تلبيسُ المُلبّسين فى انتخابات الصحفيين

بقلم : محمد شعير

هذا واحد من أصعب المقالات على كاتبه.. فأن تهاجم - فى مصر- رئيسا أيسر من أن تنتقد صحفيا.. وأن تدعم - فى انتخابات الصحفيين- تيارا أو فكرة فأنت فى نظر كثيرين جزءٌ من حملة!.. ما العمل إذن؟!.. فكرت وترددت ثم قررت.. والآن أتكلم.. لأجل الأفكار لا الأشخاص.. وبهدف كشف التلبيس ورفع الالتباس.

الآن؛ قبل 48 ساعة فقط من انتخابات نقابة الصحفيين، أتكلم.. أقول أولا للقارئ غير الصحفى إن الأمر يستحق المتابعة، فالمواجهة إنما تعكس حال المجتمع وتياراته؛ اختلافاته وخلافاته، بل - لنكن صرحاء- انقساماته.

ابتعادا عن الأشخاص وتوصيفا للرؤى والتيارات، أقول مبدئيا إن المواجهة التى تجرى هى بين تيار يسعى إلى (استمرار) المسار الحالى لمجلس النقابة، معتبرا أن المجلس دافع عن كرامة الصحفيين خلال الأزمة الكبيرة مع الدولة فى العام الماضى، عندما تم القبض على 2 من الصحفيين من داخل مقر النقابة، وتيار آخر يسعى إلى (تغيير) المسار الحالى لمجلس النقابة، معتبرا أن المجلس أساء التعامل خلال الأزمة وأفسد العلاقات مع سلطات الدولة.

إذن؛ فالأمر المتفق عليه بين التيارين هو أنه كانت هناك بالفعل (أزمة)، ويمكننا أن نزيد فنقول إن الأزمة مستمرة باعتبار أن نقيب الصحفيين وعضوين بمجلس النقابة يتم محاكمتهم حاليا أمام القضاء، لكن الخلاف بين التيارين هو حول (أسلوب التعامل) مع هذه الأزمة، أو أى أزمات أخرى مستقبلية بالطبع، وهذا الأسلوب هو الذى يعكس بالضرورة (طبيعة العلاقة) بين نقابة الصحفيين وسلطات الدولة، فى نظر كل من التيارين.. تلك هى المسألة.. وهذا هو جوهر المواجهة.

بالطبع لى رأى.. سأوضحه وأشرحه.. لكن.. من خلال تناول شعارات التيارين بالمناقشة.

أبرز الأفكار فى شعارات تيار (استمرار) المسار الحالى هى - كما يقولون- أن الفارق كبير بين أن تكون للنقابة علاقة جيدة مع السلطة وأن تقوم بتسليم نقابتك للسلطة.. هم يريدون بهذا أن يدافعوا عن أسلوب تعاملهم فى الأزمة وأن يتهموا التيار المنادى بـ (التغيير) بأنه سيقوم بتسليم النقابة للسلطة.. وفى رأيى إن هذه فكرة كاشفة!.

هى بالفعل فكرة كاشفة لقدر (التلبيس) الذى يسعى البعض إلى ممارسته على العقول، فهذا التيار هو الذى روّج لتظاهرات فى قضايا سياسية وجّهت أقسى الاتهامات وأقذع الألفاظ إلى السلطة على سلالم النقابة، فساءت علاقته بالسلطة وتهاوت من منحدر إلى منحدر، وسقط من فخ إلى فخ. ومع ذلك فإن هذا التيار ذاته هو الذى يدافع الآن عن إمكانية «أن تكون للنقابة علاقة جيدة مع السلطة»، بشرط أن يقيمها هو، وبطريقته هو، أما إذا سعى آخرون إلى ذلك فهم فى نظره «يسلمون النقابة للسلطة».. لماذا؟!.

 

هى ذات الفكرة المهلكة.. لدى الصحفيين فى أغلبهم والمجتمع فى أغلبه.. فكرة أنه من ليس معنا فهو ضدنا.. ومن لا يرى رأينا فهو سلطوى فاسد.. أو عميل خائن.. أو هو - عند آخرين- كافر فاسق!.

ويدافع (تيار الاستمرار) عن حق نقابة الصحفيين فى إبداء الرأى السياسى، لأنها تمثل مهنة الرأى، متعجبين ممن ينفون عنها هذا الحق، ونحن نتفق معهم فى هذا كل الاتفاق، لكننا نقول لهم بأسلوبهم، سعيا إلى كشف تلبيسهم، إن الفارق كبير بين أن يكون للنقابة رأى سياسى وبين أن يتم تسليمها إلى توجه سياسى، وإغلاقها على رأى سياسى؛ رأى واحد، فإن قال آخرون بغير هذا الأخير صاروا منافقين للسلطة ساعين إلى المصلحة.. لماذا؟!.

هى ذات الاتهامات الجاهزة.. لدى الصحفيين فى أغلبهم والمجتمع فى أغلبه.. الكل يطلب الحرية.. لكن هل يطلبها للكل؟!.. الحرية لمن؟!.. الإجابة عند الغالبية هى.. الحرية لى وفريقى.. أما خصمى.. فهو «أمنجى».. أو «ثورجى».. أو «إخوان»!.

ألا ترى؟!.. الصحفيون جزء من المجتمع.. والسلطات انعكاس له.. الكل ينهل من ذات المعين.. والثورات لا تغير المجتمعات بين عشية وضحاها.. مررنا بثورة على موجتين.. ولا بديل الآن - فى رأيى- عن الإصلاح المتدرج.. عبر السياسة لا الثورة.

الصحفيون جزء من المجتمع.. والسلطات انعكاس له.. الأمراض واحدة.. والعلاج يحتاج إلى وقت.. ومع هذا فإنك تجد من قبيل تلبيس المُلبسين من يسخر مما يسميه «تسليم النقابة للسلطة».. وكأن النقابة هى المدينة الفاضلة المستقلة أو أن السلطة معبرة عن دولة محتلة.. لغة الخطاب كاشفة!.

لأجل ما سبق، فإننى أؤيد (التغيير) كفكرة، وهو ما يستتبع - فى هذا الظرف التاريخى- أن أؤيد (التغيير) كتيار، ولأن الهدف هو الأفكار لا الأشخاص، فإنه لابد من التنبيه إلى ما قد يقع من التباس.. فأقول بوضوح إن هذا التيار الذى يرفع شعار التغيير - إذا ما حاز الأغلبية لدى جموع الصحفيين- سيكون أفراده مطالبين بألا يكرروا أخطاء الآخرين، سواء فى الماضى القريب، أو البعيد، وذلك بأن يكونوا تيارا جامعا لا مفرقا، ليس مغلقا على أنصاره، بل متواصلا بالجسور مع خصومه، متوازنا فى العلاقة مع المجتمع والدولة، بلا إفراط ولا تفريط، مدركا أن ما مضى قبل «يناير» لن يعود، وأن ما استجد بعد «يونيو» ليس ما مضى.. وبهذا وحده يتحقق التغيير كفكرة.. ولا يقع الأشخاص فى الالتباس!.

والآن.. فلننطلق - بحب واحترام- بعد 48 ساعة إلى المنافسة.. والموعد الصناديق.. أليست تلك هى الحرية؟!.

رابط المقال

http://www.ahram.org.eg/NewsQ/583588.aspx

Back to Top