"مجموعة السبع الكبرى" لتهدئة العواصف الدولية... بقلم: عبدالمحسن سلامة


رغم أن اجتماعات قمة مجموعة الدول الصناعية السبع (G7) فى فرنسا والمقرر انعقادها على مدى 3 أيام يأتى فى إطار دورية الاجتماعات السنوية لتلك المجموعة التى انطلقت فى العام 1976، إلا أن انعقاد المجموعة هذا العام يأتى وسط عواصف شديدة تجتاح العالم بدءا من الحرب التجارية الطاحنة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، ومرورا بالأجواء العاصفة فى منطقة الخليج، وارتفاع حدة التوتر بين أمريكا وإيران من جهة، وبين إيران ودول الخليج من جهة أخرى، وانتهاء بأزمة الاتحاد الأوروبى الداخلية الناتجة عن انسحاب بريطانيا من الاتحاد وعدم التوصل إلى اتفاق حتى الآن بشأن الانسحاب رغم استقالة رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماى ورئاسة بوريس جونسون للحكومة البريطانية خلفا لها.

كل هذه الأجواء العاصفة التى تجتاح العلاقات الدولية ربما يجعل من انعقاد القمة فرصة لتهدئة تلك العواصف، ومحاولة لحدوث نوع من أنواع المقاربة بين سياسات الرئيس الأمريكى ترامب، وبين سياسات دول الاتحاد الأوروبى التى ازدات الهوة فيما بينهما مؤخرا فى الكثير من القضايا الاقتصادية والسياسية منذ بداية فترة حكم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.

حددت فرنسا فى إطار رئاستها للمجموعة خمس أولويات سوف تكون حاضرة بقوة على جدول الأعمال أهمها مكافحة عدم المساواة فى المصير (النوع ـ التعليم ـ الصحة)، وتنفيذ انتقال بيئى عادل يركز على الحفاظ على التنوع البيولوجى والمحيطات، والعمل من أجل السلام والتهديدات الأمنية والإرهاب، ومناقشة الاستغلال الأخلاقى للفرص التى تتيحها التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي، وأيضا تجديد شراكة أكثر إنصافا مع إفريقيا.

ولأن مصر ترأس الاتحاد الإفريقى فى هذه الدورة، كما أنها نجحت فى تقديم نموذج ناجح للإصلاح الاقتصادى أشادت به كل المؤسسات الدولية، فقد تم دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى للمشاركة فى قمة المجموعة خاصة فى ظل ما حدث من تطور نوعى مهم مؤخرا وتوقيع اتفاقية التجارة الحرة القارية بين دول الاتحاد الإفريقى فى النيجر، بما يجعل إفريقيا أكبر منطقة تجارة حرة على مستوى العالم بما تحتويه من 1.2 مليار نسمة، والزيادة المتوقعة لعدد المستهلكين الأفارقة إلى 2.5 مليار نسمة بحلول 2050.

إطلاق منصة التجارة الحرة القارية الإفريقية سوف يسهم فى زيادة حجم التجارة البينية الإفريقية من 17% إلى 60% بحلول 2022، وتقليص استيراد السلع من خارج القارة بشكل رئيسى بالإضافة إلى دعم وبناء القدرات التصنيعية والإنتاجية، وتقرير مشروعات البنية التحتية الإفريقية.

الشراكة الأكثر إنصافا مع إفريقيا تقتضى أن تأخذ إفريقيا نصيبها العادل من الاقتصاد العالمي، وأن يتم معاملتها بمنطق "الندية" لا "التبعية" التى كانت الدول الكبرى تنتهجه لفترة طويلة مع القارة السمراء امتدت لعقود عديدة، منذ بزوغ عصر الاستعمار المباشر، أو حتى محاولات الهيمنة والاستغلال التى تتم حتى الآن بشكل غير مباشر من جانب الدول الكبرى لاستنزاف ثروات القارة الإفريقية.

فرنسا من الدول الكبرى المهتمة بالشأن الإفريقي، ولها وجود قوى سياسيا واقتصاديا وربما عسكريا أيضا فى بعض بلدان القارة كما حدث فى مالى وتشاد، وبالتالى فهى تريد دعم وتطوير الاتحاد الإفريقى من أجل تعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب فى منطقة الساحل والصحراء على اعتبار أن هذه المنطقة تمثل الالتزام الأكبر لفرنسا فى سياستها تجاه إفريقيا.

