الأحلام المؤجلة تظهر إلى النور في سيناء

بقلم: عبدالمحسن سلامة

فى الطريق إلى المكان المخصص لافتتاحات مجموعة من المشروعات العملاقة على أرض سيناء وبورسعيد يوم الثلاثاء الماضى، اتجهت بنا السيارة إلى هناك، وعقب المرور من بوابة الرسوم فى طريق القاهرة/ الإسماعيلية، سلكت الطريق القديم المعتاد المؤدى إلى مدينة بورسعيد الباسلة، وأثناء الطريق دق جرس التليفون المحمول مع أحد أفراد كتيبة العمل من الشئون المعنوية ـ والذين يبذلون جهدا هائلا وخارقا فى تنظيم تلك الفعاليات ـ وسألته عن مكان الاحتفال وكيف أصل إليه؟ أبلغنى أن هناك طريقا جديدا ومختصرا سوف يتم افتتاحه ضمن مجموعة الافتتاحات وهو محور 30 يونيو، ونصحنى بالعودة إليه لأنه أسرع وأفضل. عدت بالسيارة وسلكت الطريق الجديد لأجده طريقا تم تصميمه وتنفيذه طبقا لأحدث المواصفات العالمية، وبه حارة مخصصة لسيارات النقل الثقيل، و3 حارات مرورية للسيارات الملاكى والأجرة بكل اتجاه. المحور الجديد يمتد إلى بورسعيد ودمياط، ويؤدى أيضا إلى أنفاق 3 يوليو الجديدة التي تم افتتاحها أيضا في اليوم نفسه. سرحت بخيالى فى الطريق، ودارت مقارنة بين ما حدث اليوم من ظهور مشروعات كانت أحلاما فى فترة سابقة إلى أرض الواقع، والبداية من محور 30 يونيو الذى اختصر زمن الرحلة أكثر من ساعة كاملة ليؤدى بنا إلى موقع الاحتفال الذى شهد تحقيق أحلام أخرى التى كانت مؤجلة لعقود طويلة. البداية كانت من أنفاق 3 يوليو حيث تم افتتاح نفقين (واحد للذهاب وآخر للعودة)، وبذلك يكون قد تم افتتاح 4 أنفاق دفعة واحدة خلال العام الحالى لربط سيناء بالوطن الأم. أربعة أنفاق فى زمن قياسي فى حين لم يكن هناك سوى نفق واحد، وهو نفق الشهيد أحمد حمدى الذى فكر فيه الرئيس الراحل أنور السادات وأطلق عليه اسم الشهيد أحمد حمدى تكريما لأعماله البطولية فى حرب أكتوبر المجيدة، وظل العمل أكثر من 6 سنوات حتى قام الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك بافتتاحه عام 1981، ليكون هو النفق الوحيد آنذاك الذى يربط بين قارتى آسيا وإفريقيا، وتمت إقامته بالاستعانة بخبرة الشركات البريطانية. فى عصر الرئيس الأسبق مبارك الذى امتد إلى ما يقرب من 30 عاما تم إنشاء كوبرى السلام ليصبح ثانى وسيلة عبور رئيسية من وإلي سيناء، وتم افتتاحه فيما بعد فى احتفالات أكتوبر 2001 أى بعد مرور عشرين عاما كاملة على افتتاح نفق الشهيد أحمد حمدى. لم يفلح نفق الشهيد أحمد حمدى أو كوبرى السلام في الوفاء باحتياجات التنمية فى سيناء وربطها بالوطن الأم، وظل التنقل من وإلى سيناء ضربا من صنوف الإرهاق والعذاب بسبب تكدس السيارات والشاحنات ذهابا وعودة لمسافات طويلة كانت تمتد لساعات، وربما لأيام. حينما تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى مسئولية الحكم منذ نحو خمس سنوات، وهو الرجل ذو الخلفية العسكرية كان يعلم أهمية وقيمة سيناء، وكيف كانت ومازالت هى الجزء الحى النابض في قلوب كل المصريين، وفى الوقت نفسه فهى مثار أطماع كل المستعمرين فى العصور القديمة والحديثة، وكان آخرها الاحتلال الإسرائيلى الذى جثم علي أنفاسها منذ حرب 1967 حتي بداية تحريرها فى أكتوبر 1973 واستكمال تحرير كل شبر فيها بالسلام فى 19 مارس 1989 حينما تم رفع العلم المصرى علي طابا فى ذلك اليوم التاريخى. منذ ذلك اليوم ظل حلم دمج سيناء فى الوطن الأم يراوح مكانه، يتقدم قليلا ثم يهدأ طويلا، حتى جاء الرئيس عبدالفتاح السيسي، وأصبح الحلم حقيقة قولا وفعلا. لم يعد دمج سيناء مع باقى الأراضى المصرية حلما لكنه أصبح واقعا، وربما أصبحت سيناء الآن أقرب من محافظات أخرى كثيرة داخل الخريطة المصرية، بعد أن تم افتتاح أربعة أنفاق دفعة واحدة وفى فترة لم تتجاوز الستة أشهر، حيث تم افتتاح النفقين الأول والثانى (أنفاق الإسماعيلية) فى شهر مايو الماضى، وفى الأسبوع الماضى تم افتتاح النفقين الثالث والرابع (أنفاق 3 يوليو ببورسعيد) ليصبح المجموع الإجمالى أربعة أنفاق جدد فى فترة زمنية قياسية غير مسبوقة لم تشهدها سيناء طيلة تاريخها القديم والحديث. الآن هناك 5 أنفاق (نفق الشهيد أحمد حمدى، ونفقا الإسماعيلية، ونفقا بورسعيد) بالاضافة إلى كوبرى السلام، ولا يزال العمل مستمرا، حيث أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى عن انطلاق العمل فى النفق الخامس فى عهده فى السويس ليكون النفق الموازى لنفق الشهيد أحمد حمدى، ليصبح هناك 3 أنفاق كاملة للذهاب، و3 أنفاق كاملة للعودة قريبا. بعيدا عن المبالغة فقد كان من المستحيل عمليا أن يحدث هذا حتى فى الأحلام أو الخيال، وربما كان التفكير أن تتم إضافة نفق جديد آخر إلى جوار نفق الشهيد أحمد حمدى، لكن أن يتطور الأمر ويتم افتتاح أربعة أنفاق، ويجرى العمل فى النفق الخامس فهو الأمر الذى يستحق التوقف أمامه لتقييم ما يحدث على أرض مصر من إنجازات عملاقة وغير مسبوقة فى تاريخها، وإيجاد حلول نهائية لمشكلات مزمنة طال انتظار علاجها فترات طويلة من الزمان.

