رحلة السنوات الست من الهبوط إلى الصعود
بقلم: عبدالمحسن سلامة
منذ 6 سنوات، وفى مثل هذا اليوم، كانت كل آمال وطموحات الشعب المصرى تتركز في الحفاظ على الدولة المصرية من الانهيار، وتجنب نشوب حرب أهلية، ووقف مخطط تقسيم الدولة المصرية، بعد أن تتحول إلى دولة فاشلة ومسرح للاقتتال والصراعات الدولية عن طريق الوكلاء المحليين كما كان مخططا لها مثلما حدث فى سوريا واليمن وليبيا ونجح واستمر حتي الآن.
الآن وبعد 6 سنوات تغير المشهد فى مصر تماما فهى تقف الآن وسط الكبار فى قمة العشرين التى تضم أكبر 19 دولة من حيث المعايير الاقتصادية (الناتج المحلي الاجمالى) إلى جانب الاتحاد الأوروبي.
تقف مصر وسط هؤلاء العمالقة رغم أنها ليست عضوا فى هذه المجموعة، إلا أن دعوتها تأتى تقديرا لمكانتها ودورها الاقليمى والعالمى، فمصر هى رئيس الاتحاد الافريقى، وهى أيضا الدولة المحورية الأبرز فى الشرق الأوسط والتى تتجمع لديها الكثير من الخيوط فى كل القضايا الدولية، بالإضافة إلى علاقتها المتميزة باليابان، ودول مجموعة العشرين على المستوى الثنائى أو الجماعى.
حضور مصر قمة العشرين يأتى أيضا فى إطار نجاح برنامج مصر الاقتصادي وفقا لكل تقديرات المؤسسات الاقتصادية العالمية المتخصصة فى هذا الشأن حيث نجحت مصر فى رصد استثمارات ضخمة وصلت إلى أكثر من 4 تريليونات جنيه لتنفيذ المشروعات القومية الكبرى فى مختلف القطاعات خلال الفترة منذ يوليو 2014 حتى نهاية يونيو2020، منها أكثر من 2 تريليون جنيه تم انفاقها حتى ديسمبر 2018 فى حوالى 9039 مشروعا بنسبة تنفيذ بلغت 54% من الخطة المستهدفة.
كل ذلك ساهم في زيادة اجمالي الايرادات خلال الفترة من 2013 حتي 2018 بنسبة 80% لتصل إلى 821.1 مليار جنيه بموازنة 2018/ 2019، وتستهدف الحكومة الوصول بهذه النسبة إلى 1067 مليار جنيه بموازنة 2019/ 2020.
ولأول مرة يتم تحقيق فائض فى موازنة 2017/2018 وينخفض العجز الكلى إلى أقل من 10% من الناتج الاجمالى، كما انخفضت نسبة الدين للناتج المحلى ليصل إلي 78.8% عام 2017/2018، وذلك للمرة الأولى منذ يونيو 2009 وأيضا ارتفع صافى الاحتياطيات النقدية بالبنك المركزى فى يونيو 2018 ليصل إلى 44.513 مليار دولار، مقارنة بـ 14.936 مليار دولار فى يونيو 2013. أى أن الاحتياطى النقدى تضاعف 3 مرات خلال تلك الفترة، مما يغطى احتياجات مصر السلعية لمدة 9 أشهر تقريبا، حيث تستورد مصر بما يعادل متوسط 5 مليارات دولار شهريا، يضمن تأمين احتياجات مصر من السلع الاساسية والاستراتيجية لنحو 9 أشهر بزيادة على المتوسط العالمى البالغ 3 أشهر.
في يونيو 2013 كان الانهيار في قطاع البترول والطاقة قد وصل إلى مشهد مأساوى، وكان الحديث لا ينقطع عن أزمات الكهرباء والغاز واسطوانات البوتاجاز، فلا يكاد يمر يوم إلا وتنقطع فيه الكهرباء لعدة ساعات، ولا يستثنى مدينة أو منطقة من ذلك الانقطاع بما فيها مناطق العاصمة المختلفة، والفرق فقط كان فى عدد ساعات الانقطاع، حيث كانت تصل إلى ما يقرب من 12 ساعة فى الصعيد والمناطق الريفية، وتنخفض إلى 6 ساعات أو أقل قليلا فى القاهرة وعواصم المحافظات.
أما حروب أسطوانات البوتاجاز فقد كانت هي "الشغل الشاغل" لجموع المواطنين خصوصًا فى المواسم والاعياد والمناسبات، وكان انتظام الكهرباء ومدى توافر اسطوانات البوتاجاز يرتبط دائما بقدوم شحنات البترول والغاز من الاشقاء العرب، ولو حدث وتأخرت تلك الشحنات فإن عدد ساعات الانقطاع للكهرباء سوف تمتد وتزيد إلى فترات غير معلومة، ولعل واقعة قيام دولة شقيقة بمحاولة الضغط على مصر وتحويلها للسفن المحملة بالبترول والغاز ماتزال عالقة بالاذهان فى محاولة من تلك الدولة لاستغلال الأزمة الطاحنة التى كانت تعيشها مصر نتيجة سنوات الفوضي والانفلات.
أما الآن فقد تغير الوضع تماما، وقد بدأت الدولة فى ضخ استثمارات هائلة بهذا القطاع الحيوى، حيث تم رصد استثمارات ضخمة لقطاع البترول خلال الفترة منذ 2014 حتي الآن بقيمة 819 مليار جنيه، تم تنفيذ 66% منها حتى ديسمبر الماضى بواقع 79 مشروعا بتكلفة 540 مليار جنيه.
