مأزق الحكومة الإسرائيلية يخيم على القضية الفلسطينية.. بقلم عبدالمحسن سلامة
مع انتهاء المدة الممنوحة لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو لتشكيل الحكومة الجديدة التى كلفه بتشكيلها الرئيس الإسرائيلي، لا تزال السيناريوهات مفتوحة حول الخروج من مأزق تشكيل الحكومة، وهل تنجح مفاوضات الساعات الأخيرة فى وصول إلى اتفاق ما بين نيتانياهو وزعيم تحالف "أبيض أزرق" بينى جانتس أم يتم تكليف جانتس بتشكيل الحكومة.. ام ينتهى الأمر بفشل المفاوضات والدعوة إلى انتخابات جديدة؟! سيناريوهات متعددة كلها تؤكد حجم الأزمة التى تكاد تصيب إسرائيل بالشلل التام الآن، وخلال الفترة المقبلة، سواء فشلت محاولات التشكيل أو حتى فى حالة نجاح تشكيلها تحت أى مسمي، لأنها سوف تكون حكومة تكاد تكون "مشلولة" تنتظر رصاصة الرحمة فى أى وقت للعودة إلى سيناريو الانتخابات مرة أخري. فى ظل هذه الأوضاع يزداد تطرف بنيامين نيتانياهو ضد كل ما هو فلسطينى سواء فى الأراضى المحتلة أو ضد عرب 48 ليزيد من حدة العداء والاستقطاب داخل إسرائيل فى محاولة لإنقاذ حزبه ونفسه، من خلال تصويت سهام الخيانة والتفريط لكل الأصوات المعتدلة داخل المجتمع الإسرائيلي. لم يعد نيتانياهو "يشبع" من التهام الأراضى الفلسطينية قطعة وراء قطعة، وبعد القدس يتحول الآن إلى منطقة لاغوار التى تبلغ مساحتها ما يقرب من 400 كيلو متر مربع وتمتد منطقة الأغوار على مساحة 1.6 مليون دونم بمحاذاة الحدود الأردنية وتشكل ما يقارب 30% من مساحة الضفة الغربية، وقد تعهد نيتانياهو بضم غور الأردن، بل إنه قام بعقد اجتماع للحكومة الإسرائيلية فى منطقة الأغوار قبيل إجراء الانتخابات فى محاولة "دنيئة" لكسب أصوات الناخبين. ربما لن يكون هناك فارق كبير بين نيتانياهو، وجانتس فى التعامل مع الملف الفلسطيني، لكن مشكلة نيتانياهو أنه أصبح أكثر تطرفا وعنفا فى التعامل مع هذا الملف، وأصبح "الهاجس الأمني" هو مصدر شرعيته الوحيد خاصة بعد تعدد اتهامه فى قضايا الفساد، وانتظار صدور لائحة اتهام ضده فى تلك القضايا، مما قد يضع نهاية لمشواره السياسى بعد أن أصبح من أكثر رؤساء الوزراء الإسرائيليين استمرارا فى منصبه منذ قيام دولة إسرائيل. أعتقد أن المشكلة ليست فى نيتانياهو أو جانتس بقدر ما هى فى الموقف الفلسطينى المنقسم على نفسه منذ مدة، وبالتحديد منذ أن بدأ صراع الأشقاء فى صيف عام 2007 بعد أن انفصلت حركة حماس بغزة، عن سلطة الحكومة الشرعية الفلسطينية فى الضفة وأصبح هناك سلطتان سياسيتان وتنفيذيتان، إحداهما فى غزة تحت سيطرة حماس، وأخرى فى الضفة تحت سيطرة حركة فتح والحكومة الفلسطينية الشرعية. لم تفلح محاولات المصالحة بين الأطراف الفلسطينية المتنازعة بسبب تعنت حركة حماس ورفضها "الانضواء" تحت راية الشرعية الفلسطينية، وتمسكها بمطامع السلطة وأضغاث أحلامها رغم أنه لا توجد "سلطة حقيقية" فى وجود محتل غاشم يتلذذ بالتهام الأراضى الفلسطينية، وكأنه مصاص دماء