رسالة سلام وردع من مصر للعالم
بقلم: عبدالمحسن سلامة
تعيش منطقة الشرق الأوسط أجواء عاصفة وساخنة منذ عدة سنوات، وبالتحديد منذ الغزو الأمريكى للعراق، ثم اشتعلت الحرائق فى الكثير من دول المنطقة بفعل ثورات الخريف العربى ولا تزال دول كثيرة مثل: ليبيا، وسوريا، واليمن، والعراق، ولبنان تعانى التبعات والأزمات دون ضوء فى نهاية النفق حتى الآن.
لم يتوقف الأمر عن هذا الحد، بل، كادت الأمور تتحول إلى مواجهة مباشرة تهدد السلم والأمن فى العالم حينما تدهور الموقف بين أمريكا وإيران فجأة، ووصل إلى حافة الهاوية بعد أن اغتالت أمريكا قاسم سليمانى، وردت إيران بضرب القواعد الأمريكية فى العراق.
بخطأ بسيط وغير محسوب ـ كان ومازال من الممكن ـ أن تشتعل المنطقة كلها، ولأنها منطقة إنتاج النفط الرئيسية فى العالم، فإن الشظايا الحارقة سوف تصل إلى كل دول العالم بدرجات متفاوتة مباشرة وغير مباشرة.
ليبيا أيضا دخلت على خط الأزمات العالمية بعد التدخل التركى السافر فى الشأن الليبى ومحاولة تركيا مساندة الجماعات الإرهابية والميليشيات على حساب الجيش الوطنى الذى كان قاب قوسين أو أدنى من تحقيق النصر وإنهاء معاناة الشعب الليبى الممتدة عبر 9 سنوات بعد سقوط الدولة هناك، واغتيال الرئيس الليبى الراحل معمر القذافى.
وسط تلك الأجواء العاصفة كانت رسالة مصر القوية يوم الأربعاء الماضى، لتبعث رسالة سلام وردع فى آن واحد لكل من يهمه الأمر، حيث تم افتتاح أكبر قاعدة عسكرية على الإطلاق على ساحل البحر الأحمر فى منطقة شديدة الأهمية هى منطقة برنيس التى تقع على البحر الأحمر، على مساحة 150 ألف فدان وتتميز بموقعها الإستراتيجى الفريد بما يؤهلها لحماية الحدود الجنوبية، وحماية الحدود البحرية فى البحرين الأحمر والمتوسط.
منطقة برنيس تقع بالقرب من أسوان، وفى الوقت نفسه تقع جنوب مدينة مرسى علم، وهى من أقدم الموانى البحرية المصرية حيث تشير المراجع التاريخية إلى أنها كانت تضم أكبر ميناء تجارى منذ عام 275 قبل الميلاد، وهو الميناء الذى كان يستخدمه الفراعنة للتبادل التجارى مع بلاد بنط والعالم الخارجى.
أيضا شهدت المنطقة قيام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر يوم 21 أغسطس 1965 بزيارتها والسفر منها إلى مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية للقاء المرحوم جلالة الملك فيصل حيث سافر على الباخرة "الحرية" والتقى الملك فيصل لتسوية الخلافات بين مصر والسعودية بشأن الأزمة اليمنية آنذاك.
الآن تغير وجه منطقة برنيس تماما وأصبحت أكبر قاعدة عسكرية فى البحر الأحمر بما تضمه من قاعدة جوية ضخمة وقاعدة بحرية هائلة ومطار مدنى.
خلال الافتتاح نجحت مصر فى إرسال العديد من الرسائل، وقد حرص الرئيس عبدالفتاح السيسى على أن يكون على يمينه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولى عهد أبوظبى نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية وإلى جوار الشيخ محمد بن زايد جلس الأمير خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع السعودى، بالإضافة إلى كوكبة من بعض الزعماء والقيادات والسفراء من دول العالم المختلفة، فى رسالة ذات مغزى تشير إلى حجم التضامن والانسجام المصرى – الإماراتى - السعودى الآن بفضل جهود زعماء الدول الثلاث فى تدعيم أواصر الصداقة فيما بينهم، وجهودهم الدءوبة لتضميد جراح الدول العربية فى تلك المرحلة الصعبة من التاريخ العربي، والتى شهدت انهيار دول، وسقوط أخرى، وزيادة معاناة الشعوب العربية نتيجة المؤامرات الخارجية، وتنامى الإرهاب فى المنطقة فى إطار حروب الجيل الرابع التى تهدف إلى انهيار الدول "ذاتيا" دون تكلفة أو عناء من الأعداء.
