روائح "كريهة" فى المناخ العام... بقلم: عبدالمحسن سلامة
أستشعر روائح "كريهة" يحاول بعض المتآمرين، والفاشلين، نشرها فى المناخ العام بهدف نشر حالة من الإحباط واليأس، بعد أن تجاوزت مصر أكبر أزماتها، واجتازت أخطر تحدياتها، وعادت مؤسسات الدولة "قوية عفية" تحقق النجاحات تلو الأخرى فى المجالات المختلفة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا مع انتهاء المراحل الأصعب فى "التأسيس" و"إعادة البناء" وبدء ظهور بشائر النتائج. ظهر ذلك "جليا" فى الاقتصاد، وبعد أن كانت مصر على شفا الإفلاس والانهيار التام...تنتظر المعونات والدعم من الدول الصديقة والشقيقة، دخل الاقتصاد المصرى مرحلة إصلاح صعبة ومعقدة، وفى العالم كله تكون تلك المرحلة من أصعب المراحل ويطلقون عليها أحيانا مرحلة "تكسير العظام"، إلا أنه فى مصر استطاع الاقتصاد المصرى تخطى تلك المرحلة الصعبة بأقل الأضرار الممكنة نتيجة سلسلة من البرامج الاجتماعية "الحمائية" لحماية الأسر الفقيرة مثلما حدث فى برامج تكافل وكرامة، ومعاشات الضمان للعائل الفقير الذى ليس له مصدر دخل ودعم بطاقات التموين وبطاقات الخبز، بما يضمن الحد الأدنى اللازم والضرورى للحياة الكريمة، وحتى الآن لايزال سعر الرغيف بـ "خمسة قروش" فى بطاقات الخبز، أى أنه بجنيه واحد يمكن شراء 20 رغيفا، وأعتقد أن الحفاظ على تلك الميزة خطوة عبقرية تحسب للرئيس والحكومة فى الإبقاء عليها واستمرارها. إطلاق ودعم هذه البرامج الحمائية أدى إلى تجاوز مرحلة تكسير العظام فى الإصلاح الاقتصادى وضمان الحد الأدنى لمحدودى الدخل، ومن هنا تأتى إشادات الرئيس عبد الفتاح السيسى الدائمة والمستمرة فى كل المناسبات بعبقرية الشعب المصري، وقدرته وصموده على تخطى تلك المرحلة، مما كان له أكبر الأثر فى نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي، حتى أصبح هناك الآن ما يعرف بالتجربة المصرية فى الإصلاح الاقتصادي، وباتت المؤسسات الاقتصادية العالمية مثل صندوق النقد والبنك الدولى وغيرهما يبشرون بتلك التجربة ويدعمونها، ويعرضونها كنموذج يصلح للاقتصاديات المتشابهة التى تحاول الخروج من مأزقها. انتهت تلك المرحلة الصعبة وبدأت بشائر النمو والانطلاق، وظهر ذلك واضحا فى تراجع العملات الأجنبية أمام الجنيه المصري، وحتى نهاية الأسبوع الماضي، فقد واصل الجنيه الصعود أمام العملات الأجنبية، وواصل الدولار تراجعه ليصل إجمالى ما فقده خلال الأسبوع الماضى 11 قرشا، وسجل فى نهاية تعاملات الأسبوع الماضى 16,23 جنيه للشراء، و16,33 جنيه للبيع، وهى أدنى مستويات له منذ أكثر من 32 شهرا. تراجع الدولار صاحبه هبوط أسعار جميع العملات الأخرى وعلى رأسها اليورو الذى كسر مستوى الـ 18 جنيها وبلغ متوسط سعره 17,90 جنيه للشراء و18,08 جنيه للبيع. هذا التراجع للعملات الأجنبية انعكس إيجابيا على أسعار السلع والخدمات واستقرارها كما حدث فى الكثير من السلع الغذائية والصناعية وإن لم يكن بالدرجة التى تتناسب مع هذا التراجع بسبب جشع بعض التجار والمستوردين. لم تظهر بشائر الإصلاح فقط على