يزداد شراسة كلما التهم المزيد من الدماء. ازداد الموقف تعقيدا مع اندلاع الثورات فى المنطقة العربية فى نهاية عام 2010 وبداية عام 2011فى تونس، ثم فى مصر وليبيا وسوريا واليمن وهى الثورات التى ألقت بظلالها على المنطقة كلها بشكل أو بآخر، وأدت إلى انكفاء الدول العربية على مشكلاتها الداخلية، وأدت إلى خروج العديد من الدول الرئيسية من المواجهة مع إسرائيل، وأصبحت إسرائيل فى أفضل مكان دافئ منذ تأسيسها، وقامت بضم الجولان، ولم يتحرك أحد، ومن قبلها قام الرئيس الأمريكى ترامب بنقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس بمنتهى البساطة ودون مقاومة باستثناء بعض "الأصوات الخافتة" التى ذهبت إدراج الرياح، ولم تفلح فى تغيير الموقف أو حتى مجرد إعادة التفكير فيه. للأسف الشديد الإدارة الأمريكية ماضية فى دعمها اللامحدود لإسرائيل فى التهام الحقوق الفلسطينية، وقد عكس حديث السفير الأمريكى لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، لإذاعة المستوطنين "القناة السابعة"، فى الأسبوع الماضى هذا المفهوم حينما أكد أن إدارة ترامب لم تعترض على أى مشروع استيطانى على الإطلاق، وأنها اعترفت بضم الجولان إلى إسرائيل، واعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل، واختتم تصريحاته بأنه سوف يتم الإعلان عن صفقة القرن حينما تقوم حكومة مستقرة فى إسرائيل. للأسف الشديد فإن صفقة القرن ربما تكون صفعة القرن للقضية الفلسطينية، لأنها "صفقة هلامية"، لا تعترف بالقدس أو اللاجئين، وتتجاهل قضية المستوطنات، وتطلق أحلاما وهمية عن رؤية ضبابية لحل المشكلات الاقتصادية، وإيجاد كيانات فلسطينية مجتزأة فى الضفة وغزة، وذلك طبقا للتسريبات التى يتم تداولها بشأن تلك الصفقة "الغريبة والمريبة". جلست الى رئيس الوزراء الفلسطينى د.محمد اشتيه فى أثناء زيارته الأخيرة مصر، وهو سياسى واقتصادى وأكاديمى فلسطينى بدأ العمل صحفيا فى جريدة الشعب ثم استاذا وعميدا فى جامعة "بير زيت" وشارك فى مفاوضات مدريد ومباحثات واشنطن، والأهم من ذلك كله أنه يملك رؤية متكاملة لإدارة الصراع الفلسطينى الإسرائيلي، تفتح باب الأمل للتوصل إلى ضوء فى نهاية النفق المظلم الحالى للقضية الفلسطينية. البداية تكمن فى الوحدة الفلسطينية، وضرورة وحدة الصف الفلسطيني، فلا يمكن أن يكون هناك جسد واحد برأسين، وهذه هى الحالة الفلسطينية الآن، خاصة فى ظل انكفاء الكثير من الدول العربية على همومها الداخلية الآن، لذلك فإن الوحدة الفلسطينية هى البداية الطبيعية لتقوية الموقف الفلسطينية فى الداخل والخارج وحتى يمكن للحكومة الفلسطينيه الموحدة مواجهة الحكومة الإسرائيلية المقبلة أيا كان من يرأسها أو يشارك فيها. المشكلة أن حماس فى غزة تريد مشهدين، حكومة فوق الأرض، وأخرى تحت الأرض، وهو أمر غير مقبول ولامفهوم، ويحطم كل المحاولات المخلصة للمصالحة ولم الشمل التى تقوم بها مصر وتتظاهر حماس بقبولها لكنها تعرقلها على أرض الواقع.