو 15% من عدد السكان، ويعد الإسلام ثانى أكبر الديانات فى الهند.

لم يدخل الإسلام فى هذه الدول وغيرها من الدول الأخرى مثل ماليزيا ودول أخرى كثيرة بالسلاح ولا الفتوحات وإنما بالأخلاق والسلوكيات.

فى العصر الحديث، استطاع نموذج فردى لشخص واحد فقط تغيير الكثير من المفاهيم المغلوطة عن الإسلام والمسلمين بجهده واجتهاده وسلوكياته، وهو اللاعب المصرى العالمى محمد صلاح، الذى نجح إلى حد كبير فى تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة عن ارتباط العنف بالمسلمين، ونجح بانضباطه واجتهاده وأخلاقه فى محاربة ظاهرة «الإسلاموفوبيا» التى تجتاح الكثير من دول العالم الغربى الآن.

محمد صلاح يتحمل الكثير من السخائم والرذائل والسخافات، وببساطة وهدوء استطاع بفضل اجتهاده وسلوكه وأخلاقه تغيير الصورة العدائية عن للمسلمين ليس فى إنجلترا وحدها، وإنما فى الكثير من دول العالم، وفى الوقت الذى يحاول فيه بعض المتطرفين من الإنجليز وغيرهم «مضايقته» يجد الملايين أيضا من الإنجليز وغيرهم ممن يساندونه بكل قوة حتى أصبح أيقونة رائعة لهم ولنا.

على الجانب الآخر، ماذا يقدم الإرهابيون والمتطرفون للإسلام والمسلمين؟

يقدمون صورة كريهة ومشوهة أدت إلى تصاعد موجة العداء ضد المسلمين فيما يعرف بظاهرة «الإسلاموفوبيا»، التى تصاعدت أخيرا، وراح ضحيتها معنويا على الأقل ملايين المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها، وماديا وقع الكثير من الضحايا كان آخرهم ضحايا حادث نيوزيلندا الإرهابى، الذى راح ضحيته نحو 49 شخصا فى أثناء أدائهم الصلاة فى مسجدين هناك، بعد استهدافهما من أحد الإرهابيين من جماعات «القومية البيضاء» المتطرفة.

فى مصر فشلت خطة الإرهاب، التى كانت تهدف إلى خلق حالة من الخوف والهلع والاضطراب فى المجتمع المصرى، وحدث العكس تماما، وأصبح المصريون الآن يجتمعون على قلب رجل واحد، وعلى هدف واحد وهو محاربة الإرهاب والتطرف، باستثناء بعض العناصر الشاذة التى أصبحت ذئابا منفردة، لا ظهير لها.

أبطال الجيش والشرطة، منذ بداية الحرب على الإرهاب، يتسابقون للثأر من الإرهابيين، ويقاتلون ببسالة منقطعة النظير، وحققوا نجاحات هائلة كان من نتائجها انحسار العمليات الإرهابية إلى أدنى معدلاتها، ففى الوقت الذى شهد عام 2014 نحو 222 عملية إرهابية، تراجع هذا المعدل فى عام 2018 إلى 5 عمليات إرهابية فقط، نتيجة النجاحات الهائلة التى حققها رجال الجيش والشرطة خلال السنوات الخمس الماضية. كما نجحت العملية العسكرية الشاملة «سيناء 2018» فى تدمير البنية التحتية للعناصر الإرهابية من الأوكار والخنادق ومخازن الأسلحة والذخائر والأنفاق المعبأة بالعبوات الناسفة، وتدمير مراكز الإرسال، وكذلك ضبط كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والقنابل والعربات والدراجات النارية، والقضاء على أكثر من 500 إرهابى، وإلقاء القبض على أعداد كبيرة منهم.

ساند ذلك دعم شعبى هائل، وأصبح القضاء على الإرهاب هو المشروع القومى الأول لكل المصريين، فالمصرى بطبيعته، وعلى مر التاريخ، يكره العنف والإرهاب والتطرف، وبعد ثورة 25 يناير 2011 عاش المصريون فترة من أصعب فترات حياتهم حينما فقدوا الأمن والأمان، بعد فترة الانفلات الأمنى وانهيار جهاز الشرطة، وما أن شعر المصريون بعودة الأمن والأمان مرة أخرى حتى التفوا على الفور حول ذلك الهدف، ومن يتابع وسائل التواصل الاجتماعى يستطيع بسهولة أن يعرف حجم التطور فى وعى جموع المصريين، ورفضهم كل أشكال التعصب والتطرف والإرهاب، وتمسكهم بوحدتهم الوطنية، والتفافهم حول هدف القضاء على الإرهاب بكل أشكاله.