ولأن مصر وفرنسا يرتبطان بعلاقات سياسية واقتصادية عميقة، وهناك حالة من الانسجام والتفاهم مابين الرئيسين عبد الفتاح السيسى وماكرون فى العديد من القضايا فإن فرنسا تدعم رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى من أجل استكمال مسيرة إصلاح المؤسسات الإفريقية، وتعميق الاستقرار فى شرق إفريقيا، خاصة فى ظل الأوضاع الانتقالية الحساسة فى السودان وإثيوبيا بالإضافة إلى الوضع المعقد فى ليبيا، وضرورة دعم الجيش الوطنى الليبى من أجل استكمال مراحل تحرير الأراضى الليبية خاصة العاصمة طرابلس وإنقاذها من الميليشيات وجماعات العنف والإرهاب وأمراء وجنرالات الحرب المدعومين من قوى اقليمية بعينها خاصة تركيا وقطر اللتين تريد استمرار هذا الوضع المأساوى والمأزوم فى ليبيا.

على الجانب الآخر لايمكن إغفال الحرب التجارية المشتعلة بين الصين وأمريكا فى اجتماعات قادة الدول السبع الصناعية الكبرى خاصة ان هذه الدول تملك أكبر اقتصاديات فى العالم فى ظل تشدد الرئيس الأمريكى ترامب واستمراره فى "تسخين" الأجواء ورفضه للتراجع، وإضفاء طابع القداسة على هذه الحرب من جانبه خاصة بعد أن أشار مؤخرا إلى أنه "المختار" لخوض الحرب التجارية مع الصين، وأن الحرب التجارية التى يخوضها مع الصين ليست حربه، وأن رؤساء آخرين سبقوه إلى البيت الأبيض كان يجب أن يخوضوها من قبل، لكنه "المختار" من الله لأداء هذه المهمة.

وفى الوقت الذى يتشدد فيه الرئيس الأمريكى ترامب مع الصين فإنه فى المقابل يبدى انزعاجا شديدا من استمرار استبعاد روسيا من اجتماعات المجموعة وتجميد عضويتها على خلفية أزمة أوكرانيا وشبه جزيرة القرم فى العام 2014، وأعلن فى تصريحات صادرة عنه تأييده لعودة روسيا إلى مجموعة السبع الكبرى وذلك خلال لقائه مع نظيره الرومانى كلاوس يوهانيس فى البيت الأبيض، مشيرا إلى أنه من المناسب تماما عودة روسيا إلى المجموعة قائلا "لو أن شخصا ماسيقدم هذا الاقتراح سأكون على استعداد للتفكير فى الأمر بشكل إيجابى للغاية، ومن المتوقع أن يتم طرح هذا الموضوع فى القمة الحالية، لكن ليس من المؤكد بعد أن يتم اتخاذ هذا القرار أم لا فى ظل تحفظات فرنسا، وفى ظل اللقاء "الباهت" الذى حدث مؤخرا بين الرئيس الفرنسى ماكرون والروسى بوتين وتبادلا فيه التصريحات السلبية عن قمع مظاهرات السترات الصفراء من جهة والمعارضة الروسية من جهة أخرى حينما أراد أن يعلق ماكرون على ما تواجهه المعارضة الروسية من مشكلات فرد عليه الرئيس الروسى بالمقارنة بين ما حدث للمعارضة الروسية وما حدث من جانب ماكرون من قمع مظاهرات السترات الصفراء.

أيضا هناك أزمة "البريكست" وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى التى سوف تكون حاضرة هى الأخرى على مائدة مجموعة السبع فى ظل أول مشاركة لرئيس الوزراء البريطانى الجديد بوريس جونسون فى تلك الاجتماعات بعد استقالة رئيسة الوزراء السابقة تريزا ماى على خلفية أزمة "بريكست" وعدم نجاحها فى إنجاز هذا الملف، فى الوقت الذى يصر فيه جونسون على انجاز الخروج الكامل فى نهاية أكتوبر المقبل حتى لو جرى الأمر بدون اتفاق مما قد يؤدى إلى فوضى وأضرار تلحق بالجانبين الأوروبى والبريطاني، وتزيد من حجم "الجفوة"، فيما بينهما لمصلحة زيادة التقارب البريطانى الأمريكى لتعويض جزء من الخسائر المحتملة للاقتصاد البريطاني.

إلى جانب تلك الملفات الساخنة هناك الملف الإيرانى "المشتعل" والذى يسلك فيه الرئيس الأمريكى ترامب نهجا متصاعدا رافضا لكل الحلول المقترحة حتى أدى به الحال إلى إصدار أوامره باعتقال السفينة الإيرانية التى كانت محتجزة لدى سلطات جبل طارق بعد أن أمرت تلك السلطات برحيل السفينة المحتجزة، ويأمل ترامب أن تشاركه الدول الصناعية الكبرى ضغوطه على الجانب الإيرانى لوقف أنشطتها النووية ومشروعاتها التوسعية.

 

هذه القضايا الساخنة على الساحة الدولية سوف تجد طريقها بشكل رسمى أو غير رسمى على مائدة اجتماعات الدول السبع الكبرى العامة أو الثنائية على أمل أن تكون تلك الاجتماعات بداية لتهدئة العواصف المشتعلة قبل أن تتفاقم وتزداد تعقيدا.

 

 

 

Back to Top