صفقة ترامب... و"الواقع الفلسطينى المؤلم"!

بقلم: عبدالمحسن سلامة
لا تشغلنى صفقة ترامب بقدر ما يشغلنى الواقع الفلسطينى المؤلم وما يعانيه من انقسام وصراع بين الأشقاء أسهم فى إيجاد واقع مأساوى بعد أن انفصلت حركة حماس بغزة، وظلت الحكومة الشرعية فى الضفة الغربية، فأصبح هناك كيانان ورأسان لشعب واحد يطالب بالاستقلال والدولة المستقلة الموحدة.
صفقة ترامب قنبلة دخان سوف ينتهى اثرها كما انتهت محاولات كثيرة "منحازة وغير منصفة" وانهارت على أعقاب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى فى إقامة دولته طبقا لمقررات الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن والجمعية العمومية للأمم المتحدة القائمة على أساس حل الدولتين وفقا للقرار 242 الصادر من مجلس الأمن فى 22 نوفمبر 1967 والقرارات ذات الصلة.
توقيت صفقة ترامب يجعل منها فقط مجرد مبادرة أطلقها ترامب لانقاذ صديقه بنيامين نيتانياهو من هزيمة كانت متوقعة فى الانتخابات الإسرائيلية، وفى الوقت نفسه هو يريد التغطية على مشكلات اجراءات العزل المحاط بها الآن فى مجلس الشيوخ، ورغبته فى تخطى تلك الأزمة والتغطية عليها.
المشكلة فى رأى ليست فى صفقة ترامب بقدر ما هى فى الواقع الفلسطينى المأساوى، والمنقسم ما بين غزة، والضفة، ووجود رأسين للشعب الفلسطينى يسبح كل منهما ضد الآخر مما أدى إلى تعطيل تشكيل الحكومة الموحدة، وعدم اجراء الانتخابات البرلمانية والتشريعية، وتجميد كل خطط التقارب، وإعطاء ذريعة لترامب ونيتانياهو بعدم وجود شريك للتفاوض معه.
الأشد إيلاما ما حدث فى سلطنة عمان حينما قام وفدان بالتعزية فى وفاة المغفور له السلطان قابوس بن سعيد، واستقبل السلطان الجديد هيثم بن طارق وفدا يرأسه إسماعيل هنية رئيس حركة حماس للتعزية، ثم استقبل وفدا آخر يرأسه محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية.
وفدان فلسطينيان رسميان يلتقيان مع سلطان عمان، ولا يلتقيان مع بعضهما البعض، وهذه هى قمة المأساة التى يعيشها الشعب الفلسطينى، وتؤكد عمق الانقسام فى الساحة الفلسطينية.
أكثر من 10 محاولات يتم الاتفاق فيها على ردم الهوة بين حماس وفتح، ولم الشمل الفلسطينى، بدأت فى عام 2005 قبل الانفصال الرسمى بين غزة والضفة حينما وقعت الفصائل الفلسطينية بما فيها فتح وحماس على اعلان القاهرة فى 19 مارس 2005 الذى أكد فيه المشاركون أن الحوار هو الوسيلة الوحيدة للتعامل بين جميع القوى الوطنية الفلسطينية دعما للوحدة الوطنية، ووحدة الصف الفلسطينى، وأكدوا تحريم الاحتكام للسلاح فى الخلافات الداخلية، واحترام حقوق المواطن الفلسطينى، وعدم المساس بها.
فى عام 2006 توصل الرئيس محمود عباس واسماعيل هنية إلى اتفاق لتشكيل الحكومة برئاسة إسماعيل هنية إلا أن الوفاق لم يدوم طويلا، وتحول الوفاق إلى صراع واقتتال ليبدأ الصراع علنا وتنفصل حماس بغزة عن السلطة الفلسطينية فى صيف عام 2007 رغم الاتفاق الذى تم توقيعه فيما بين فتح وحماس فى مكة المكرمة فى 8فبراير فى ذلك العام إلا أن هذا الاتفاق لم يحترم، وتحول الصراع إلى انقسام، ودولتين منفصلتين عمليا على الأرض واحدة فى الضفة، والثانية فى غزة.
منذ هذا التوقيت جرت محاولات كثيرة للتوفيق ورأب الصدع فيما بين الضفة وغزة إلا أن كل هذه المحاولات كانت تسقط مع أول استحقاق عملى بسبب تعنت حماس ورفضها الانصياع الكامل لتطبيق الاستحقاقات المطلوبة.
أكثر من خمس محاولات بذلت فيها مصر جهدا كبيرا ومضنيا لكن صراع السلطة وتمسك حماس بأنقاض سلطة "واهية" فى غزة كان وراء فشل كل المحاولات التى كانت تتحطم على صخرة رفض حماس "الانضواء" تحت راية الشرعية الفلسطينية.