ليس هذا فقط بل بأن هذا الوعى بات وعيا عربيا عاما، فهناك حالة عامة عربية ترفض كل أشكال التطرف والإرهاب، وما حدث فى الإمارات أخيرا من مطاردة واعتقال أحد الشامتين فى استشهاد أبطال الجيش والشرطة فى حادث العريش الأخير يؤكد أن العالم العربى جسد واحد، وقضيته واحدة، وعزم كل قادته على اقتلاع الإرهاب من جذوره. وقد تهللت مواقع التواصل الاجتماعى فرحا بخبر القبض على ذلك الشامت البغيض.

فى حفل إفطار الأسرة المصرية، يوم الأحد الماضى، أشار الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى أنه تم إنفاق أكثر من 400 مليار جنيه على تنمية سيناء، وأنه لا يمكن التفريط فى ذرة رمل واحدة من سيناء مهما تكن التحديات والتضحيات، وأنه تم إفشال كل المخططات الإرهابية التى كانت تستهدف سيناء، وأن هناك أموالا ضخمة يتم إنفاقها على الإرهابيين لتمويل عملياتهم الإرهابية. وأكد الرئيس إصرار الدولة على استئصال الإرهاب من سيناء، وعودتها رئة تنموية واقتصادية هائلة خلال المرحلة المقبلة.

تجفيف منابع الإرهاب جزء أساسى من النجاح الذى تحقق فى العملية الشاملة فى سيناء، بعد أن تم تأمين الحدود وتجفيف منابع التمويل المادى والدعم اللوجستى، مما أدى إلى إغلاق مسارات نقل الأموال والأسلحة والمعدات والأفراد التى كان يتم من خلالها دعم المجموعات الإرهابية فى سيناء، لكن لا تزال هناك بعض عناصر الذئاب المنفردة، والجماعات الشاردة التى تحاول القيام ببعض العمليات اليائسة، بعد أن فقدوا السيطرة على مجريات الأحداث، وتقطعت أوصالهم، وضاق عليهم الخناق، وسط رفض شعبى من أبناء سيناء الأبطال، وسيطرة ميدانية لرجال الجيش والشرطة البواسل على مجريات الأحداث على الأرض.

على الجانب الآخر، فإن مشهد احتفال مصر بأبناء وأسر الشهداء يوم العيد، وتكريم الرئيس عبدالفتاح السيسى لهم يؤكد اصطفاف الشعب المصرى كله مع أسر الشهداء الذين ضحوا بكل ما يملكون من أجل أن يعيش الشعب المصرى فى أمان واستقرار.

كانت لحظة مؤثرة تلك التى تعلقت فيها ابنة أحد الشهداء بالرئيس عبدالفتاح السيسى فى أثناء تكريمه الزوجات والأبناء يوم العيد، ورفضت أن تذهب مع والدتها، وهو مشهد معتاد من الأطفال فى مثل هذه السن حينما يشعرون بالدفء والمشاعر الفياضة، وكانت المفاجأة من الرئيس إصراره على أن يحملها طيلة فترة التكريم، وذهب بها إلى حيث يجلس ووضعها على رجليه فى أثناء الإفطار، حتى خرج بها إلى الساحة المعدة للاحتفال.

معان كثيرة ومشاعر فياضة تؤكد وحدة الشعب المصرى كله مع أبنائه الشهداء وأسرهم، فالجيش المصرى والشرطة المصرية هم أبناء كل بيت مصرى، ولا توجد أسرة مصرية واحدة إلا لها ابن أو قريب داخل صفوف الجيش والشرطة (جنديا أو ضابطا)، وهذا هو سر التلاحم والانصهار بين الشعب وجيشه وشرطته الكفيلين بهزيمة الإرهاب ودحره إلى غير رجعة مهما تكن التضحيات.

Back to Top