استمرار الصراع فى ليبيا.. لمصلحة من؟!

بقلم: عبدالمحسن سلامة

فجأة خرجت أنباء تشير إلى استقالة حكومة فائز السراج فى ليبيا خلال الأيام القليلة الماضية لتفتح الباب أمام الجيش الليبى لبسط نفوذه على باقى الأجزاء غير المحررة، والتى لاتزال خارج سيطرته، ثم ما لبثت أن قامت حكومة السراج بنفى تلك الأنباء، لتستمر الأوضاع على ما هى عليه من انقسام وتوتر فى الأراضى الليبية، ليظهر بعد ذلك المبعوث الأممى غسان سلامة فى المنطقة الأسبوع الماضى وقام بزيارة جامعة الدول العربية والتقى أمينها العام السفير أحمد أبوالغيط، كما زار الخارجية المصرية والتقى الوزير سامح شكرى فى إطار سلسلة من اللقاءات فى دول المنطقة والأراضى الليبية، بعدها عقد مجلس الأمن اجتماعا ناقش فيه الأزمة الليبية، وقدم غسان سلامة إحاطة للمجلس عبر دائرة تليفزيونية مغلقة من طرابلس حذر فيها من استمرار الصراع على الأراضى الليبية، وتدفق الآلاف من المرتزقة عليها مما يهدد بتفاقم النزاع، وإطالة أمده، محذرا من سيناريوهين غير مستساغين بالمرة الأول، يتعلق بـ "نزاع متواصل منخفض التصعيد وطويل الأجل، وتهديد إرهابى متنام عبر الحدود"، والثانى غير مرض، أيضا يتمثل فى "مضاعفة الدعم العسكرى من قبل الأطراف الخارجية مما يؤدى إلى تصعيد حاد يغرق المنطقة بأسرها فى الفوضي".

المشكلة الآن أن المناطق غير المحررة فى ليبيا والواقعة خارج سيطرة الجيش الليبى تحولت إلى ملاذ آمن للإرهابيين والمتطرفين والفارين من سوريا والعراق وأفغانستان، وربما يكون ذلك هو ما حذر منه المبعوث الأممى بشكل غير معلن لأنه يقوم بدور الوسيط بين الأطراف ولا يريد أن يعلن ذلك صراحة وسط تلك الأوضاع المعقدة الموجودة فى الأراضى الليبية، حيث لاتزال طرابلس ومناطق كثيرة فى الغرب الليبى بعيدة عن سيطرة الجيش الليبى رغم الانتصارات التى حققها أخيرا، إلا أن دخول أطراف خارجية على خط الصراع خاصة تركيا وقطر لدعم حكومة فائز السراج أدى إلى خلق الحالة التى تحدث عنها المبعوث الأممى من مد وإطالة أمد الصراع، بعد أن تحولت الأراضى الليبية إلى أرض حرب بالوكالة فى محاولة لوقف الخسائر التى لحقت بالجماعات الإرهابية والمتطرفة فى سوريا والعراق، وتحويل تلك الجماعات لأنشطتها إلى داخل الأراضى الليبية فى ظل استمرار الدعم التركى والقطرى اللا محدود لتلك الجماعات.

على الجانب الآخر فقد طرح غسان سلامة رؤيته بشأن مستقبل الأزمة الليبية خلال مداخلته أمام مجلس الأمن مقترحا عقد مؤتمر دولى جديد لحل الأزمة، لتأكيد الدعم الواضح والفعال لأى صيغة سياسية يوافق عليها الليبيون مؤكدا أنه "لايزال عقد اجتماع دولى بدعم نشيط من شركائنا من المنظمات الإقليمية المعنية شرطا لا غنى عنه لاكتساب الالتزام الضرورى من جانب أصحاب المصلحة الخارجيين الرئيسيين لإنهاء النزاع، واستئناف العملية السياسية المملوكة لليبيا".

أعتقد أن فرص نجاح فكرة عقد مؤتمر دولى جديد حول ليبيا تظل محفوفة بالشكوك فى نتائجها إذا لم يكن هناك تصور واضح ومحدد لهذا المؤتمر المزمع عقده وضرورة تمكين مؤسسات الدولة الليبية من القيام بمهامها خاصة مؤسسة الجيش الليبي، وتمكينه من بسط نفوذه على كامل المناطق الليبية أولا، وحظر تصدير السلاح للميليشيات والكيانات الوهمية الأخري، وفى تلك الحالة يمكن إطلاق عملية سياسية متكاملة يختار فيها الشعب الليبى ممثليه بكامل إرادته الحرة، ووسط أجواء آمنة بعيدا عن لغة التراشق بالسلاح وفوضى الميليشيات والجماعات الإرهابية، فلابد من إسكات البنادق غير الشرعية أولا، ثم بعد ذلك يتم إطلاق العملية السياسية لانتشال ليبيا من جحيم الفوضى والانفلات الأمنى الذى تغرق فيه منذ الإطاحة بنظام حكم العقيد معمر القذافى وحتى الآن.

