معركة الحسم والنفس الطويل فى طرابلس
بقلم: عبدالمحسن سلامة
علي أبواب طرابلس تدور الآن معركة الحسم والنفس الطويل لإنقاذ ليبيا مما آلت إليه من فوضى، وانهيار، وانقسام، ومعاناة، بعد أن انزلقت إلى مستنقع الفوضي والانفلات منذ نحو 8 سنوات بعد الإطاحة بحكم الرئيس الراحل معمر القذافي، ودخول قوات حلف الناتو على الخط وتحطيم قدرات الجيش الليبى، وحظر الطيران فوق الأراضى الليبية بحجة حماية المتظاهرين.
منذ ذلك الحين تحولت الثورة إلى فوضى، وأصبح جنرالات الحرب، والميليشيات، والجماعات المتطرفة، والمسلحة، هم أصحاب اليد العليا فى الأراضى الليبية، مما أدي إلى أن تتحول الدولة الليبية إلى أشلاء دولة فاشلة، ومأوى للإرهابيين والمتطرفين من كل دول العالم، بعد أن فقدت ليبيا السيطرة على حدودها وهروب أعداد كبيرة من الإرهابيين إليها أخيرا بعد أن ضاق عليهم الخناق فى العراق وسوريا، وسقطت دولة داعش فى الشام، وانهارت قواعدها فى العديد من مناطق العالم.
فى ظل هذه الأجواء تحول الشعب الليبى إلى شعب من اللاجئين والمهاجرين، وأصبحت ليبيا البوابة الرئيسية للهجرة غير الشرعية من الليبيين وغيرهم، وأما من اضطرته ظروفه من الشعب الليبى للإقامة فى ليبيا فقد أصبح أسيرا لأصوات المدافع، وانفجارات القنابل، ومعرضا للهلاك والموت فى أى لحظة، نتيجة تحكم جنرالات الحرب، والميليشيات المسلحة فى بعض المناطق التى لاتزال بعيدة عن سيطرة الجيش الليبى.
كان من المتوقع أن تنحاز حكومة ما يسمى بحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج إلى الجيش الليبى في مهمته الوطنية، والعمل على دعمه بكل السبل والوسائل المتاحة، وتمكينه من فرض سيطرته على كامل الأراضى الليبية، إلا أن وقوع رئيس الحكومة فائز السراج أسيرا لدى تلك الميليشيات وجنرالات الحرب أفقده القدرة على اتخاذ القرار السليم فانحاز إلى تلك الميليشيات والجماعات المتطرفة على حساب الدولة الليبية الموحدة والمواطن الليبى الذى يعانى أشد المعاناة منذ أكثر من 8 سنوات.
الآن يسيطر الجيش الليبى الموحد على معظم الأراضى الليبية وينتظر دخول طرابلس العاصمة لينهى مأساة الشعب الليبى، وتسانده فى ذلك دول عديدة فى المجتمع الدولى أصبحت مؤمنة تماما بضرورة انقاذ ليبيا من الفوضى والانفلات، بعد أن عانت تلك الدول مرارة الأزمة الليبية نتيجة تمركز بارونات الهجرة غير الشرعية فى الأراضي الليبية واستخدامها معبرا إلى دول العالم المختلفة خاصة الدول الأوروبية.
بعض هذه الدول التى غيرت موقفها الآن كانت أحد أسباب الفوضى في ليبيا وشاركت في تدمير قدرات الجيش الليبى بالهجوم الغاشم عليه، غير أنها تحاول الآن أن تغسل خطاياها، وباتت متفهمة أكثر من أى وقت مضى ضرورة حل الأزمة الليبية، وتمكين الجيش الليبى من بسط كامل نفوذه علي كامل الأراضى الليبية تمهيدا لإجراء الاستحقاقات الدستورية والسياسية، وإعطاء الشعب الليبى حقه فى تقرير مصيره من خلال تلك الاستحقاقات.
الأهم من موقف القوي الدولية ـ فى تصورى ـ هو موقف مؤسسات الدولة الوطنية الليبية وعلى رأسها مجلس النواب الليبى برئاسة المستشار عقيلة صالح الذى يقف بكامل قوته وراء الجيش الوطنى الليبى الموحد بقيادة المشير خليفة حفتر، رافضا كل محاولات فائز السراج للانحراف بسلطته، وتوقيع اتفاقيات "مشبوهة" مع الجانب التركى لأنها تفتقد إلى الشرعية، ولا قيمة لها لأنها أولا تم توقيعها من رئيس غير شرعى وغير منتخب، وثانيا لأنها لم تعرض على مجلس النواب الليبى الشرعى والمنتخب.
يرفض مجلس النواب الليبى كل الإجراءات غير القانونية التى يلجأ إليها فائز السراج لتعطيل مسارات الحل، ومنع الجيش الليبى من تحقيق كامل سيطرته على الأراضى الليبية، والأخطر من كل ذلك ما يفعله رئيس الحكومة المؤقت من محاولات لتحويل ليبيا إلى مستنقع للنزاعات الدولية، والاستعانة بتركيا المعزولة دوليا لتطويل أمد الصراع فى ليبيا على حساب المواطن الليبى.