نجحت مصر فى تحقيق الاكتفاء الذاتى من الغاز بعد زيادة الانتاج إلى 61.9 مليون طن، ومن المستهدف زيادة صادرات الغاز إلى 12 مليون طن خلال المرحلة المقبلة.
ما حدث فى قطاع البترول والغاز حدث فى قطاع الكهرباء، وبعد أن كان هناك عجز بلغ 6050 ميجاوات خلال أشهر صيف 2014، أصبح هناك فائض الآن بعد أن رصدت الدولة استثمارات لهذا القطاع بقيمة 614 مليار جنيه في الفترة من يونيو 2014 حتي يونيو 2020، ومن المستهدف الوصول بالقدرات الكهربائية المضافة إلى الشبكة القومية إلى 28.6 ألف ميجاوات بحلول يونيو 2020، ليصبح هناك فائض متوقع يكفى للتوسع الصناعى والزراعى والعمرانى وخطط التنمية المختلفة، بالإضافة إلى تصدير الفائض فى إطار مشروع الربط الكهربائى خاصة مع الدول المجاورة كالسودان التى تستهدف مصر فيه زيادة القدرات الكهربائية المصدرة إليها من 300 ميجاوات فى 2020 إلى 600 ميجاوات.
ما حدث خلال السنوات الست الماضية انجاز حقيقى بكل المقاييس، وبعد أن كانت مصر قاب قوسين أو أدنى من الانهيار والضياع، عادت مصر إلى مكانتها، وأصبحت تجلس وسط الكبار فى اليابان اعترافا منهم بما تحقق خلال السنوات الماضية، فالكبار فى العالم لا يجاملون، ولو لم تكن مصر فى مكانها ومكانتها الآن لم يكن من الممكن أن تتم دعوتها ضمن اجتماعات مجموعة العشرين بعد المشاركة الأولى لها فى الصين عام 2016 فى القمة التى عقدت في مدينة هانجتشو الصينية بدعوة من الرئيس الصينى شى جين بينج التى استضافت بلاده القمة آنذاك.
سياسة مصر الخارجية كان لها دور مهم أيضا خلال السنوات الست الماضية حيث انتهجت مصر سياسة التوازن فى علاقاتها الدولية، وفى الوقت الذى ظلت تحتفظ فيه بعلاقات استراتيجية مع أمريكا، فقد نجحت فى إقامة علاقات استراتيجية أيضا بالصين، وروسيا، والاتحاد الأوروبى، واليابان، كما عادت من جديد بقوة إلى محيطها الإفريقى والعربى، وهى الآن ترأس الاتحاد الإفريقى بعد أن كانت عضويتها مجمدة فيه، فتتبنى علاقات استراتيجية مع عالمها العربى والإفريقى علي اعتبار أن تلك العلاقات جزء من أمنها القومى.
في يونيو 2013 كانت مصر على مشارف الانهيار بعد أن غطت المظاهرات والاعتصامات والاضرابات كل شبر من أرجاء مصر ضد حكم الإخوان مطالبين برحيل مرسى وجماعته والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة، إلا أن تلك المظاهرات قوبلت بالعنف من جانب الإخوان ومعاونيهم، وتحولت إلى اشتباكات دامية، ووقع العديد من القتلى والمصابين، ودخلت البلاد فى نفق مظلم، لولا تحرك القوات المسلحة المساند لمطالب المواطنين، والتى استجابت لنداء الشعب بالتدخل خشية انزلاق الدولة إلى مستنقع الفوضى والقتل على الهوية، واتساع الصراع إلي درجة يصعب السيطرة عليها، كما حدث في دول مجاورة لاتزال حتى الآن تعانى ويلات الانقسام والحروب الأهلية والصراع والفوضى فى اليمن وسوريا وليبيا.
مصر كانت درة التاج فى سيناريو الفوضي الخلاقة، وانهيارها ـ لاقدر الله ـ كان يعنى انهيار المنطقة بكاملها واشتعالها إلى غير رجعة، وسيطرة التنظيمات الإرهابية والمسلحة على المشهد فى المنطقة كلها بما يخدم الأهداف والمخططات الشريرة التى تستهدف العصف بالمنطقة كلها وتحويلها إلى دول فاشلة يتم استنزافها لصالح الآخرين.
المشهد فى مصر قبل 30 يونيو 2013 كان محزنا ومأساويا بعد أن تحولت السياسة إلى عداء وكراهية وشحن وبغضاء واقتتال أهلى، وفقد المواطنون الأمن والأمان، وانتشرت البلطجة والسرقات فى كل مكان، وتوقفت عجلة العمل والإنتاج، وفر المستثمرون ورجال الأعمال بعد نهب مصانعهم، وتخريبها.
المشهد اليوم فى 30 يونيو 2019 فى مصر مختلف تماما، فها هى مصر تعود بقوة، وتقطع خطوات ضخمة فى مجال الإصلاح الاقتصادى، ولأول مرة يستطيع الجنيه المصري استعادة جزء مما فقده أمام الدولار، ويقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وسط الكبار فى مجموعة العشرين للمرة الثانية خلال 3 سنوات فى مشهد يؤكد تعافى مصر من الوعكة التى ألمت بها والتى كان من الممكن أن تؤدى ـ لا قدر الله ـ إلى ضياعها إلى الأبد.