13عاما من الانقسام الفلسطينى، والنتيجة تراجع مكتسبات الشعب الفلسطينى، وتشويه صورة نضال الشعب الفلسطينى البطل الذى تحمل ما لا يتحمله شعب آخر نتيجة تمسكه بأرضه وحقوقه المشروعة، غير أن الانقسام الفلسطينى أسهم فى تصدير صورة عكسية للمجتمع الدولى أضرت كثيرا بالقضية الفلسطينية.
قبل اندلاع الثورات العربية لم تكن هناك سوى أزمة واحدة يعانى منها العالم العربى، وهى الأزمة الفلسطينية، وكان كل الاهتمام والتركيز العربى ينصب عليها بلا منازع، أما الآن فقد اختلف الوضع، وأصبح العالم العربى يعانى أزمات كثيرة فى العراق، وليبيا، واليمن، وسوريا، ولبنان، وتحولت تلك الأزمات إلى بؤر صديدية "حادة" ونزيف دائم فى الجسد العربى الذى بات منهكا ومشغولا بأوجاعه ومتاعبه المتعددة والمنتشرة فى الخريطة العربية.
هذه الأزمات وغيرها كانت كفيلة بإحداث هزة عنيفة فى الكيان الفلسطينى ليعود كما كان موحدا.. إلا أنه حتي الآن ليست هناك بوادر أمل حقيقية فى تحقيق حلم الوحدة الفلسطينية.
الاخطر أن صفقة ترامب التى أهتز لها العالم، وأحدثت "حراكا" هائلا بغض النظر عن ايجابيات هذا الحراك وسلبياته، إلا أنه لم يؤثر فى الواقع الفلسطينى المؤلم، ومازلنا أمام كيان فلسطينى منقسم ومشغول بأحلام وهمية فى سلطة كاذبة.
من المهم الآن وفورا عودة الوفاق بين الفصائل الفلسطينية، وأن "تنضوى" جميعها تحت راية السلطة الفلسطينية الشرعية بقيادة محمود عباس، لاتخاذ ما تراه من إجراءات بشأن صفقة ترامب، وبعدها يتخذ الشعب الفلسطينى ما يراه بشأن من يحكمه فى إطار انتخابات برلمانية ورئاسية.
يمكن إعتبار الصفقة مجرد مبادرة وقبول بعض مقترحاتها ورفض المقترحات الاخرى، بحسب ما تقتضيه المصلحة الوطنية الفلسطينية ومصلحة الشعب الفلسطينى لأنه لن يستطيع أحد أن يملى شيئًا على الفلسطينيين، وهم وحدهم أصحاب القرار فى اتخاذ الموقف المناسب من صفقة ترامب أو غيرها من المبادرات، سواء بالقبول أو الرفض أو أى موقف آخر تراه السلطة الفلسطينية.
ربما يكون الشىء الإيجابي الوحيد فى تلك الصفقة هو إنهاء التكهنات بشأنها وإعلانها بكل تفاصيلها، وإنه لم يرد ذكر سيناء من قريب أو بعيد فيها، وإنها طرحت مسارات محددة بالنسبة للاجئين ليس من بينها سيناء، كما حاولت بعض الجهات المشبوهة، وأبواق الدعاية السوداء للترويج بأن حل قضية اللاجئين سوف يكون على حساب توطينهم فى سيناء.
الخطة طرحت 3 خيارات أولها: (الاندماج فى الدولة الفلسطينية بشرط مراعاة القيود الموضحة فى الوثيقة) وثانيها:الاندماج المحلى فى البلدان المضيفة لهم (شريطة موافقة تلك البلدان) أو قبول دول منظمة التعاون الإسلامى بشكل فردي 5 آلاف لاجئ سنويا على مدى السنوات العشر (ما يعنى استيعاب50 ألف لاجئ) فى أى من الدول الاعضاء بالمنظمة التى توافق على المشاركة فى إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين (ويخضع هذا لموافقة تلك الدول).
كلام محدد أنهى كل التسريبات الخبيثة التى كانت تحاول الربط بين سيناء وصفقة ترامب، لأن سيناء ليست مجالًا للمساومة أو "المقايضة" ومصر التى كانت حريصة علي استرداد كل ذرة رمل من ترابها بعودة طابا، لن تقبل أبدًا إلا بسيادتها الكاملة والمطلقة عليها، كما هى الحال الآن.
يبقى بعد ذلك أن تتحول صفقة ترامب إلى صدمة كهربائية عنيفة تعيد الوعى للفصائل الفلسطينية المتناحرة على "السراب" وأن يلتفوا جميعهم تحت راية الشرعية الفلسطينية الموحدة من أجل مسار طويل وشاق من المفاوضات والمقاومة معًا لكى يتحقق حلم الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة الموحدة وعاصمتها القدس الشرقية.. فهل يحدث ذلك؟
الاجابة لدى قادة حماس الذين يتخفون وراء الشعارات ويقبلون بالوساطة والمصالحة ثم يقومون بإفشال تلك الوساطات عند أول استحقاق لها.
أعتقد أن الأيام القليلة المقبلة سوف تكون كاشفة لمن "يعوق" المصالحة، ويعطى صفقة ترامب الشرعية من حيث لا يدرى.

Back to Top