هى محاولة يائسة من رئيس الحكومة المؤقت للانقلاب على شرعية مجلس النواب، الجهة الدستورية الشرعية الوحيدة فى ليبيا، وتجاهل صلاحيات مجلس النواب، فى إقرار الاتفاقيات الدولية والمحلية.
فائز السراج يكرر خطيئة أعداء ليبيا فى مارس 2011 حينما قامت قوات حلف الناتو بضرب الشعب الليبى وقوات الجيش الليبى، وتدمير قدرات ليبيا العسكرية، لتدخل ليبيا دوامة الفوضى التى تعانيها منذ ذلك التاريخ، وللعلم فقد شاركت تركيا وقطر ضمن التحالف الذى دمر ليبيا.
كثير ممن شاركوا فى ضرب ليبيا فى ذلك التاريخ راجعوا مواقفهم الآن، وأصبحوا متفهمين لضرورة إنقاذ ليبيا، والحفاظ على الجيش الليبى الموحد، ليكون هو الجهة الوحيدة المنوط بها أمن ليبيا وسلامتها واستقرارها، إلا أن تركيا وقطر لا يزالان على عدائهما للشعب الليبى، ويصران على استمرار المأساة الليبية، من خلال دعمهما لحكومة فائز السراج فى محاولته الفاشلة لوقف تقدم الجيش الليبى لتحرير العاصمة الليبية طرابلس.
الأخطر هو أن تتورط تركيا فى غزو مباشر للأراضي الليبية، لأن الناتو فى 2011 كان يستند إلى قرار جائر وباطل خرج من مجلس الأمن آنذاك، والوضع الآن مختلف، فالقوى الدولية فى معظمها تساند الجيش الليبى فى مهمته، ومجلس النواب الليبى يساند الجيش الليبى، وحكومة فائز السراج فقدت شرعيتها، وليس من حقها استدعاء أى قوة أجنبية بعيدًا عن مؤسسات المجتمع الدولى، أو المؤسسات الوطنية الليبية، وأى تحرك خارج هذا الإطار يدخل فى إطار الغزو العسكرى المباشر، وهو الأمر الذى لن يسمح به المجتمع الدولى، ولا المؤسسات الوطنية الليبية، بل إنه من المؤكد أنه سوف يزيد من إصرار الشعب الليبى على استرداد دولته، وطرد المعتدين والغزاة من كامل الأراضى الليبية، وفى أسرع وقت ممكن.
علي الجانب المقابل، فإن أمن ليبيا وسلامتها جزء من الأمن القومى المصرى باعتبار ليبيا هى العمق الاستراتيجى لمصر، وبين الدولتين حدود برية تصل لما يقرب من 1200 كيلو متر، ومع ذلك ترفض مصر التدخل المباشر فى الأزمة الليبية، كما أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال مداخلته ضمن أعمال المائدة المستديرة لدول حوض البحر المتوسط فى منتدي الشباب العالمى الذى عقد خلال الأسبوع الماضى في شرم الشيخ، مشيرًا إلى أن ما يجري فى ليبيا يمس الأمن القومى لمصر بشكل مباشر، ومع ذلك لم تتدخل مصر بشكل مباشر هناك رغم أنها تملك القدرة على ذلك احترامًا للعلاقة مع الشعب الليبى وعدم التدخل فى شئونه.
أما فيما يتعلق بمساندة مصر للجيش الليبى فإنه يأتى فى إطار رؤية مصر الاستراتيجية فى دعم ومساندة مؤسسات الدول الوطنية، وضرورة الحفاظ على كيانات تلك الدول باعتبارها الأداة الوحيدة القادرة على حماية الشعوب، ومنع انهيار الدول، وعدم الوقوع فى شباك الفوضى والانهيار، كما حدث فى كثير من الدول، ومنها: ليبيا وسوريا واليمن، وغيرها.
أعتقد أن مؤسسة الجيش الليبى الوطنى بقيادة المشير خليفة حفتر هى المؤسسة الوحيدة الآن القادرة على إعادة توحيد ليبيا من جديد خاصة بعد أن تكلل مهمته فى دخول العاصمة الليبية طرابلس بالنجاح قريبا لتبدأ خطوات الحل السياسى، وإعداد خارطة طريق تنهى المأساة الليبية، وإعادة بناء دولة المؤسسات هناك من جديد من خلال وضع الدستور الليبى، ثم إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية بحسب ما يتفق عليه أبناء الشعب الليبى الشقيق.
يبقى دور الشعب الليبى سواء فى المناطق المحررة التى يسيطر عليها الجيش الليبى أو فى تلك المناطق التي لا تزال بعيدة عن سيطرته خاصة فى طرابلس ومصراتة، وضرورة أن يجتمع الشعب الليبى علي قلب رجل واحد خلف جيشه ومجلسه النيابى رافضا كل محاولات الفتنة وشق الصف من الميليشيات العسكرية والجماعات الإرهابية، والقوى الخارجية، وذلك من أجل الاسراع بـ "لم شمل" كل الليبيين وإعادة وحدة كامل التراب الليبى لتعود ليبيا إلى أهلها، ويعود أهلها إليها مرة أخرى فى أقرب وقت ممكن.