النموذج الأولي بالرعاية فى العلاقات العربية ـ العربية
بقلم: عبدالمحسن سلامة
أعتقد أن العلاقات المصرية ـ الإماراتية تصلح أن تكون نموذجا يحتذى به في العلاقات العربية ـ العربية لما تتمتع به من استقرار ومكانة ونمو مستمر منذ عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الامارات العربية، والذى كان قائدا شجاعا وزعيما ملهما محبا للعرب عموما، ولمصر خصوصا، وصاحب أول تجربة عربية وحدوية حينما نجح فى تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1968. أيضا نجح الشيخ زايد فى تأسيس علاقة إستراتيجية مع مصر اتسمت بالصدق والوضوح والاخلاص، وكان له العديد من المواقف القوية والواضحة فى مساندة مصر فى صراعها ضد العدوان الإسرائيلى وهو صاحب مقولة "النفط العربى ليس أغلى من الدم العربى".. وحينما اتخذت مصر السلام مسارا وطريقا استمرت الامارات فى علاقاتها المتميزة مع مصر، وكأنه كان يقرأ المستقبل ـ كما فعل الزعيم الراحل أنور السادات، وأكدت الأيام والأحداث عبقرية الرئيس الراحل أنور السادات، وبعد نظر المغفور له الشيخ زايد آل نهيان. الآن تمر العلاقات المصرية ـ الإماراتية بأفضل مراحلها على الاطلاق نتيجة التقارب الشديد بين القيادتين المصرية والاماراتية بما يسهم فى تعزيز التعاون العربى المشترك، والوقوف كحائط صد أمام مخاطر الإرهاب التى تجتاح المنطقة، والعالم، في وقت تورطت فيه بعض الدول الأخرى فى دعم الإرهاب ومحاولة اشعال نيران الفتن والمؤامرات. زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى لدولة الامارات العربية الشقيقة الأخيرة خلال الأسبوع الماضى، جاءت في توقيت شديد الحساسية والأهمية فى آن واحد، حيث سبق الزيارة بأيام قليلة توقيع اتفاق الرياض في الخامس من نوفمبر الحالى بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبى، وهو الاتفاق الذى رحبت به مصر والإمارات علي اعتبار أنه يأتى في إطار الجهود التى تحافظ على وحدة وسيادة اليمن، ويراعى مصالح الشعب اليمنى فى استعادة أمنه واستقراره، ووقف التدخلات الأجنبية فيه. هذا الاتفاق أطفأ نيران فتنة كان البعض يحاول إثارتها لتوسيع هوة الشقاق بين دول التحالف فى اليمن لكى تستمر الأوضاع المأساوية التى خلفها انقلاب الحوثيين علي الشرعية هناك وجاء اتفاق الرياض ليعيد الأمور إلى مسارها الطبيعى ويوحد الجهود في مواجهة الانقلاب الحوثى. كان للجانبين ايضا موقف موحد من الأزمة الليبية ورفض كل المظاهر المسلحة والجماعات الإرهابية والميليشيات المتطرفة، وتأكيد الدعم الكامل للجهود التى يبذلها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة غسان سلامة فى سبيل التوصل لحل الأزمة. الموقفان المصري والإماراتى متطابقان فى مواجهة الأزمة الليبية المتصاعدة منذ سقوط نظام الزعيم الليبى معمر القذافى منذ نحو 8 سنوات، وهو الموقف المساند للدولة الوطنية وللجيش الليبى الموحد حتى تستعيد ليبيا عافيتها وتنفض عن كاهلها غبار الجماعات الإرهابية والمتطرفة، وتعود إلى دورها العربى والإقليمى. تطرق الجانبان أيضا إلى أزمة سد النهضة، تلك الأزمة التى افتعلها الجانب الإثيوبى بمواقفه غير الواضحة وانتهاجه سياسة المماطلة والتسويف، ومحاولة فرض الأمر الواقع، وقد أكد الجانبان ترحيبهما بالوساطة الأمريكية، وأكدا وحدة موقفهما من تلك الأزمة، وضرورة التوصل إلى اتفاق وحل نهائى لهذه المشكلة بحد أقصى قبل منتصف يناير المقبل وفقا لما تم الاتفاق عليه فى اجتماعات واشنطن الوزارية الأخيرة. فى المقابل، ساندت مصر الإمارات في موقفها من احتلال الجزر الثلاث "طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبوموسي"، وأكد الجانبان سيادة دولة الإمارات على تلك الجزر المحتلة من جانب إيران، ودعوة الجانب الإيرانى إلى الاستجابة لنداء السلام الإماراتى بايجاد حل سلمى لقضية الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة، إما من خلال المفاوضات المباشرة أو باللجوء إلى محكمة العدل الدولية. موقف محترم من جانب الإمارات العربية المتحدة، يضع إيران في موقف حرج لأن الإمارات تدعو للسلام، وفى الوقت نفسه تفتح الباب أمام جميع الحلول، ولو كانت إيران جادة فى السلام فعلا فعليها أن تقبل على الأقل باللجوء إلى محكمة العدل الدولية إذا كانت ادعاءاتها صحيحة بأحقيتها فى تلك الجزر، وساعتها سوف تفصل المحكمة بالأدلة والمستندات والأوراق كما فعلت مصر فى قضية طابا مع إسرائيل، وحكمت المحكمة وأقرت بأن طابا أرض مصرية وعادت إلى مصر، وكانت آخر محطات السلام بين مصر وإسرائيل. ولأن الأحداث قد اشتعلت فجأة فى الأراضى الفلسطينية وحدث عدوان إسرائيلى على غزة تم وقفه بتدخل مصرى للحفاظ على الدماء الفلسطينية،
ايضا، فقد ارتفع حجم التبادل التجارى بين مصر والامارات ليصل إلى 3.3 مليار دولار خلال العام الماضى بزيادة 50% عما كانت عليه فى عام 2015، وتبلغ قيمة الصادرات المصرية إلى الامارات نحو مليارى دولار في العام الماضى فى حين بلغت الواردات منها نحو 1.3 مليار دولار. هذه المؤشرات تؤكد عمق وقوة الشراكة المصرية - الاماراتية مما انعكس على زيادة التبادل التجارى غير النفطى فيما بين الدولتين بنسبة زيادة بلغت14.6% فى العام الماضى على العام الذى سبقه، مما جعل مصر الشريك التجارى السادس عربيًا، والشريك الـ21 عالميًا للامارات، بينما تمثل الامارات الشريك التجارى الثانى عربيًا، والعاشر عالميا لمصر. كل ذلك انعكس على زيادة حركة تنقلات الافراد والمواطنين بين الدولتين والتوسع فى رحلات شركات الطيران بما يسهم فى تلبية احتياجات المواطنين فى الدولتين. ربما لو سارت العلاقات العربية ـ العربية على هذا النحو من التقدم والاستقرار فيما بين الامارات ومصر لكانت الأمور قد تغيرت كثيرا فى العالم العربى، ولأصبح العالم العربى في حالة أخرى مختلفة عن التى هو فيها الآن، خاصة أن بداية الحلم العربى فى التقارب والوحدة انطلق منذ نحو 74 عاما وبالتحديد فى 22 مارس 1945 حينما ولدت جامعة الدول العربية وضمت سبع دول عربية هى: مصر وسوريا، والمملكة العربية السعودية، وشرق الأردن، ولبنان، والعراق، واليمن. كان الحلم العربي وقتها أن تكون الجامعة العربية نواة لوحدة عربية مشتركة مستقبلية بين هذه الدولة، وباقى الدول العربية الراغبة فى الانضمام اليها بعد أن تستوفى شروط العضوية. الآن وصل عدد الدول العربية إلى 22 دولة تعيش على مساحة تبلغ نحو 14 مليون كم2 مما يجعل مساحة العالم العربى الثانى عالميا بعد روسيا، فى حين يبلغ عدد سكان العالم العربى نحو 365 مليون نسمة ليصبح مجموع السكان الرابع عالميا بعد الصين والهند والاتحاد الأوروبى. رغم كل هذه المساحات الشاسعة، وعدد السكان ورغم مرور 74 عاما على تأسيس جامعة الدول العربية فإن هناك الكثير من المشكلات لا تزال تعترض طموح ابناء العالم العربى فى وطن عربى مستقر وقوى ومتحد بسبب تذبذب العلاقات صعودا وانخفاضا، فيما بين الدول العربية وعدم استقرارها. أتمنى أن تكون العلاقات المصرية ـ الاماراتية نموذجا قابلا للتعميم والانتشار بين الدول العربية جميعها بما يؤدى إلى اخراج العالم العربى من كبوته الحالية وتحقيق آمال وطموحات الشعوب العربية مستقبلا.