من المشاهدة إلى المشاركة فى مؤتمرات الشباب
منذ حوالى 3 سنوات انطلقت فكرة مؤتمرات الشباب وكانت البداية فى مدينة شرم الشيخ عام 2016، وتحولت الفكرة الحلم إلى واقع ملموس يعيشه الشباب على فترات زمنية متقاربة وسريعة، وخلال تلك المؤتمرات تحول الشباب من المشاهدة إلى المشاركة، وكان هذا هو الهدف الذى انطلقت من أجله مؤتمرات الشباب، وخلال الأعوام الثلاثة الماضية انعقدت 6 مؤتمرات فى محافظات مصر المختلفة فى شرم الشيخ بجنوب سيناء، وأسوان، والإسماعيلية، والإسكندرية، والقاهرة، والجيزة، بهدف التواصل مع مختلف شباب مصر فى محافظاتهم المختلفة، ونجحت الفكرة وانطلقت وتحولت مؤتمرات الشباب إلى مائدة عامرة لمناقشة كل قضايا الوطن والمنطقة، وبلورة أفكار ورؤى الشباب المختلفة فى تلك القضايا.
ميزة المجتمع المصرى أنه مجتمع شاب حيث يقدر عدد الشباب المصرى في الفئة العمرية من 18 إلى 29 سنة بحوالى 21.7 مليون نسمة وبنسبة تصل إلى 23.6% من إجمالى عدد السكان، فإذا أضفنا إلى ذلك من هم دون تلك السن، ومن هم فوقها حتي سن الأربعين مثلا فسوف ترتفع النسبة إلى أرقام كبيرة تؤكد أن المجتمع المصرى مجتمع شاب وهى ميزة كبرى تؤكد حيوية المجتمع وقدرته على الابتكار والإبداع والقفز فوق الصعاب والتحديات مهما كانت.
من هنا تأتى أهمية مؤتمرات الشباب التى تحولت إلى منصة للعصف الفكرى بين الأجيال المختلفة، فالشباب أغلبية كاسحة بهذه المؤتمرات لكن إلى جوارهم خبرات الكبار من مختلف المجالات، فلا يوجد مجتمع يقوم بالشباب وحده، وأيضا لا يوجد مجتمع يقوم بالكبار وحدهم، وإنما ـ يتحقق النجاح بالقدرة على المزج بين فئات المجتمع المختلفة، وهو ما يحدث فى مؤتمرات الشباب التى تحولت إلى خلية نحل لا تهدأ لمناقشة كل القضايا، ووضع الحلول لمعظم المشكلات المطروحة نتيجة التفاعل بين المسئولين والشباب، وإزالة الحواجز النفسية والمكانية، والحوار المفتوح والمباشر بين كل الأطراف.
من أنجح الجلسات التى تشهدها مؤتمرات الشباب هي جلسة "اسأل الرئيس" التى يتم فيها فتح باب الأسئلة للرئيس عبر الموقع الإليكترونى الخاص بالمؤتمر، وتجميع هذه الأسئلة وعرضها على الرئيس بشكل مباشر وشفاف، والرئيس يجيب بمنتهى الصراحة والوضوح على كل الأسئلة دون خطوط حمراء.
تأثير مؤتمرات الشباب لم يقتصر على الداخل المصرى فقط، لكنه امتد إلى الخارج، ولقد فوجئت بالرئيس الفرنسى ماكرون أثناء المؤتمر الصحفى الذى جمعه بالرئيس عبد الفتاح السيسي فى باريس خلال العام الماضى ـ وكنت ضمن الحاضرين لهذا المؤتمر ـ وهو يشيد بمؤتمرات الشباب ويعتبرها من أكثر النماذج الناجحة التى نجحت مصر فى إقامتها وتصديرها للعالم الخارجى، داعيا باقى الدول إلى حذو مصر فى هذا المجال، وتدعيم هذه التجربة ونقلها إلى الأمم المتحدة.
اللافت للانتباه أن مؤتمرات الشباب تحولت أيضا إلى مؤتمرات لإبراز نماذج النجاح فى المجتمع المصرى بدءا من الشباب المتفوق دراسيا مثل أوائل الطلبة والطالبات الذين يجلسهم الرئيس إلى جواره، ومرورا بالنماذج المكافحة والبسيطة مثل فتاة العربة منى السيد التى كانت تقود تروسيكلا بنفسها، واستقبلها الرئيس وكرمها فى دلالة رمزية لتكريم كل المكافحين من أبناء الوطن، وكذلك الشاب ياسين الزغبى ذلك الشاب الذى نجح فى التغلب على إعاقته، وأيضا الشاب أحمد رأفت الذى قهر إعاقته، واستجاب الرئيس لطلبه بالالتحاق بالقوات المسلحة وغيرهم من النماذج الناجحة والمكافحة التى تشعر المواطنين البسطاء أن الدولة قريبة منهم وأنها حريصة على تشجيعهم ودعمهم معنويا وماديا بعيدا عن الإحباط واليأس الذى يحاول الكارهون لهذا الوطن نشره وتعميمه.
