التحول الرقمى.. ثورة مصر الصامتة!
بقلم:عبدالمحسن سلامة
إطلاق الرئيس عبدالفتاح السيسى مبادرة التحول الرقمى فى مؤتمر الشباب السابع هو ثورة بكل ما تحمله الكلمة من معان دون مبالغة أو تهويل، وهى ثورة متأخرة، وكان من نتيجة تأخرها ترهل الأداء الحكومى، وتضارب البيانات، ووجود فجوات اجتماعية ضخمة، وعدم وجود قاعدة بيانات اقتصادية واجتماعية صحيحة، مما أدى إلى عدم وصول الدعم إلى مستحقيه، وزيادة حجم الفجوة بين المواطن والدولة.
التحول الرقمى باختصار هو ميكنة الأداء الحكومى، ووجود قاعدة بيانات حقيقية للمواطنين وللأنشطة المختلفة للدولة، بها كل التفاصيل المتعلقة بهم، بما يساعد متخذ القرار على اتخاذ القرار السليم فى التوقيت الصحيح سواء فيما يتعلق بكل الخدمات الحكومية المقدمة للمواطنين أو غيرها من القرارات.
أيضا فإن الميزة الكبري للتحول الرقمى أنه ينهى معاناة المواطنين مع الروتين الحكومى، وينهى عبارة "فوت علينا بكرة" للأبد، كما أن قاعدة بيانات الأنشطة الاقتصادية تسهم فى تحقيق العدالة الضريبية، وتنهى عصر الاقتصاد الهامشى أو الرمادى، وتسهم فى توصيل الدعم إلى المستحقين بشكل حقيقى طبقا لبيانات واقعية موجودة.
الأهم من ذلك كله أن التحول الرقمى يساعد فى مكافحة الفساد والحد منه إلى أدنى درجة ممكنة نتيجة تقليص دور العامل البشرى فى تقديم الخدمات الحكومية بدءا من الأحياء ومرورا بالشهر العقارى وإدارات المرور والتموين وانتهاء بكل الخدمات الحكومية الأخرى.
التحول الرقمى مشروع ضخم تشرف على تنفيذه هيئة الرقابة الإدارية وتسهم فيه وزارة الاتصالات وكل الوزارات والهيئات المعنية، ويقوم بإخراجه مجموعة متميزة من شباب مصر بما يضمن تنفيذه على أكمل وجه ممكن.
سألت الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات عن ثورة التحول الرقمى فى مصر وكيف بدأت؟!
أجاب: التحول الرقمى هو واحد من أهم مشروعات مصر العملاقة التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى، ووجه بتنفيذها منذ عام تقريبا، وأطلق المشروع فى مؤتمر الشباب السابع خلال الأسبوع الماضى، ليضع مصر فى مصاف الدول المتقدمة التى سبقتنا فى هذا المجال، لأنه لا يمكن أن تكون هناك دولة متقدمة بمعنى الكلمة دون أن يكون لديها مشروع متكامل للتحول الرقمى ومن خلاله يتم توفير قاعدة بيانات صحيحة ومتكاملة لجميع الجهات والأفراد وربطها ببعضها البعض بما يضمن تقديم أفضل وأسرع خدمة للمواطن فى مختلف المجالات، وفى نفس الوقت يسهم فى وضع الخطط السليمة والصحيحة لكافة المشروعات الاقتصادية والاجتماعية بكل أنواعها، وتنفيذها بأعلى قدر من الدقة والسرعة وأقل التكاليف، وإلى جوار ذلك يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال توجيه الدعم إلى المستحقين فعليا، وحماية الفئات الأقل دخلاً. بحيث يشعر المواطن برعاية الدولة له فى مختلف المجالات، وتقديم الخدمات الاستباقية المستحقة للمواطنين دون جهد أو عناء.
على سبيل المثال لو أن هناك شخصا ما يعيش في مدينة معينة فإن الخدمات المتعلقة بوجوده فى تلك المدينة سوف يحصل عليها تلقائيا حتى وإن كان مقيدا في بطاقته محل إقامة آخر، خاصة تلك الخدمات المتعلقة بدخول أولاده المدارس، أو صدور بطاقة تموينية له، أو الاستفادة من خدمات التأمين الصحى أو غيرها من الخدمات التى كانت مصدر صداع دائم لهؤلاء المواطنين قبل قيامهم بتوفيق أوضاعهم، مشيرا إلى أن إيصال الكهرباء أو التليفون سوف يسهم فى تعديل البيانات تلقائيا دون متاعب، كما كان يحدث من قبل .
سألته: هل بدأ التطبيق فعلًا؟ وما هى المدة الزمنية المتوقعة، وتكاليف هذا المشروع العملاق؟
أجاب د. عمرو طلعت، وزير الاتصالات: البداية كانت منذ نحو عام حينما وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي بضرورة اقتحام هذا المجال وتعويض ما فاتنا فيه، ومن المتوقع أن تصل تكاليف هذا المشروع إلى أكثر من 25 مليار جنيه فى مدة زمنية تمتد إلى أربع سنوات تقريبًا، وقد قطعنا خطوات كبيرة فى هذا الطريق الطويل، ومنها ما حدث فى تحديث بيانات بطاقات التموين وحذف أكثر من مليونى بطاقة لغير المستحقين، بالإضافة إلى حذف نحو 9 ملايين مواطن وهمى فى بطاقات الخبز كانت تذهب إلى السماسرة والتجار، وتخفيض عدد المستفيدين من بطاقات الخبز من 79 مليون مستفيد إلى 70 مليون مستفيد فقط، وحذف 9ملايين مستفيد وهمى.
