سد النهضة بين "المراوغة" وحسن "النيات"!

نشر بالاهرام الاحد الموافق 13/10

أتمنى أن يكون حصول رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد, على جائزة نوبل للسلام دافعًا قويًا له على تحقيق الاستقرار فى القارة السمراء، والالتزام بالاتفاقيات الدولية للأنهار، وإنهاء حالة "المراوغة"، و"المماطلة"، و"التسويف"، فى حسم الخلافات العالقة حول قواعد الملء والتشغيل لسد النهضة، بما يؤدى إلى عدم وقوع أى أضرار بدولتى المصب (مصر والسودان).
البداية تكمن فى احترام اتفاق المبادئ الموقع بين مصر وإثيوبيا والسودان الذى أكد فى ديباجته أهمية نهر النيل كمصدر للحياة، ومصدر حيوى لتنمية شعوب مصر وإثيوبيا والسودان، وألزمت فيه الدول الثلاث نفسها بعشرة مبادئ أساسية، تؤكد جميعها عدم وقوع أى ضرر بالدول الثلاث، خاصة دولتى المصب مصر والسودان، وتفهم الاحتياجات المائية للدول الثلاث، واحترام مبادئ القانون الدولى فى إطار من التعاون والتفاهم وحسن النيات.
للأسف الشديد منذ توقيع اتفاقية إعلان المبادئ ولم يكن هناك سوى المماطة والتسويف من الجانب الإثيوبي، وتعمد تعطيل اللجان المنبثقة عن هذا الإعلان، وإذا حدث وانعقدت تلك اللجان، فإنها تنتهى كما بدأت، دون التوصل إلى خطوات عملية ملموسة، وظلت المحادثات هكذا تراوح مكانها، دون تقدم حقيقى حتى قدوم رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد، الذى استبشرنا به خيرًا، حينما مد يده بالسلام إلى جيرانه فى إريتريا والصومال، وقام بزيارة مصر فى شهر رمضان قبل الماضى بعد توليه المسئولية بعدة أشهر، وأكد خلال الزيارة بشكل قاطع وعلنى حرص إثيوبيا على الحفاظ على حصة مصر من المياه، ليس هذا فقط لكنه أكد ضرورة العمل على زيادتها. كان هذا تطورًا إيجابيًا ملموسًا وقتها، لإن الحديث كان واضحًا وصريحًا حول حق مصر فى الحفاظ على حصتها من المياه، فى إطار سعى رئيس الوزراء الإثيوبى الحالى إلى السلام، ورفض لغة الصراع والتضارب بين الشعوب، وهى السياسة التى تتبناها مصر ويحرص عليها الرئيس السيسى منذ توليه المسئولية، وقام بفتح الجسور مع إثيوبيا، وترجم ذلك إلى توقيع اتفاق المبادئ بالخرطوم ليقطع خطوط الشك وعدم الثقة بين الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا)، وفى الوقت نفسه، فإن هذا الاتفاق كان ترجمة للاتفاقيات الدولية ذات الصلة. حيث أكد ضرورة اتفاق الدول الثلاث على الخطوط الإرشادية الرئيسية، وقواعد الملء الأول للسد، وقواعد التشغيل، وضرورة التزام الجانب الإثيوبى بإخطار دولتى المصب بالإطار الزمنى للتنفيذ، وأى ظروف غير منظورة أو طارئة تستدعى إعادة الضبط لعملية تشغيل السد.
كان من المتوقع ترجمة الروح الإيجابية والتصريحات الواضحة لرئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد فى اجتماعات القاهرة فى رمضان قبل الماضى إلى خطوات ملموسة على الأرض فى المحادثات الدائرة بين الأطراف الثلاثة، إلا أن الجانب الاثيوبى استمر فى نفس مسلك "المراوغة" و"المماطلة" و"التسويف" وتعطيل الاجتماعات، تحت مبررات وحجج واهية مستغلا فى ذلك الوضع فى السودان والثورة فيه، وانتقال نظام الحكم من البشير إلى ما بعده، إلا أن هذا لم يكن سوى مبرر "للمراوغة" الإثيوبية، ومحاولتها فرض أمر واقع غير مقبول على دولتى المصب.