تحدثت مع وزير الخارجية سامح شكرى عن زيارة غسان سلامة المبعوث الأممى للقاهرة ورؤية مصر لحل الأزمة الليبية، فأشار إلى أن موقف مصر واضح فى هذا الشأن وهو دعم مؤسسات الدولة الليبية ودعم الجيش الليبى بقيادة المشير خليفة حفتر باعتباره الجهة الوحيدة المنوط بها تحقيق الأمن والاستقرار فى ليبيا، وإلى جانب ذلك فمصر تدعم كل القرارات الأممية فى شأن ليبيا بما فيها اتفاق الصخيرات.

سألته عن موقف حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج؟!

أجاب وزير الخارجية سامح شكرى قائلا: حكومة الوفاق الآن ليست حكومة وفاق وطني، وإنما يحتاج الأمر إلى إعادة نظر فيما يريده الشعب الليبى ويختاره، ومصر مع اختيارات الشعب الليبي، ومع استقرار الدولة الليبية وإعادة هيبتها وقوتها من جديد، ودعم الجيش الليبى باعتباره مؤسسة الدولة الليبية المتفق عليها.

وأضاف: المشكلة الآن أن هناك بعض الأطراف الليبية تريد استمرار الصراع ولا توجد لديها إرادة سياسية للحل مما يزيد الموقف تعقيدا بسبب عدم الرغبة فى الحل ولكل هذا ربما يكون التحرك الدولى الآن مفيدا للتوصل إلى رؤية بشأن الحل، وحدوث المزيد من التشاور حول هذه الأزمة.

على الجانب الآخر فقد التقى المبعوث الأممى غسان سلامة الأمين العام لجامعة الدول العربية السفير أحمد أبو الغيط بمقر جامعة الدول العربية التى تلعب دورا كبيرا من أجل إيجاد خريطة طريق للأزمة الليبية، والذى أكد بدوره أن هناك تعاونا وثيقا بين الجامعة العربية والمبعوث الأممى لحل الأزمة الليبية المعقدة، مشيرا إلى أن المبعوث الأممى يهدف إلى العودة إلى مائدة المفاوضات مرة أخري، والوصول إلى تفاهمات بين الأطراف الليبية المتصارعة.

قلت:هل تشارك جامعة الدول العربية فى وضع تصور لتلك التفاهمات المقترحة ؟!

أجاب الأمين العام لجامعة الدول العربية السفير أحمد أبو الغيط: نحن نتواصل مع المبعوث الأممى ومع كل الأطراف المعنية بالأزمة الليبية، لكن لا يوجد تصور خاص بالجامعة العربية للخروج من المأزق الليبى حتى الآن، وفى الوقت نفسه فإن الجامعة العربية تدعم خيارات الشعب الليبي، وتؤيد العودة إلى التفاهمات المشتركة للخروج من حالة الانقسام الحالية فى الشأن الليبى ما بين الجيش الليبى الذى يسيطر على مساحة كبيرة من الأراضى الليبية، وحكومة فائز السراج التى لا تزال تسيطر على طرابلس وبعض المناطق فى الغرب.

وفيما يخص التحركات المقبلة توقع الأمين العام لجامعة الدول العربية حدوث تحركات على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وربما يكون هناك اجتماع خاص تحضره الأطراف والدول المعنية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك نهاية سبتمبر الحالي، أو أن يكون هناك بديل آخر فى أكتوبر المقبل، حيث تدور مشاورات لعقد اجتماع لمجموعة الدول المعنية بالأزمة فى إحدى الدول الأوروبية، ولا تزال المشاورات مستمرة بين الأطراف المعنية للتوصل إلى تصور لحل تلك الأزمة المعقدة، ورؤية الحل، ومكان الانعقاد المقترح.

انتهت تصريحات الأمين العام لجامعة الدول العربية، لكن تبقى هناك العديد من الأسئلة حول جدوى التحركات الدولية حتى الآن وعلاقة ذلك باستمرار الصراع داخل ليبيا أكثر من 8 سنوات ومدى جدية الأطراف الدولية فى إيجاد مخرج حقيقى لتلك الأزمة؟!

التجرية العملية على الأرض الليبية تشير إلى أن هناك أصحاب مصالح وجنرالات حرب وجماعات إرهابية من داخل وخارج ليبيا تريد استمرار تلك الأوضاع المأساوية على الأراضى الليبية، ومن المهم أن يكون هناك تصور قبل أى تحرك دولى مقبل يضمن بسط الجيش الليبى نفوذه على كامل الأراضى الليبية وطرد كل الجماعات الإرهابية والمرتزقة من داخل الأراضى الليبية، لتبدأ مرحلة الحراك السياسى واستقرار الدولة الليبية لصالح كل الشعب الليبى الذى عانى طويلا مرارة الفوضى والانفلات الأمنى طوال كل هذه السنوات.

Back to Top