تراجع أسعار العملات الأجنبية لكنه امتد أيضا إلى كل ما يتعلق بالمؤشرات الاقتصادية مثل انخفاض معدلات البطالة إلى مايقرب من 8,1% بعد أن كانت فى حدود 13% قبل الإصلاح، ولأول مرة يتم تحقيق فائض أولى 2% فى ميزانية 2018/2019، بما يعنى زيادة الإيرادات على المصروفات بواقع 2% إلى جوار ارتفاع معدلات النمو الاقتصادى فى النصف الثانى من العام الماضى إلى 5,6% مما يضع مصر فى مصاف أفضل الدول التى حققت نموا بهذه النسبة. الأمر المؤكد أن المشوار مازال طويلا، فالدول لا تبنى بين يوم وليلة، ومسيرة الإصلاح فى الدول التى سبقتنا مثل الصين والهند وسنغافورة وكوريا وغيرها لم تنته كل مشاكلها فى 3 أو 4 سنوات، وإنما أخذت وقتا وجهدا، ودولة مثل الصين رغم أنها ثانى أكبر اقتصاد فى العالم لاتزال تعتبر نفسها من الدول النامية، ولاتزال لديها مشكلة مع الفقر والفقراء وبحسب المصادر الحكومية فى الصين فقد أعلنت الحكومة المركزية الصينية فى العام الماضى أنها انتشلت 12,89 مليون شخص من سكان المناطق الريفية من الفقر عام 2017 لتقلص مستوى الفقر العام لديها إلى 3,1%، أى أن هناك حوالى 3,1% فى المناطق الريفية فى الصين لايزالون يعانون من مشكلة الفقر طبقا للأرقام والإحصائيات الرسمية الصينية. فى مصر بدأ مشوار الإصلاح الاقتصادى عام 2016 حينما تم تحرير سعر الصرف، وبدأت سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية الشاملة بعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولى فى أغسطس من عام 2016 أى منذ 3 سنوات فقط، وتم التوصل إلى اتفاق يتيح لمصر 12 مليار دولار لدعم برنامج الحكومة للإصلاح الاقتصادى من خلال برنامج يمتد لثلاث سنوات ينتهى هذا العام. نجاح مصر فى برنامج الإصلاح منحها ثقة المؤسسات الدولية، والمستثمرين، وهو الأمر الذى جعل برنامج الإصلاح الاقتصادى المصرى "أيقونة" يتم الاستشهاد بها فى المحافل الدولية غير أن هذا النجاح يتطلب الاستمرار والتراكم فى معدلات النمو، وزيادة الناتج المحلي، وتقليل الواردات وزيادة الصادرات لتتحول مصر إلى نمر اقتصادى بكل ما تحمله الكلمة من معان خلال السنوات القليلة المقبلة. من الطبيعى أن يكون للتحول الاقتصادى وحل المشاكل المتراكمة عبر 6 عقود على الأقل بعض الآثار الجانبية التى يحاول بعض "المتآمرين" و"الفاشلين" استغلالها فى محاولة فاشلة منهم لوقف مسيرة النجاح والانطلاق والعودة مرة أخرى إلى "المربع صفر" أو ربما أقل من "الصفر" لتنهار مؤسسات الدولة ـ لا قدر الله ـ وتعود الفوضى والانفلات، وينهار الإصلاح الاقتصادى الذى تحقق، وننتظر مرة أخرى الدعم من الدول الصديقة والشقيقة. القصة ليست أشخاصا فاشلين ومتآمرين تنبعث منهم مجرد "روائح كريهة"، لكننى أعتقد أن الموضوع أكبر من ذلك وأن هناك من يقف وراء هؤلاء، بدليل التمويل الضخم لقنوات إعلامية لا هدف لها على مدى 24 ساعة سوى إشاعة البلبلة وهز الثقة ونشر هذه الروائح الكريهة وتضخيمها، وهذه القنوات تصدر من تركيا وقطر، بدعم كامل من النظامين التركى والقطرى وبتمويل "سخي" ليس له سقف أو حدود.
