الفرعون الشاب يغزو المملكة المتحدة!
لندن: عبدالمحسن سلامة
وسط أحداث بريطانيا المشتعلة، والانقسام ما بين مؤيد ومعارض بسبب "البريكست"، والاستعدادات لإجراء الانتخابات البرلمانية مبكرا فى 12 ديسمبر المقبل بعد أن وافق أغلبية أعضاء البرلمان البريطانى على إجراء تلك الانتخابات بأغلبية ساحقة بلغت 438 صوتا مقابل 20 صوتا، وسط كل تلك الأحداث الساخنة جاء الفرعون الذهبى الشاب توت عنخ آمون إلى بريطانيا عائدا مرة ثالثة إليها ليسحب البساط من تحت أقدام كل الأصوات الزاعقة فى العاصمة البريطانية ويطغى على كل أنواع الضجيج السياسى، ويهيمن على عناوين الصحف البريطانية ومقالات الكثير من الكتاب.
صور الفرعون المصرى تنتشر فى كل مكان بالعاصمة البريطانية سواء فى الميادين الرئيسية أو محطات المترو، ليعود الهوس البريطانى بالحضارة المصرية القديمة مرة أخرى مع قدوم الفرعون الشاب.
أمس الأول تم الافتتاح الرسمى لمعرض "كنوز توت عنخ آمون" فى قاعة ساتشى بمنطقة تشيلسى وسط لندن بحضور عدد كبير من كبار السياسيين والمثقفين والإعلاميين والسفراء العرب والأجانب، وأمس كان الافتتاح أمام الجمهور الذى قام بحجز أكثر من 250 ألف تذكرة قبل الافتتاح مسجلا رقما قياسيا أعلى مما حدث فى باريس قبل معرض الفرعون المصرى هناك الذى بلغ عدد زواره نحو مليون و423 ألف زائر فى مدة إقامة المعرض التى بلغت 180 يوما، وهو أيضا رقم قياسى يشير إلى حالة الهوس والإعجاب بكل ما هو مصرى قديم.
يزيد من اهتمام وسائل الإعلام المحلية والعالمية بمعرض توت عنخ آمون فى لندن المعلومات التى يتم تداولها بأنه ربما يكون ذلك المعرض هو آخر المعارض الخاصة للملك الذهبى فى الخارج، حيث من المقرر أن تتم إقامته بشكل دائم فى المتحف المصرى الكبير بعد عودته من لندن وبعد افتتاح المتحف.
أيضا فإن البريطانيين لهم علاقة خاصة بالفرعون الشاب، لأنه يرتبط لديهم بعالم الآثار الإنجليزى الشهير هوارد كارتر الذى اكتشف مقبرة الملك توت عنخ آمون فى وادى الملوك بالأقصر عام 1922.
منذ مائة عام أو أقل قليلا وبالتحديد منذ 97 عاما حينما تم اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون لاتزال أسراره مدفونة ويتم اكتشافها عاما بعد آخر ما جعله الفرعون الأشهر فى تاريخ مصر.
زاد من شهرته أنه مات صغيرا وهو لا يتعدى 18 عاما وتم اكتشاف مقبرته وكنوزه بالكامل دون أى تلف، وصاحب اكتشاف مقبرته انتشار ما تمت تسميته "بلعنة الفراعنة"، وهى الأسطورة التى تم الترويج لها فى العديد من الأفلام والمسلسلات المحلية والعالمية بسبب الألغاز الكثيرة التى صاحبت حياته وأحاطت بمماته.
كان توت عنخ آمون فى سن التاسعة من عمره حينما أصبح فرعون مصر فى القرن الرابع عشر قبل الميلاد (الأسرة الثامنة عشرة) وعاش وحكم مصر ما يقرب من 9 سنوات كاملة بعد الملك إخناتون الذى حاول توحيد آلهة مصر القديمة فى شكل الإله الواحد الأحد، إلا أنه فى عهده عادت عبادة آلهة مصر القديمة المتعددة ليطفئ نار الفتنة التى اشتعلت حينذاك.
بعد حياته القصيرة يظل لغز وفاة الفرعون الذهبى غامضا حتى الآن، ورغم الاجتهادات حول وفاته وهل مات نتيجة إصابته بالملاريا أم تم اغتياله؟ لا تزال هناك الكثير من الأسئلة الحائرة خاصة مع وجود آثار لكسور فى عظام الفخد والجمجمة، وزواج أحد وزرائه من زوجته.
على الجانب الآخر فإن هناك دراسات حديثة أشارت إلى أن سبب الوفاة هو إصابته بمرض الملاريا ومضاعفات كسر فى الساق، ووجود بعض الأمراض الوراثية الناتجة عن خلل جينى متوارث فى العائلة.
