خريطة القوى الوطنية الليبية للخروج من المأزق .. بقلم عبد المحسن سلامة

فى الأسبوع الماضى اجتمعت القوى الوطنية الليبية فى القاهرة وشارك فى الاجتماعات أكثر من 200 شخصية ليبية تمثل جميع أطياف القوى الوطنية، وأكدت فى بيانها الختامى دعمها اللامحدود للقوات المسلحة الليبية فى مواجهة الإرهاب والميليشيات، ودعت الجيش الليبى إلى الإسراع فى تحرير العاصمة الليبية طرابلس، والبدء فى تمكين المؤسسات المدنية الشرعية من ممارسة عملها فى جو من الأمن والاستقرار بما يؤدى فى النهاية إلى تحقيق المشروع الوطنى الليبي، وقيام دولة ديمقراطية مزدهرة.

أعتقد أن القوى الوطنية الليبية فى هذا الاجتماع المهم وضعت خارطة طريق للخروج من الأزمة الليبية الحالية قائمة على عدة محاور أهمها مايلي:

أولا: الاصطفاف مع الجيش الوطنى الليبى ودعمه بكل قوة لاستعادة الأمن والنظام وتحرير العاصمة الليبية طرابلس من الميليشيات المسلحة.

هذه الخطوة تعتبر من أهم الخطوات الإستراتيجية لحل الأزمة الليبية حيث تعانى ليبيا ويل الأزمات والانقسامات منذ سقوط الدولة الليبية وانهيار مؤسساتها الأمنية والعسكرية والمدنية، وجاء المشير خليفة حفتر، واستطاع إعادة بناء الجيش الوطنى الليبى وسجل نجاحات رائعة على الأرض فى ليبيا ولم يتبق سوى العاصمة طرابلس وبعض الجيوب الصغيرة، وكادت معركة طرابلس أن تحسم لولا تدخلات تركيا وقطر وبعض القوى الإقليمية التى لها مصلحة مباشرة أو غير مباشرة فى دعم الجماعات المسلحة والمتطرفة فى ليبيا وللأسف الشديد قامت هذه القوى بدعم تلك الجماعات والميليشيات بالسلاح والعتاد فى محاولة يائسة منها لوقف تقدم الجيش الليبى.

هذه القوى المساندة للجماعات المسلحة لا تريد الخير لليبيا، وتسعى لتأجيج نيران الصراع والاقتتال الأهلى بين الليبيين وبعضهم البعض، مستغلين فى ذلك حكومة الوفاق بزعامة فائز السراج لإضفاء شرعية كاذبة على الصراع الليبى لضمان استمراره، بحيث تظل ليبيا هى الحضن الآمن للإرهابيين والمتطرفين بعد أن تم تضييق الخناق عليهم وطردهم من سوريا والعراق، ولم يعد أمامهم سوى الأراضى الليبية للنزوح إليها والاستقرار فيها لتظل غارقة فى الدماء والصراع والخراب والدمار إلى الأبد.

من هنا جاء دعم القوى الوطنية الليبية للجيش الليبى فى توقيته الصحيح لكشف وفضح المتآمرين ضد مصلحة الشعب الليبى والمساندين للجماعات الإرهابية والمتطرفة والميليشيات المسلحة داخل طرابلس، ورفض تحالف المجلس الرئاسى الليبى مع تلك الجماعات محملين إياهم مسئولية انهيار الأوضاع فى ليبيا.

ثانيا: إدانة الدعم التركى والقطرى للميليشيات المسلحة وفضح دورهما المشبوه فى تعميق الأزمة الليبية واستجلاب الإرهابيين والمرتزقة من بؤر التوتر فى سوريا والعراق إلى العاصمة طرابلس لعرقلة تقدم الجيش الليبى.

موقف القوى الوطنية الليبية يؤكد رفض الوصاية التركية القطرية على الشعب الليبى ويدين تدخلهما فى الشأن الليبي، وعدم قبول أى تدخل خارجى يهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار فى ليبيا، ومن الواضح أن هناك إستراتيجية تتبناها تركيا وقطر فى تخريب المنطقة واستمرار الأزمات بها، وأكبر دليل على ذلك الأزمة الليبية التى كانت قاب قوسين أو أدنى من الحل، وكان هناك ترحيب حار من أهالى طرابلس بقدوم الجيش الليبى لبسط سيطرته على العاصمة لتنتهى سنوات من العذاب والفوضي، إلا أن تحالف الشر الثنائى تحرك بسرعة وعلى عجل لكى تستمر الأوضاع المأساوية هناك بغض النظر عن معاناة الليبيين ومشكلاتهم المتفاقمة.

ثالثا: رفضت القوى الوطنية الليبية المبادرة التى طرحها فائز السراج لوقف إطلاق النار لأنها تؤسس لحالة اللا دولة وجاءت بعد فوات الأوان ليعود الوضع على ما كان عليه قبل انطلاق عملية الكرامة، الأمر الذى لا يرقى لطموح الليبيين فى بناء دولتهم العصرية الحديثة، ويؤكد استمرار الأزمة هناك ويعمق الوضع البائس الذى يعيشه الشعب الليبى منذ 8 سنوات بعد الإطاحة بحكم الرئيس الراحل معمر القذافي، وتحول ليبيا إلى أشلاء دولة، ومأوى للإرهابيين من كل دول العالم بعد فقدانها السيطرة على حدودها، ونزوح أعداد كبيرة من مواطنيها.

