الغوص فى أعماق المناطق "المنسية"... بقلم: عبدالمحسن سلامة
يظل الحديث عن العدالة الاجتماعية "منقوصا" إذا لم تتحقق مبادئ تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، ومن هنا كانت مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسي، التى أطلقها منذ نحو ثمانية أشهر، وبالتحديد فى 2 يناير 2019، من أجل الغوص فى أعماق المناطق المحرومة والمجهولة التى كانت قد طواها النسيان، ووقعت من على الخريطة فى محافظات مصر المختلفة، لكى يتم انتشالها من جديد، وإعادة تأهيلها لتعود مرة أخرى نقاطا مضيئة على خريطة مصر، فى إطار من تكافؤ الفرص بينها وبين غيرها من المدن والقرى المصرية.
لم تكن المهمة سهلة أو بسيطة، وكان لابد فى البداية من الوصول إلى تلك المناطق المبعثرة فى محافظات مصر المختلفة، لوضع خطة العلاج وفق الأولويات والضوابط التى تم وضعها لتنفيذ المبادرة التى تستهدف "انتشال" تلك المناطق مما تعانيه من بؤس وفقر وحرمان ونقص فى الخدمات، وافتقار إلى الحد الأدنى الآدمى اللازم للحياة من مياه وطرق، ومنازل آمنة.
قلت للدكتورة غادة والى وزيرة التضامن المنسقة العامة للمبادرة: وهل نجحت الحكومة فى تحديد تلك المناطق ومعرفة خريطتها التفصيلية؟
أجابت: الرئيس عبدالفتاح السيسى يعمل وفق أساليب منضبطة وصارمة، وهو لا يحبذ أنصاف الحلول، ويلجأ إلى اقتحام المشكلات الأكثر تعقيدا، ومن هنا جاءت مبادرة "حياة كريمة" التى أطلقها فى 2 يناير 2019، وألزم الحكومة بالعمل فيها كفريق متكامل تشارك فيه وزارات التضامن والتخطيط والتنمية المحلية وكل الوزارات المعنية، ويشرف عليها د.مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، وتقوم وزارة التضامن بدور المنسق والأمانة الفنية للمشروع، لما لها من خبرات تراكمية سابقة فى رعاية الأسر الفقيرة والأكثر احتياجا فى محافظات مصر المختلفة.
وقد تم وضع مجموعة من الضوابط والشروط، منها نسبة الفقر، وسوء أحوال شبكات الطرق الداخلية، وضعف المرافق من شبكات المياه والصرف، ومحدودية كفاءة الخدمات الصحية والتعليمية، وانخفاض نسبة التعليم بهذه القرى والمدن، بالإضافة إلى مدى انتشار ووجود جمعيات أهلية تصلح أن تكون شريكة فى النشاط.
هذه المعايير والضوابط تم وضعها للوصول إلى أكثر القرى الفقيرة والمحرومة، التى يبلغ نسبة الفقر فيها 70% فأكثر، وذلك من أجل الارتقاء بالمستوى الاقتصادى والاجتماعى والبيئى للأسر فى تلك القرى الفقيرة، وتمكينها من الحصول على جميع الخدمات الأساسية، وتعظيم قدراتها على تحقيق الحياة الكريمة لتلك الأسر المهمشة والفقيرة.
وأضافت وزيرة التضامن: تم رصد 257 قرية، معظمها فى الوجه القبلى، وهى تفتقد للخدمات الأساسية اللازمة لجودة الحياة، واكتشفنا أن للفقر أوجها متعددة وليس وجها واحدا فقط، فالفقر لا يقتصر على المأكل والمشرب فقط، وإنما يمتد إلى التعليم والصحة والعمل والسكن والمرافق والبيئة، ولدينا فى وزارة التضامن قاعدة بيانات ضخمة تضم نحو 7 ملايين أسرة من الأسر التى تستفيد من خدمات وزارة التضامن، منهم من يتقاضون معاشات شهرية، ويقدر عددهم بنحو 3 ملايين و200 ألف أسرة، بالإضافة إلى 3 ملايين و800 ألف يستفيدون من خدمات غير منتظمة وغير دائمة، وهذه هى القاعدة التى تم الانطلاق منها للوصول إلى القرى الفقيرة والمعدمة، حيث تتركز أعداد كبيرة من المتعاملين مع وزارة التضامن فيها، ونجحنا فى تحديد القرى وأماكن تمركزها، والمحافظات التى تقع فيها تلك القري، وكيفية الوصول إليها.