كل هذه الأسئلة الحائرة وغيرها جعلت من الملك الشاب حالة خاصة نادرة كانت وراء الهوس به فى كل محطة يصل إليها خارج مصر، وجعلت الملايين ينتظرون زيارته وإلقاء نظرة على كنوزه الخالدة.
كان معرض الملك تون غنخ آمون فى باريس واحدا من أكثر المعارض التى حطمت الأرقام القياسية السابقة على إقامته، حيث نجح فى استقطاب مليون و423 ألف زائر محطما بذلك كل أرقام المعارض فى باريس ليصبح هو الرقم الأضخم فى تاريخ تنظيم الفاعليات الثقافية فى فرنسا.
الإقبال الشديد اضطر القائمين على المعرض إلى فتح أبوابه بعد مواعيد العمل الرسمية أو حتى منتصف الليل، فى محاولة لاستيعاب القدر الأكبر من الأعداد الراغبة فى الزيارة.
معرض لندن المقام الآن مرشح هو الآخر لتحطيم الأرقام القياسية السابقة عليه بما فيها أرقام معرض باريس، حيث اصطف منذ صباح أمس الأول أكثر من 300 مراسل ومندوب لوسائل الصحافة والإعلام المحلية والعالمية فى بريطانيا ينتظرون لحظة الافتتاح الرسمى للمعرض التى أجريت مساء اليوم نفسه.
تشير كل المؤشرات الخاصة بالمعرض بحسب توقعات د.خالد العنانى، وزير الآثار، إلى أن معرض لندن سوف يتفوق على معرض باريس، حيث إن معدلات حجز المعرض قبل الافتتاح ـ والتى بلغت أكثر من 250 ألف تذكرة ـ فاقت معدلات الحجز فى باريس والتى لم تتجاوز 200 ألف تذكرة قبل الافتتاح .
مشيرا إلى أنه من حسن الطالع صدور قرار السلطات البريطانية برفع الحظر عن رحلات الطيران المباشر إلى مدينة شرم الشيخ ما سوف يعطى دفعة هائلة لتنشيط السياحة البريطانية العائدة بقوة إلى مصر خلال المرحلة المقبلة.
أيضا فإن افتتاح المعرض جاء مواكبا لانطلاق فعاليات بورصة لندن السياحية صباح غد، والتى تشارك فيها وزيرة السياحة د. رانيا المشاط، ليكون المعرض أكبر حدث دعائى للسياحة المصرية، خاصة بعد أن سيطرت أخبار معرض الفرعون الشاب على معظم وسائل الإعلام المحلية خاصة الصحف الكبرى، وحملات الدعاية للمعرض فى الشوارع والميادين ومحطات المترو.
سألت د. خالد العنانى وزير الآثار عن قصة الفرعون الشاب منذ اكتشافه حتى الآن، وهل رحلة بريطانيا سوف تكون رحلته الأخيرة خارج مصر؟
أجاب: اكتشاف مقبرة الملك الذهبى توت عنخ آمون كان فى نوفمبر 1922 عن طريق البعثة البريطانية بقيادة عالم الآثار البريطانى الشهير هوارد كارتر والذى كان يمولها اللورد الإنجليزى كارنرفون.
ظهرت ملامح الاكتشاف يوم 4 نوفمبر، وبعدها بأسابيع قليلة بدأ فتح المقبرة واستخراج ما فيها ليظل هذا الاكتشاف واحدا من أعظم وأكبر الاكتشافات الأثرية فى العالم، حيث تم اكتشاف أكثر من 5 آلاف قطعة أثرية تخص الأثاث الجنائزى، بالإضافة إلى المتعلقات التى وضعها الملك الشاب لاصطحابها أثناء بعثه فى العالم الآخر.
جزء كبير من الآثار التى تم اكتشافها كان عبارة عن آثار من الذهب الخالص، وأخرى مطعمة بالذهب، وأشهر الآثار الذهبية هو قناع الملك الشاب وهو من الذهب الخالص ويزن أكثر من 10 كيلو جرامات وموجود بالمتحف المصرى بميدان التحرير، كما يوجد تابوت من الذهب الخالص يزيد على أكثر من 100 كيلو جرام، بالإضافة إلى اثنين من التوابيت الخشبية المذهبة.
إلى جوار ذلك هناك العديد من القطع الأثرية عبارة عن العجلات الحربية وكرسى العرش، والأسرة الجنائزية، وكلها قطع مطعمة بالذهب.
بدأت معارض توت عنخ آمون تجوب العالم منذ الستينيات وبدأت فى فرنسا واليابان وأمريكا وبريطانيا ودول أخرى كثيرة وحققت كل هذه المعارض نجاحات مذهلة بسبب الهوس العالمى بكل ما هو مصرى خاصة ما يتعلق بحضارة مصر الفرعونية.