هذه التعديلات أسهمت فى إيصال الدعم إلى المستحقين فعلًا، وترشيد حجم الدعم المقدم، بالإضافة إلى إعطاء الفرصة للمحرومين من المستحقين فى إضافتهم وحصولهم على تلك المزايا التى كانوا محرومين منها لمصالح غير المستحقين.
.. وماذا عن باقى الخدمات؟
أجاب د.عمرو طلعت: المشروع ضخم ويستهدف 174 خدمة يتم تقديمها إلى المواطن، وتشمل كل المجالات، ونحن مازلنا فى مرحلة البداية والإطلاق، وسوف تكون البداية المتكاملة فى محافظة بورسعيد باعتبارها محافظة المدينة الواحدة، ومن المقرر إطلاق خدمة "الكول سنتر" خلال الشهر المقبل، حيث يتم تجهيز نحو 700 مبنى حكومى بخدمات الفيبر، وتم إطلاق 18 خدمة فى مجالات مختلفة مثل التموين، والشهر العقارى والأحوال المدنية، علي أن يتم لاحقا إطلاق حزمة من الخدمات الأخري مثل خدمات المرور والتراخيص، وهكذا حتى يتم استكمال باقي الخدمات المقررة الـ 174 التى تم التخطيط لإطلاقها ضمن مشروع التحول الرقمى.
بعد تطبيق تلك الخدمات لن يحتاج المواطن إلى الذهاب إلى وحدة المرور لترخيص سيارته مثلا لكنه ومن مكتبه أو بيته يقوم بكل الإجراءات، ولا يذهب إلى وحدة المرور إلا فى حالة واحدة فقط وهى اشتراط فحص السيارة، ودون ذلك يقوم بكل الإجراءات بعيدا عن وحدة المرور.
نفس الحال فى وثائق الزواج والطلاق أو شهادات الميلاد أو التوكيلات أو دفع الرسوم فكلها تتم من داخل البيت أو المكتب ومن "الموبايل" فى خلال دقائق معدودة بعيدا عن الروتين "وفوت علينا بكرة" لتنتهى معاناة المواطنين فى أروقة وسراديب المبانى الحكومية التى كانت تمتد أياما وربما شهورا.
قلت: لكن هناك قطاعا كبيرا من المواطنين مازالوا غير مؤهلين للتعامل مع التكنولوجيا الحديثة، فما موقف هؤلاء؟!
أجاب د. عمرو طلعت وزير الاتصالات: نعم هناك قطاع كبير من المواطنين مازال غير قادر على التعامل مع الوسائل التكنولوجية الحديثة، ولأجل ذلك فإن الخطة الموضوعة تتضمن تحديث مكاتب البريد وهى المكاتب المنتشرة فى كل قرى ومدن مصر، وكذلك مكاتب الاتصالات الحكومية والسنترالات لتقديم تلك الخدمات بكل تفاصيلها لمن يرغب من المواطنين ممن لا يتعاملون مع التكنولوجيا الحديثة، ويجرى الآن تجهيز تلك الأماكن بكل التقنيات اللازمة لتلبية احتياجات المواطنين، وتوفير كل الخدمات لهم، وهذه هى اللمسة المصرية الخاصة فى هذا المشروع الضخم، فقد راعينا أحتياجات بعض المواطنين وعدم قدرتهم على التعامل التكنولوجى، ولذلك سوف يتم تجهيز مكاتب البريد، ومكاتب الاتصالات لتكون هى البديل لتقديم الخدمة.
.. وهل خدمات التعليم والتأمين الصحى تدخل ضمن مشروع التحول الرقمى؟
أجاب د.عمرو طلعت: خدمات التعليم والتأمين الصحى مشروعات منفصلة ومستقلة بذاتها، وتعمل بالتوازى مع مشروع التحول الرقمى، ولكن فى إطار من التنسيق فيما بين المشروعات المختلفة وبما يحقق الهدف من توحيد قاعدة البيانات مستقبلا لكل الخدمات والمشروعات على أرض مصر.
.. وماذا عن سرية البيانات والضمانات اللازمة لذلك؟
أجاب: سرية البيانات مكفولة ومصونة بحكم القانون، وكل البيانات الشخصية، وبيانات البنوك سرية وغير متاحة، وهناك ضمانات صارمة موضوعة طبقا للمعايير الدولية، وربما تكون فائدة التأخير فى إطلاق هذا المشروع الضخم ـ كما أكد الرئيس عبد الفتاح السيسى ــ أنه طلب تطبيق أحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا في العالم فى مشروع التحول الرقمى ومايحتويه من قاعدة البيانات، وسريتها، وحمايتها، وتقديم أفضل الخدمات للمواطنين، على اعتبار أن هذا المشروع يمثل أمنا قوميا لمصر.
انتهى حديث وزير الاتصالات د.عمرو طلعت إلا أن الحديث عن مشروع التحول الرقمي يظل مفتوحا خلال الفترة المقبلة وحتى يتم استكمال كل مراحله فى كل محافظات مصر وأقاليمها باعتباره ثورة متكاملة ومشروعا قوميا هائلا سوف يستتبعه بالضرورة حدوث نقلة ضخمة فى التيسير على المواطنين، وتقديم أفضل الخدمات لهم بأقل جهد ممكن، وسد منافذ الفساد أمام بعض ضعاف النفوس من الموظفين وعبدة الروتين، والأهم من كل ذلك وضع خريطة اقتصادية واجتماعية واضحة ودقيقة تسهم فى اتخاذ القرارات الضرورية فى التوقيت المناسب.