أعتقد أن الحالة الوحيدة التى يمكن فيها قبول وقف إطلاق النار تأتى بعد تمكين الجيش الليبى من السيطرة على كامل الأراضى الليبية، وسحب الأسلحة من كل الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية، وتسليمها إلى القوات المسلحة الليبية.

فى ذلك الوقت يصبح الحديث عن وقف إطلاق النار حديثا ذا مغزى ومعني، أما الآن فوقف إطلاق النار يعنى استمرار سيطرة الجماعات الإرهابية على مفاصل الدولة، واستمرار سيطرتهم على بعض المناطق التى لاتزال بعيدة عن نفوذ وسيطرة الجيش الليبى الموحد.

وقوف القوى الوطنية الليبية، وعقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي، والمجلس الأعلى للقبائل خلف الجيش الليبى خلق حالة من التوافق والانسجام بين أبناء الشعب الليبى فى دعم قواته المسلحة فى إطار خريطة الطريق الهادفة إلى استعادة الدولة الليبية من براثن الفوضى والانهيار، وأكد أن الجيش الليبى هو المؤسسة الوحيدة التى يتوافق عليها الليبيون لإعادة الأمن والاستقرار إلى ليبيا.

أعتقد أن خريطة المجتمع الدولى تجاه الأزمة الليبية تغيرت كثيرًا الآن، بعد أن تفهمت الكثير من القوى الدولية الكبرى حقائق الموقف على الأرض فى الأزمة الليبية، وكيف تحولت ليبيا إلى مأوى للإرهابيين والمتطرفين من كل أنحاء العالم، ومن هنا بدأت الدفة تميل إلى الجيش الليبى باعتباره العمود الفقرى لإعادة الأمن إلى الأراضى الليبية بعيدًا عن سيطرة ونفوذ الجماعات والميليشيات المسلحة التى لم يعد يساندها إلا تركيا وقطر وربما بعض أجهزة المخابرات الدولية التى لها مصلحة مباشرة فى استمرار حالة الانهيار فى دول الشرق الأوسط بما يخدم مصلحة إسرائيل فى النهاية.

الموقف المصرى واضح فى هذا الشأن ومنذ ولاية الرئيس عبدالفتاح السيسي، ومصر لديها رؤية واضحة فى مساندة ودعم الجيش الليبى كأحد أهم أركان الدولة الوطنية الليبية من أجل بسط نفوذه على كامل الأراضى الليبية، وبعدها يمكن إطلاق عملية سياسية شاملة لاستعادة الاستقرار والهدوء فى كل ربوع الدولة الليبية.

مصر لديها حدود تمتد إلى أكثر من 1200 كيلومتر مما يضع أعباء باهظة على كاهل الدولة المصرية لتأمين حدودها الممتدة على كل هذه المسافات، وبرغم ذلك فقد نجحت مصر فى ضبط حدودها مع ليبيا، وانعكس ذلك على الحد من الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، وهو ما تعترف به الدول الأوروبية الآن، وجعل الكثير منها يقوم بإعادة تقييم رؤيته للأحداث فى ليبيا بعد تلك الإجراءات والنتائج المبهرة التى تحققت فى ضبط الهجرة غير الشرعية.

المهم الآن أن تتحول تلك الرؤية إلى مواقف واضحة خاصة فيما يتعلق بإلغاء الحظر على تسليح الجيش الليبي، وإعادة تقييم موقف المبعوث الأممى إلى ليبيا، وإعادة ترتيب أولوياته بحيث تصبح الأولوية الرئيسية له هى تمكين الجيش الليبيى من بسط نفوذه على كامل الأراضى الليبية ثم الانتقال بعد ذلك إلى تنفيذ الأجندة السياسية المعطلة منذ أكثر من 8 سنوات حتى الآن بسبب غياب الرؤية وضبابية الأولويات.

أعتقد أن المجتمع الدولى عليه الآن الاستماع إلى صوت القوى الوطنية الليبية فى إعادة ترتيب الأولويات تجاه الأزمة الليبية، لأن "أهل مكة أدرى بشعابها" وهم أصحاب الشأن، وهم أكثر المتضررين، واستمرار الوضع الحالى يعنى استمرار المأساة واللا دولة إلى ما لا نهاية.

من حق الشعب الليبى أن يستعيد دولته، وأن يستعيد أمنه وأمانه، ولن يحدث ذلك إلا من خلال بسط نفوذ الجيش الليبى على كامل الأراضى الليبية، وبعدها يصبح الطريق مفروشا بالورد للحلول السياسية بعيدا عن بارونات الحرب وميليشيات الجماعات المسلحة والإرهابية.

 

Back to Top