Ahmed
تلك القنوات "المسمومة" هى التى تحاول نشر وبث تلك "الروائح الكريهة" فى الفضاء على أمل أن يصل نفاذها وتأثيرها إلى المناخ العام، وينتشر الإحباط واليأس، وتعود السيناريوهات "الشريرة" مرة أخري، بعد أن نجح الشعب المصرى فى الانتصار لدولته ومؤسساته ومساندة حكومته وقيادته فى تجربة الإصلاح الاقتصادى وتحقيق الاستقرار السياسي. مصر الآن فى معركة منتصف الطريق، ولا بديل عن استكمال برامج الإصلاح الاقتصادى والسياسى والتعليمى والصحي، وكل البرامج الإصلاحية الأخرى التى يتم تنفيذها على مدى الساعة وبجهد فائق غير مسبوق، لأن التراجع ببساطة يعنى انهيار كل ما تحقق والعودة إلى المربع قبل الصفر. أعتقد أن 8 سنوات ليست بالزمن البعيد، ولو أن هناك شابا عمره 15 عاما أو أقل فهو قد عاش تلك الفترة حينما تحولت شوارع القاهرة إلى "شوارع مهجورة"، واشتعلت الحرائق فى كل مكان، ولم يشفع المجمع العلمى لنفسه ـ كونه أحد الصروح العلمية العتيقة ـ من المخربين، وكذا الحال فى المتحف المصرى أو المحاكم والكنائس والأقسام والمحال التجارية الخاصة والعامة. أتذكر وأنا فى طريق عودتى من مؤسسة الأهرام، وبمجرد خروجى كانت صدمتى الكبرى حينما شاهدت ألسنة النيران تلتهم مبنى مجمع المحاكم المجاور لمبنى مؤسسة الأهرام، ولا تزال هناك أجزاء من هذا المبنى العتيق مهجورة بفعل الحريق حتى اليوم. فى الطريق كانت النار تلتهم مبنى "أركاديا" التجارى على كورنيش النيل تصاحبها حالة سلب ونهب غير مسبوقة لكل المحال التجارية الموجودة فيه رغم أنها محال خاصة لمواطنين مصريين وضعوا فيها كل "تحويشة العمر" وفقدوا بعدها مصدر رزقهم. بعد أركاديا بمسافة بسيطة كانت النار تلتهم قسم شرطة الساحل على الكورنيش ولا تزال للآن أيضا أجزاء منه لم يتم علاجها بعد أن تم نقل القسم إلى مبنى آخر، وتم إصلاح جزء، والجزء الآخر ما زال مهجورا للأسف الشديد. بعدها تواردت الأنباء عن الحرائق فى الأقسام والمراكز والمبانى التجارية والمحاكم والكنائس وغيرها، وكأنها خطة شيطانية لتدمير أى شيء وكل شيء أو حرب مقصودة للتخريب والخراب وليس الإصلاح ومعالجة الأخطاء. للأسف الشديد هناك من لا تزال تراودهم أحلام تلك "السيناريوهات الكارثية" مرة أخري، والأمر المؤكد أنهم "واهمون" لأن دماء الشهداء لا تزال ساخنة، والسيناريوهات المأساوية الماضية لا تزال حاضرة فى أذهان كل المصريين صغيرهم وكبيرهم، وقبل كل هذا وبعده فإن أحداث سوريا واليمن وليبيا لا تزال حاضرة أمام كل صاحب عقل تذكرنا بإخوة لنا يعانون شر المعاناة فى حياتهم اليومية بعد أن فقدوا الأمن والأمان وسقطت دولهم وتحولت إلى دول "فاشلة" يتآمر عليها الأعداء فى الداخل والخارج. من الضرورى التصدى لتلك "الروائح الكريهة" وعدم الهروب منها، وتطهيرها وتجفيف منابعها، دون أن يعطل ذلك خطط الإصلاح على كافة الأصعدة، وهذا هو المهم.