لو كانت إثيوبيا تريد إنجاز الاتفاقيات المعلقة لأنجزتها لأن المشكلة ليست فى مصر أو السودان، وإنما المشكلة فى الموقف الإثيوبى "المراوغ" والذى يتعارض مع الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الأنهار، ويتعارض أيضا مع اتفاق إعلان المبادئ الذى أكد فى بنده الثانى مبدأ عدم التسبب فى ضرر ذى شأن لأى دولة من الدول الثلاث، وأن الدولة المتسببة فى إحداث الضرر، عليها اتخاذ جميع الاجراءات المناسبة بالتنسيق مع الدولة المتضررة لتجفيف ومنع هذا الضرر، ليس هذا فقط بل إن هذا المبدأ تطرق أيضا إلى مناقشة مسألة التعويض عن هذا الضرر كلما كان ذلك مناسبا.
مصر هى الدولة المتضررة من أفعال إثيوبيا ومماطلتها فى تنفيذ هذا الاتفاق وتجاهل إثيوبيا للقانون الدولي، وبالتالى فقد أصبح من الضرورى مراجعة إثيوبيا لمواقفها وسياستها وعدم الاستمرار فى تلك السياسة التى باتت مكشوفة وواضحة وتفضح النيات الإثيوبية السيئة فى محاولة فرض أمر واقع أيا كانت نتائجه وأضراره، وهو الأمر غير المقبول، ويتنافى مع كل الاتفاقيات الدولية، واتفاق إعلان المبادئ الثلاثي، وتصريحات وتأكيدات رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد فى كل المواقف والمناسبات والاجتماعات.
بعكس ما يحاول البعض إشاعته لأغراض خبيثة فإن اتفاق إعلان المبادئ هو إنجاز حقيقى إضافى لمصر وموقفها الدولي، لأنه وضع التزامات محددة على الجانب الإثيوبى تجاه دولتى المصب، وأكد ضرورة احترام مبدأ الاستخدام المنصف والمناسب للمياه، وهى المادة الرابعة فى إعلان المبادئ والتى تصب فى صالح الموقف المصرى تماما لأن مصر تعانى من الندرة المائية وتعتمد كاملا على مياه النيل فى وقت تحظى فيه إثيوبيا بثروة مائية هائلة ويسقط عليها ما يقرب من 936 مليار متر مكعب من الأمطار سنويا، ويوجد بها 10 أحواض أنهار بخلاف النيل الأزرق.
منذ توقيع اتفاق إعلان المبادئ فى الخرطوم عام 2015جرت مياه كثيرة بين الدول الثلاث، واتخذت المفاوضات أشكالا عديدة، وأطرا سياسية مختلفة عملت من خلالها مصر على إتاحة المجال للتوصل إلى اتفاق حول ملء وتشغيل سد النهضة، ومن بين هذه الآليات تم عقد العديد من القمم بين قادة الدول الثلاث وآخرها القمة الثلاثية فى أديس أبابا فى فبراير 2019، وكذلك الآلية التساعية التى ضمت وزراء الخارجية و الرى ومديرى أجهزة المخابرات فى الدول الثلاث، والآلية السداسية التى ضمت وزراء الخارجية والرى إلى جوار الاجتماعات العديدة التى عقدت على مستوى وزراء الرى بالدول الثلاث، وكان آخرها فى الخرطوم يومى 4 و5 أكتوبر الحالي، إلا أنه لم تسفر كل هذه الاجتماعات عن اتفاق واضح وملموس، وكان الجانب الإثيوبى هو الذى يقف دائما وراء فشل الاجتماعات بسبب تعنته وعدم تجاوبه مع المساعى المصرية الصادقة والمخلصة للتوصل إلى اتفاق يضمن حق إثيوبيا فى توليد الكهرباء، وفى الوقت نفسه يحفظ حقوق مصر المائية فى مياه النيل الذى يمثل شريان الحياة الوحيد لأكثر من 100 مليون مصرى.
كل السيناريوهات الآن تشير إلى ضرورة تفعيل المادة العاشرة من إعلان المبادئ والتى تشير إلى قيام الدول الثلاث بتسوية منازعاتها الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقا لمبدأ حسن النيات، وإذا لم تنجح الأطراف فى حل الخلاف من خلال المشاورات أو المفاوضات فيمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق، أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول ورؤساء الحكومات.
