الحياة تطارد الموت على أرض سيناء
بقلم: عبدالمحسن سلامة
فى العام الماضى أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى العملية الشاملة فى سيناء، وبالتحديد فى 9 فبرابر 2018، حينما بدأت القوات المسلحة والشرطة حملة عسكرية شاملة، للقضاء على الجماعات التكفيرية فى سيناء، ومناطق أخرى بدلتا مصر، والـظهير الصحراوى غرب وادى النيل، وشارك فى العملية الشاملة العديد من أفرع القوات المسلحة، والشرطة المصرية بهدف تدمير بؤر وأوكار العناصر الإرهابية فى شمال ووسط سيناء، وفى الوقت نفسه، حماية المناطق السكنية وحماية مواطنى تلك المناطق.
صدر البيان الأول للعملية الشاملة صباح الجمعة 9 فبراير والذى أشار فيه المتحدث الرسمى للقوات المسلحة حينذاك إلى قيام القوات المسلحة وقوات الشرطة بتنفيذ خطة المجابهة الشاملة للعناصر والتنظيمات الإرهابية والإجرامية بشمال ووسط سيناء ومناطق أخرى من أجل تطهير تلك المناطق من البؤر الإرهابية، وتحصين المجتمع المصرى من شرور الإرهاب والتطرف، بالتوازى مع مجابهة الجرائم الأخرى ذات التأثير على الأمن والاستقرار الداخلي.
منذ ذلك الوقت جرت مياه كثيرة وتغيرت الحال تمامًا فى تلك المناطق التى استهدفتها العملية الشاملة، وبعد أن كانت تلك المناطق مناطق للموت والخراب ينعق فيها "الغربان"، و"خوارج العصر" من أجل أن تتسع مناطق نفوذهم، وإقامة ولاية داعش فى سيناء، لتصدير الموت والخراب إلى باقى الأراضى المصرية، تغيرت الأحوال وتبدلت تمامًا، وعادت الحياة من جديد إلى وسط وشمال سيناء، وانحسر الإرهاب إلى أدنى معدلاته فى تلك المناطق، وغيرها من المناطق الأخرى فى الوادى والدلتا.
تغلبت إرادة الحياة على الموت فى سيناء، وبعد أن كانت رائحة الموت تخيم على الأجواء فى احتفالات المولد النبوى الشريف فى العام قبل الماضى، نتيجة الهجوم الإرهابى البشع الذى أسفر عن مقتل 311 شخصًا من أبناء سيناء العزيزة، كانوا يؤدون صلاة الجمعة فى مسجد الروضة بمركز بئر العبد، فيما عرف بـ"مذبحة المصلين" نجح الشعب المصرى وفى القلب منهم أبناء سيناء مع القوات المسلحة والشرطة فى "وأد" تلك الروح الشريرة، لتعود الحياة ترفرف من جديد فى احتفالات هذا العام، وتعلن بقوة الثأر للشهداء وانتصار الحياة على الموت بعد أن دبت حركة التعمير بقوة فى مشهد غير مسبوق هناك.
فى مصنع السويس للصلب يوم الثلاثاء الماضى كان الموعد مع إنجازات وافتتاحات جديدة وخلاله أشار الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى أن الدولة ضخت استثمارات خلال السنوات الماضية، بلغت نحو 800 مليار جنيه، فى إطار خطة الدولة لتعمير وتنمية سيناء، وتحويلها إلى منطقة جذب للاستثمارات والسكان.
شبة جزيرة سيناء تقع فى الجزء الشمالى الشرقى من مصر، وتربط ما بين آسيا وإفريقيا، مما يضفى خصوصية شديدة التميز على موقعها الجغرافى، وتبلغ مساحتها 60 ألف كيلو متر مربع بنسبة 6% من إجمالى مساحة مصر، فى حين لا يسكنها سوى نصف مليون نسمة تقريبًا، موزعين على الشمال والجنوب، فى وقت يتكدس فيه السكان فى الوادى والدلتا.
لكى تستوعب سيناء حصتها العادلة من السكان، والتى لا تقل عن 6 ملايين مواطن بحسب عدد سكان مصر البالغ نحو 100 مليون نسمة تقريبا، فإنه كان من الضرورى تذليل كل العراقيل التى تحول دون تدفق المواطنين إلى سيناء، وتوفير أدوات الجذب التنموى والسكانى والعمراني.
البداية كانت تكمن فى صعوبة التنقل من وإلى سيناء، ورغم وجود نفق الشهيد أحمد حمدى، وكوبرى السلام فإنهما لم يعودان يستوعبان حركة التنقل، مما أدى إلى تحول عملية الانتقال من وإلى سيناء إلى نوع من أنواع العذاب بعد تكدس السيارات والشاحنات مسافات طويلة، ولعدة ساعات، أمام الراغبين فى الانتقال من وإلى سيناء.