قلت: ومتى يتم بدء العمل فى القرى المحرومة التى تم تحديدها؟
أجابت د.غادة والي: لقد تم تقسيم القرى الأكثر فقرًا إلى عدة مراحل، ضمت المرحلة الأولى 87 قرية، وهى القرى التى بدأنا العمل فيها فعليا، وتتحمل الدولة نحو 80% من إجمالى التكاليف اللازمة لتطوير هذه القري، ويتحمل المجتمع المدنى نحو 20% من تلك التكاليف، وذلك فى إطار من التنسيق والإشراف المباشر من الدولة، حيث إن هناك بعض الجهات الأهلية المتبرعة وشركات تكون متخصصة فى نوعية معينة من الخدمات، وهناك جمعيات ورجال أعمال آخرون يقومون بمهمة تطوير قرية أو أكثر أو أقل حسب قدرات ورغبة كل منهم، فى إطار من التنسيق بين تلك الجهات والجمعيات، بحيث نصل فى النهاية إلى حل مشكلات تلك القري، بدءا من تطوير البيوت وما يلزمها من أسقف ودورات مياه وأثاث، مرورا بتحسين الأبنية التعليمية والصحية، ووحدات الخدمة الاجتماعية، وانتهاء برصف الطرق الرئيسية والداخلية، وإنارة الشوارع وتسميتها، بحيث يتم الانتهاء من كل احتياجات جودة الخدمات والبنية الأساسية، والرعاية الصحية وغيرها، حتى يتحقق مفهوم العدالة الاجتماعية لسكان تلك المناطق التى ظلت محرومة عقودا طويلة، وتعيش على هامش الحياة يقتلها النسيان والتجاهل، إلا أن تم إطلاق مبادرة "حياة كريمة"، لتحقق لمواطنى تلك القرى الحد الأدنى من الحياة التى تليق بما تعيشه مصر الآن من تنمية شاملة، وإصلاح اقتصادى على مختلف المستويات.
قلت: هل معنى ذلك أن المبادرة تستهدف الأفراد والأسر بشكل مباشر، أم تستهدف الخدمات العامة فى المناطق التى يعيشون فيها؟!
أجابت وزيرة التضامن: الحياة الكريمة لا تستقيم إلا بالعمل على المحورين معا، ولذلك فإن المبادرة تستهدف الأفراد والأسر، من خلال تلبية متطلباتهم من وصلات المياه النظيفة والرعاية الصحية ورفع كفاءة المنازل وتجهيز اليتيمات للزواج، ومساعدة الطلاب والتلاميذ فى مراحل التعليم المختلفة، وصرف الأجهزة التعويضية لذوى الاحتياجات الخاصة، وتوفير معاش ضمان للمستحقين، وإلى جوار ذلك فهناك الارتقاء بالخدمات العامة للقرية ككل، وتوفير تلك الخدمات التى لم تكن موجودة أصلًا، أو تحسين الموجود منها، مثل المدارس والوحدات الصحية، ومراكز الشباب، والرصف، ومد شبكات المياه والصرف الصحي، وتوفير خدمات الدفاع المدني، وكل ما يلزم لحياة المواطنين فى تلك المناطق.
سألت د. غادة والى عن أكثر المناطق فقرا التى تم رصدها؟!
أجابت: أكثر المناطق فقرا واحتياجا تم رصدها فى الوجه القبلى بشكل عام، وفى مركز دار السلام بمحافظة سوهاج بشكل خاص، ومن المقرر أن يتم ضخ استثمارات فى القرى والمراكز الأكثر فقرا لتوفير فرص عمل للشباب، لتتحول إلى مناطق جاذبة للحياة بعد أن كانت مناطق طاردة، وأعتقد أنه بمجرد البدء فى الأعمال بتلك القري، فإن ذلك سيؤدى على الفور إلى خلق فرص عمل جديدة، سواء فى أعمال المقاولات أو الرصف أو المياه والصرف، وغيرها من المجالات التى تستلزم توفير عمالة محلية لاستكمال هذه الأعمال، وهو ما يفتح باب توفير فرص عمل فورية لمواطنى تلك المناطق المحرومة، ويساعد على زيادة دخل الأسر فى هذه القري، بالإضافة إلى ما تقدمه الدولة، ممثلة فى وزارة التضامن، من رعاية للمستحقين منهم.
وأضافت وزيرة التضامن: لقد تمت ميكنة منظومة الحماية والرعاية الاجتماعية فى كل محافظات مصر، وتنفيذ الربط الشبكى مع الرقابة الإدارية، للتأكد من درجة استحقاق المواطنين لمزايا الحماية الاجتماعية، ووزارة التخطيط، لرصد الوفيات والمواليد، ووزارة الداخلية، لمراجعة بيانات الرقم القومي، وكذلك مع وزارة الصحة والسكان، لرصد الرعاية الصحية، ووزارة التعليم والأزهر الشريف، لرصد الالتحاق بالتعليم والحضور والغياب المدرسى والتفوق الدراسي، وجار الربط مع وزارتى العدل والتموين، من أجل أن تكون هناك قاعدة بيانات دقيقة لأول مرة للأسر الفقيرة، تشمل عدد أفراد الأسرة وسماتهم السكانية، وحالتهم التعليمية، وحالة العمل، والتأمينات الاجتماعية، والتأمين الصحي، ومواصفات السكن، ومصادر الدخل، وممتلكات الأسرة، ومدى استفادتهم من بطاقات التموين، وما إذا كانت هناك حالات إعاقة داخل الأسرة أم لا؟!، بحيث تكون هذه القاعدة المعلوماتية مرنة ومنضبطة، ويتم تدقيقها وتحديثها بشكل فوري، طبقا للمستجدات الحياتية فى تلك الأسر.
انتهى حديث د. غادة والى عن مبادرة "حياة كريمة"، التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى يناير الماضي، لتكون ترجمة عملية لقواعد العدالة الاجتماعية بين أبناء الوطن الواحد، وأعتقد أن تلك المبادرة يجب أن تكون فرصة للقادرين من رجال الأعمال للمشاركة فيها بكل جهدهم، لسرعة استكمال تلك المبادرة بمراحلها المتعددة، من أجل توفير الحياة الكريمة لكل المواطنين بلا استثناء.