فى ظل التعنت الإثيوبى لم يعد هناك مفر من الوسيط الدولى إلا إذا تراجعت إثيوبيا عن مواقفها المتعنتة وغير المفهومة وبادرت بتنفيذ الاتفاقيات الدولية واتفاق إعلان المبادئ، فما هى الخطوات المتوقعة فى إطار البحث عن الوسيط الدولي؟
تحدثت إلى الوزير سامح شكرى وزير الخارجية الذى كان واضحا كعادته فى هذا الملف فأشار إلى أنه بعد 4 سنوات من الصبر لم يعد هناك مفر من الوسيط الدولى للوصول إلى حل عادل يضمن حقوق جميع الأطراف، مشيرا إلى أن دور الوسيط هو إقرار المعايير العلمية المتفق عليها فى الاتفاقيات الدولية واتفاق إعلان المبادئ، بما يضمن حقوق مصر المائية حاليا ومستقبلا، وفى الوقت نفسه يضمن حق إثيوبيا فى توليد الكهرباء من سد النهضة، وذلك طبقا للعمليات الحسابية المدققة والتى قامت بها مكاتب وشركات عالمية متخصصة.
وأضاف الوزير سامح شكري، خلال الفترة الماضية ومنذ توقيع اتفاق إعلان المبادئ، والرئيس عبد الفتاح السيسى يتابع بنفسه هذا الملف، وقمنا بالتعاون مع بعض الشركات والمكاتب العلمية العالمية المتخصصة فى هذا الشأن لإعداد الدراسات اللازمة لقواعد الملء والتشغيل، وتحملت مصر كامل تكاليف تلك الدراسات، ووضعتها تحت تصرف اللجان المعنية المشاركة فى التفاوض بين الدول الثلاث، إلا أنه فى كل مرة كان الجانب الإثيوبى يصر على "المراوغة" و"التعنت" مما يؤدى إلى فشل التوصل إلى حل، مشيدا بالموقف السوداني، ووحدة الموقف المصرى والسودانى فى هذه القضية الحيوية من منطلق وحدة المسار والمصير بين شعبى وادى النيل.
قلت: ماذا لو استمر الجانب الإثيوبى فى تعنته ورفضه للوساطة الدولية كما حدث فى البنك الدولي؟!
أجاب الوزير سامح شكري: هذا يؤكد تعنت إثيوبيا، ورفضها لما جاء فى اتفاق إعلان المبادئ، وسوف نبدأ اتخاذ العديد من الخطوات إذا حدث ذلك مثل مخاطبة المنظمات الدولية، ومنها الاتحاد الإفريقى والجامعة العربية، والجمعية العامة للأمم المتحدة، وكل ما يؤدى إلى ضمان حقوق مصر المائية وفقا للاتفاقيات الدولية واتفاق إعلان المبادئ.
> وهل هناك جدول زمنى لتلك التحركات؟
أجاب: فبراير أو مارس المقبلان على الأكثر.. لابد أن نكون أمام رؤية واضحة ومحددة ونتمنى التوصل إلى اتفاق خلال تلك الفترة من خلال الوسيط الدولى أو المنظمات الأممية أو المحادثات المشتركة.. المهم التوصل إلى اتفاق عاجل وسريع يحفظ حقوق دولتى المصب المائية، ولا يتعارض مع حق إثيوبيا فى التنمية.
أعتقد أن الكرة الآن فى الملعب الإثيوبى فهى إما تريد السلام والاستقرار فى إفريقيا، أو أنها تصر على انتهاك القانون الدولى واتفاق إعلان المبادئ بما يؤدى إلى عواقب سلبية وخيمة على الاستقرار فى المنطقة، فهل يكون حصول آبى أحمد رئيس الوزراء الإثيوبى على جائزة نوبل للسلام دافعا له على تجاوز تلك الأزمة من أجل التعايش المشترك والخير والسلام لكل دول حوض النيل أم يستمر التعنت الإثيوبى واستفحال الأزمة؟.
الإجابة لدى الجانب الإثيوبي.

Back to Top