مصر الآن قطعت شوطا كبيرا فى الاستقرار السياسى والإصلاح الاقتصادى، ومصر الآن ليست مصر قبل 6 سنوات، وبعد أن كانت المظاهرات والاضطرابات والانفلات الأمنى هى السمات الغالبة على المشهد اليومى المصرى منذ 25 يناير 2011، تغير الأمر الآن، وأصبح الاستقرار والأمن والأمان هى السمات الدائمة للمشهد المصرى الآن.
فى الاقتصاد كانت الحال نفسها تقريبا فقبل 6 سنوات كانت مصر مقبلة على "إفلاس" حقيقى نتيجة توقف عجلة العمل والإنتاج مما جعل الرئيس عبدالفتاح السيسي يطلق أضخم وأجرأ برنامج للإصلاح الاقتصادى لإنقاذ الاقتصاد المصرى قبل 3 سنوات من الآن وخلال تلك السنوات الثلاث الماضية نجح برنامج الإصلاح الاقتصادى وهو الآن يقترب من محطة النهاية، حيث أكد مجلس إدارة صندوق النقد الدولى فى اجتماعه الأخير صباح الأربعاء الماضى نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادى المصرى، ووافق على صرف الشريحة الأخيرة من قرض الصندوق تأكيدا لهذا النجاح غير المسبوق فى الكثير من دول العالم.
لم تكن تجربة الإصلاح الاقتصادى بالتجربة السهلة أو "الهينة" وإنما كانت تجربة صعبة اطلقها الرئيس "بجرأة" شديدة، وتحملها الشعب بوعى وصبر وحكمة، لأنه كان متأكدا من صدق نوايا الرئيس، ومن ضرورة الإصلاح إنقاذا للجيل الحالى والأجيال القادمة من "هاوية الضياع" والانهيار، ومن هنا تأتى إشادات الرئيس الدائمة بالشعب المصرى لتحمله وصبره ودوره الأساسى فى نجاح الاصلاح الاقتصادى.
نجاح الإصلاح الاقتصادى، وعودة الاستقرار السياسى ربما تكون أبرز نتائجه انعقاد مؤتمر الشباب فى العاصمة الإدارية الجديدة بما تحمله من معنى ودلالة، فلولا الإصلاح الاقتصادى والاستقرار السياسى لما ظهرت العاصمة الإدارية الجديدة ذلك المطلب الحيوى الذى كانت تحلم به مصر منذ نحو 5 عقود، وبالتحديد فى أثناء حكم الزعيم الراحل محمد أنور السادات، حينما كان يحلم بنقل العاصمة إلى مدينة السادات التى أنشأها لهذا الغرض، لكن الحلم تحول إلى حقيقة واقعة الآن، وها هى العاصمة الإدارية تسابق الزمن وتستعد لاستقبال الوزارات خلال العام المقبل إن شاء الله.
ليس هذا فقط لكن حدث خلال الأسبوع الماضى بهدوء شديد حدث ربما لا يقل أهمية عن العاصمة الإدارية الجديدة هو انعقاد أول اجتماع لمجلس الوزراء فى العلمين الجديدة ليكون لدى مصر 3 عواصم تعمل معا، القاهرة، والعاصمة الإدارية الجديدة، والعلمين الجديدة.
ما حدث هو نجاح حقيقى في التغلب على أزمة التكدس العمرانى لمصر في نسبة لم تكن تتجاوز 7% من إجمالى مساحتها، والآن تمتد النسبة وتتوسع لتصل إلى 14% كما هو مخطط لها خلال 2030.
هذا النجاح يمتد إلي جميع الأنشطة العمرانية والزراعية والصناعية، وتوفير فرص عمل للشباب، وزيادة معدلات النمو، وارتفاع متوسط الدخل، وكلها مؤشرات تتصاعد بوتيرة سريعة، ويكفى أن مصر نجحت فى احتلال المركز الثالث بين الدول الأكثر نموا خلال الربع الأول من العام الماضى بعد الصين والهند، طبقا لما نشرته مجلة "الإيكونومست" البريطانية الشهيرة.
كل هذه الأحداث وغيرها سوف تكون حاضرة على أجندة مؤتمر الشباب فى إطار مناقشة كل القضايا الوطنية سواء فيما يتعلق بالإصلاح الاقتصادى أو الإصلاحات الإدارية، وانعكاس ذلك على حياة المواطن، بالإضافة إلى كل القضايا الإقليمية والدولية وانعكاساتها على الوضع الداخلى.
أعتقد أن مؤتمر الشباب المقبل سوف يكون مختلفا لأنه يأتى ممزوجا بالنجاح الذى تحقق خلال الأعوام الماضية، ومحملا بطموحات لا تنتهى من أجل مستقبل أفضل للأجيال القادمة فى كل المجالات.