افتتاح القاعدة الأكبر والأضخم فى البحر الأحمر تزامن مع انتهاء أضخم مناورة عسكرية للجيش المصرى قادر 2020 لتؤكد جاهزية القوات المسلحة المصرية لمواجهة حالة عدم الاستقرار الإقليمى، وتنامى الأعمال الإرهابية والعدائية، وقد نجحت القوات المسلحة خلال تلك المناورة فى تحقيق أهدافها بدقة والقضاء على جميع التهديدات والعدائيات على مختلف الاتجاهات الإستراتيجية، وتأمين خط الحدود الدولية، بالإضافة إلى فرض السيطرة الكاملة على مسرحى العمليات فى البحرين الأحمر والمتوسط، وتأمين الملاحة البحرية، ومصادر النفط والغاز.
ولأن تاريخ العسكرية المصرية "تاريخ ناصع البياض" فلم يسجل حالة اعتداء واحدة على دولة أخرى، ولم تقم مصر بالتدخل فى شئون الدول الأخرى.
عقيدة العسكرية المصرية تتركز فى حماية الأراضى المصرية وعدم التفريط فى ذرة رمل أو تراب من الوطن، والدفاع بكل بسالة عن الأمن القومى المصرى والعربى.
كل حروب القوات المسلحة المصرية هى حروب للدفاع عن الأمن القومى المصرى والعربى بدءا من حرب 1948 وحتى حرب أكتوبر المجيدة التى نجحت فيها القوات المسلحة المصرية فى كسر أسطورة الجيش الإسرائيلى وإلحاق هزيمة كبرى به لتسترد مصر مساحة كبيرة من أراضيها المحتلة بالحرب، ثم تستكمل استرداد باقى الأراضى بالسلام.
هذه العقيدة العسكرية المصرية هى السر الأعظم فى قوة وتماسك الجيش المصرى وهى العقيدة التى جعلته يستطيع تجاوز "أعتى الهزات" التى ضربت المنطقة لكنها لم تنل من الجيش المصرى بل إنه خرج منها أقوى مما كان عليه بمراحل، وهو ما ظهر بوضوح خلال افتتاح قاعدة برنيس فى الأسبوع الماضى.
نجح الرئيس عبد الفتاح السيسى فى إضافة قدرات هائلة جديدة للجيش المصرى، واستطاع القيام بعملية تحديث شاملة لجميع قطاعات الجيش المصرى ليصبح واحدا من أقوى 12 جيشا على مستوى العالم بحسب المؤسسات العالمية المتخصصة فى هذا المجال مثل معهد الدراسات الإستراتيجية المرجع الرئيسى لكل جيوش العالم، ومؤسسة "جلوبال فاير باور" أحد أهم المراكز العالمية فى هذا المجال.
يتميز الجيش المصرى بروحه المعنوية العالية، وخبرته القتالية المتنوعة، ووجود صناعات عسكرية محلية متقدمة، بالإضافة إلى تنويع مصادر السلاح، والاعتماد على الأنظمة الإليكترونية الحديثة والمتقدمة.
أيضا تملك مصر قوات بحرية متقدمة تحتل المركز السادس عالميا فى مجال القوات البحرية العالمية، مما يتيح لها حماية حدود مصر البحرية فى البحر الأحمر، وحماية مضيق باب المندب، وحماية حدودها البحرية فى البحر المتوسط، وتأمين مناطق الغاز والبترول فى تلك المناطق ضد كل أنواع التهديدات.
أما فى مجال القوات الجوية فإن القوات الجوية المصرية تأتى فى المرتبة الأولى فى الشرق الأوسط بعدد طائرات يصل إلى 1100 طائرة تقريبا لتتفوق على سلاح الجو التركى الذى يأتى فى المرتبة التالية لمصر، وتحتل إسرائيل المركز الثالث بعد تركيا.
أعتقد أن افتتاح قاعدة "برنيس" وانتهاء المناورة "قادر 2020" سوف يعزز من التصنيف العالمى للجيش المصرى ويدفعه إلى مرتبة أكثر تقدما مما هو عليه الآن، بما يؤكد قدرة وجاهزية القوات المسلحة المصرية على مواجهة كل الاحتمالات والتوقعات الحالية والمستقبلية.
يؤكد ذلك ما جاء بتغريدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولى عهد أبو ظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية بعد حضوره افتتاح القاعدة العسكرية والتى أشار فيها إلى سعادته بحضور تلك الافتتاحات مع شقيقه الرئيس عبد الفتاح السيسي، لأنها إنجازات مهمة تعزز الدور المصرى المحورى فى منظومة الأمن العربى والاستقرار الإقليمى.
هى إذن رسالة سلام من مصر إلى كل دول العالم المحبة للسلام والساعية اليه، لأن مصر لا تريد الاعتداء على أحد، وتريد الخير لكل الدول، ولا تصادر حقوق الدول الأخرى فى التنمية والرخاء، وإنما فقط تسعى إلى حماية مكتسبات شعبها، والحفاظ على حقوقها التاريخية، وحماية ترابها الوطنى، وقطع يد كل من تسول له نفسه المساس بهذه الحقوق، أو محاولة الاعتداء على تلك المكتسبات.