Ahmed

القصة ليست مجرد أنفاق ولكنها أعمق من ذلك بكثير وتتعلق بخطة التوسع فى مساحة المعمور فى مصر من 7% إلى 14%، والاستفادة من شبه جزيرة سيناء التى تبلغ مساحتها 60 ألف كيلو متر بنسبة 6% من إجمالى مساحة مصر فى وقت لا يسكنها سوى 569 ألفا و 928 نسمة موزعين على شمال وجنوب سيناء، وذلك بسبب صعوبات الانتقال منها وإليها. الآن أصبح الانتقال من سيناء وإليها متعة، وأعتقد أن الكثيرين ممن كانوا يستخدمون الطيران فى تنقلاتهم إلى هناك سوف يعاودون التفكير فى ذلك الأمر بعد أن تغيرت الصورة تماما، وأصبح الطريق البرى بعد افتتاح الأنفاق والمحاور المرورية الجديدة أرخص وأسرع وأكثر متعة. فى الجولة التفقدية التى كنت ضمن الموجودين بها عبرنا الطريق من بورسعيد إلى سيناء أسفل نفق 3 يوليو الجديد، فى مدة زمنية لم تستغرق سوى أقل من 20 دقيقة، واستغرقت رحلة العودة المدة الزمنية نفسها. الأنفاق تم تنفيذها طبقا لأحدث المواصفات العالمية، وبأيد مصرية خالصة من الشركات المدنية، وإشراف الهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة. متطلبات الأمن والسلامة على أعلي مستوى وشملت شبكات الإنذار والحريق، ومخارج الهروب والطوارئ، وهواتف الطوارئ، والمراقبة بالكاميرات، ولإحكام السيطرة على المداخل والمخارج تم إنشاء منطقتين أمنيتين - كما حدث فى نفقا الإسماعيلية - تشملان استخدام أحدث تقنيات الكشف عن السيارات المحملة بالبضائع والمواد الخام من خلال نظام أشعة (XRAY) لتجنب عمليات التفتيش اليدوا والتي كانت تستهلك وقتا طويلا وفى الوقت نفسه ضمان عدم تسرب أية مواد ذات خطورة على جسم الأنفاق. بعد العودة إلى بورسعيد كان الموعد مع الحلم الثانى الذى ظهر إلى النور أيضا يوم الثلاثاء الماضى، حينما ذهبنا إلى مستشفي النصر ببورسعيد ليتم إطلاق منظومة التأمين الصحى الشامل والبدء بمحافظة بورسعيد كمحافظة استرشادية والانتهاء منها ليبدأ العمل فى ست محافظات جديدة هى: السويس والإسماعيلية وشمال وجنوب سيناء والأقصر وأسوان. حلم التأمين الصحي الذى انطلق عام 1964 وعلى مدى 55 عاما لم يتحقق، وظل يراوح مكانه بين أنظمة متعددة ومبعثرة ترتطم بعقبات التنفيذ وسوء الخدمة، الآن يظهر الحلم إلى الوجود وتم تطبيقه عمليا على أرض بورسعيد، لتصبح هى المحافظة الأولى التي يتم تطبيق نظام التأمين الصحى الشامل فيها. التأمين الصحى الشامل حلم شعب بدون مبالغة، لأنه يضمن تقديم الخدمة الصحية المتميزة لكل المواطنين على السواء، ولكل الأمراض، مع حرية اختيار المستشفى والطبيب، وفصل تقديم الخدمة عن إدارتها، مع استغلال لكل الإمكانات الطبية المتاحة من مستشفيات وصيدليات عامة وخاصة على السواء بشرط استيفاء المعايير الموضوعية بكل دقة. الأمر المؤكد أن يوم الثلاثاء الماضى يعد نقطة بداية مهمة لما سوف يتحقق على أرض سيناء ومدن القناة والمحافظات المصرية كلها بطول الخريطة وعرضها.

Back to Top