زار توت عنخ آمون العاصمة البريطانية لندن مرتين من قبل فى عامى 1972، و2007، وفى كل مرة كان يحقق نجاحا مذهلا، وهذه هى الرحلة الثالثة للفرعون الذهبى إلى العاصمة البريطانية ضمن جولته العالمية التى شملت لوس أنجلوس، وباريس.
وأضاف د.خالد العنانى: فيما يخص التوقعات المقبلة لتحركات الفرعون الشاب، وهل يستقر بشكل دائم فى المتحف الكبير، أم تستمر تحركاته، فهذا موضوع سابق لأوانه، لأن المعرض المتحرك لا يضم كل المقتنيات الخاصة بالفرعون الشاب، وإنما يضم أجزاء من هذه المقتنيات لا تتجاوز 150 قطعة فقط، فى حين توجد باقى المقتنيات فى القاهرة، وبالتالى فإنه من السابق لأوانه إصدار قرار نهائى بشأن ذلك، لأن الفرعون الشاب يعتبر أفضل دعاية لمصر وحضارتها وقوتها الناعمة، مشيرًا إلى أنه يتم اتخاذ كل الإجراءات الصارمة لحماية هذا الكنز الأثرى، وأخذ كل الضمانات الحكومية الرسمية من الدول التى يسافر إليها الملك المصرى.
القصة ليست مجرد عائد مادى فالعائد المادى لهذا المعرض أو المعارض السابقة لا يتجاوز 10 ملايين دولار فى كل معرض أى ما يوازى 160 مليون جنيه مصرى، وهو رقم متواضع لا يساوى شيئًا فى ميزانية وزارة الآثار، لكن هناك مردودا آخر أكثر إيجابية، وهو الدعاية الهائلة لمصر وحضارتها بما ينعكس إيجابيًا على حركة السياحة والسفر إلى مصر، وبما ينعكس إيجابيًا أيضا على العلاقة مع الدول والشعوب التى يزورها الفرعون الشاب.
سألته عن إجراءات المتابعة والسلامة والتأمين من جانب الوزارة للمعارض التى تتم إقامتها فى الخارج لتجنب أى محاولة للتلاعب والسرقات؟
أجاب: هناك متابعة صارمة ورقابة يتم من خلالها متابعة كل التفاصيل الدقيقة، ولم تسجل أى مخالفات سابقة فى هذا الإطار، حيث تقوم كل الجهات المعنية بالمشاركة فى الرقابة والمتابعة والتأمين، مشيرًا إلى أن قيمة التأمين على هذا المعرض بلغت 864 مليون دولار، بما يوازى 15 مليار جنيه مصرى.
وماذا عن افتتاح المتحف المصرى الجديد والمتاحف الأخرى والبرنامج المتوقع خلال الفترة المقبلة؟
أجانب د.خالد العناني، وزير الآثار: فى مصر الآن أكبر حركة لإنشاء المتاحف على مستوى العالم، وهذا الأمر طبيعى لأن مصر أكبر دولة فى العالم فى مجال ملكية الآثار حيث تملك أكثر من ثلث آثار العالم، ومن المقرر أن تكون هناك سلسلة من الافتتاحات خلال المرحلة المقبلة تبدأ فى نهاية العام الحالى بمتحف الغردقة، ثم متحف شر الشيخ فى بداية العام المقبل، ثم افتتاح المرحلة الأولى من المتحف المصرى الكبير أكبر متاحف العالم الأثرية، والذى من المقرر أن يستوعب أكثر من 5 ملايين زائر سنويا.
وأضاف قائلًا: ما حدث خلال الأعوام القليلة الماضية منذ ولاية الرئيس عبد الفتاح السيسى لم يحدث طوال عقود، بسبب الدعم الحكومى اللا محدود لقطاع الآثار مما انعكس إيجابيا على سياسة التوسع فى إقامة المتاحف، وترميم وافتتاح المتاحف التى كانت مغلقة، مشيرا إلى أن الجديد الآن هو وضع خطة متكاملة لتسويق الأماكن الأثرية بحيث تتحول إلى أماكن نزهة حقيقية للعائلات المصرية والأجنبية.
التصور الجديد قائم على إقامة مناطق للمطاعم والكافيهات بشكل يتناسب مع تلك المناطق الأثرية، وبما يسهم فى تحويلها إلى أماكن جاذبة للراغبين فى الذهاب إليها لقضاء يوم سياحى كامل، وليس مجرد زيارة قصيرة لبعض الوقت.
الخطة بدأت فى الأهرامات، والقلعة، وبعض المناطق الأخري، وهناك تجهيزات خاصة للمتحف المصرى الكبير بحيث تصبح تلك المناطق الأثرية على غرار المناطق الأثرية والمتاحف العالمية، وذلك ضمن خطة تنمية وعى الشعب المصرى بحضارته وجذوره التاريخية، وهذا هو المهم.