فى شهر مايو الماضى تم افتتاح المرحلة الأولى من مجموعة الأنفاق والكبارى التى تربط سيناء بالوطن الأم، وأعتقد أنه خلال الأيام القليلة المقبلة سوف يتم افتتاح المجموعة الثانية من الأنفاق بعد الانتهاء من كل أعمالها طبقا لأحدث المواصفات العالمية، وما تتطلبه من توافر شروط الأمن والسلامة، واستخدام أحدث التقنيات فى هذا الإطار مثل شبكات الإنذار والحريق، ومخارج الطوارئ، بالإضافة إلى إحكام السيطرة الأمنية، من خلال إنشاء مناطق تأمين فى المداخل والمخارج، واستخدام أحدث التقنيات للكشف على السيارات المحملة بالبضائع من خلال نظام أشعة (XRAY) لسرعة إجراءات التفتيش بعيدا عن التفتيش اليدوى ومشكلاته.
لم يقتصر الأمر على الأنفاق والكبارى التى تربط سيناء بالوطن الأم، وإنما امتد إلى إنشاء شبكة حديثة من الطرق التى تربط ما بين هذه الأنفاق والكبارى وباقى المناطق فى شمال سيناء وجنوبها.
يوم الثلاثاء الماضى تم افتتاح طريق شرم الشيخ الجديد الذى يمتد من نفق الشهيد أحمد حمدى حتى مدينة شرم الشيخ بطول 342كم ليكون بديلا للطريق القديم الذى كان يسمى "طريق الموت" لكثرة الحوادث التى كانت تقع عليه، وتم ربط الطريق الجديد بالقديم لرفع كفاءة الحركة وتحقيق الاستفادة القصوى من شبكة الطرق الجديدة.
الطريق الجديد تكلف 5.5 مليار جنيه، ومجهز بسبع مناطق خدمات متكاملة لخدمة المواطنين، حتى لا يكون طريقا مهجورا، يخشى المواطنون ارتياده نتيجة نقص الخدمات، كما كان يحدث فى معظم الطرق الجديدة سابقا.
الآن تغير مفهوم إنشاء الطرق، وأصبح هناك "تلازم" بين إنشاء الطرق الجديدة، وتوفير الخدمات بها من مطاعم، واستراحات، وخدمة سيارات، وكذلك توفير الخدمات الأمنية والعسكرية اللازمة لتوفير أقصى درجات الحماية والتأمين للمواطنين.
إلى جوار هذا الطريق هناك طريق آخر يربط بين الأنفاق وطابا بطول 350كم، تم الانتهاء من مرحلته الأولى التى تبلغ 15 كيلو مترا، ومن المتوقع انتهاء كل مراحله وافتتاحه فى يونيو 2020.
على الجانب الآخر يجرى الآن طرح مشروعات زراعية وسكنية لأول مرة للراغبين فى الإقامة الدائمة فى سيناء بهدف جذب ما يقرب من 3 ملايين مواطن مصرى لتعمير سيناء خلال المرحلة المقبلة.
المشروع الضخم الجديد يستهدف خلخلة الكثافة السكانية الرهيبة فى الوادى والدلتا، ومطاردة الإرهاب بالتعمير، ولتأكيد انتصار لغة الحياة على لغة الموت.
يتم الآن إنشاء 26 مجمعا تنمويا أوشكت على الانتهاء الآن فى سيناء، وهى تتضمن تخصيص 10 أفدنة مستصلحة، ومنزل للإقامة، لكل مستفيد، بالإضافة إلى توفير كل الخدمات الصحية والتعليمية فى كل مجمع من هذه المجمعات.
أبناء سيناء سوف تكون لهم النسبة الأكبر فى هذه المشروعات، وسوف يتم تخصيص النسبة الباقية للمواطنين من أبناء المحافظات الأخرى، ومن المقترح أن تتضمن شروط التمليك أن يكون المتقدم من أبوين مصريين، ولا يحمل جنسية أخرى، وأن يتراوح عمره ما بين 21 و50 عاما، وألا يكون موظفا فى الحكومة أو قطاع الأعمال، ولا يحق له التصرف فى الأراضى دون موافقة كتابية من الجهة المسئولة وبعد سداد كامل الثمن.
هذه المجمعات سوف تسهم فى جذب الكثافة السكانية إلى سيناء لنشر الخير والنماء بدلا من توطين البؤر الإرهابية التى تنشر الخراب والدمار والموت.
كل هذه المشروعات وغيرها تأتى فى إطار استراتيجية تعمير سيناء التى يتم تنفيذها الآن وتستهدف توفير ما يقرب من مليونى فرصة عمل، ورفع نصيب سيناء من الدخل القومى إلى 4.5%.
إذن هى إرادة الحياة التى انتصرت على إرادة الموت فى سيناء لتنتهى تخاريف ولاية داعش إلى الأبد وتعود سيناء إلى حضن الوطن عزيزة قوية مشاركة فى الخير والنماء لكل المصريين.