إفريقيا من "الأزمات الساخنة" إلى "الفرص الواعدة"!
بقلم: عبدالمحسن سلامة
فى عام 1963..أى منذ 57 عاما تأسست منظمة الوحدة الإفريقية، وكان الهدف الرئيسى من تأسيسها وإطلاقها هو مساندة الشعوب الإفريقية فى حقها فى الاستقلال والحرية، وإنهاء عصر الاستعمار والعبودية إلى الأبد، والتنسيق بين دول القارة من جانب، والدول المحبة للعدالة والسلام من جانب آخر فى دعم القضايا الإفريقية وقضايا السلام والاستقلال لكل الشعوب فى العالم التى تتطلع إلى استرداد حريتها واستقلالها.
كانت مصر بقيادة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر من الدول المؤسسة والراعية لمنظمة الوحدة الإفريقية، ليس هذا فقط بل إنها كانت البيت الكبير لكل الأفارقة وزعماء التحرر الوطنى الذين اتخذوا من مصر سندا ودعما لهم ولشعوبهم فى نضالهم حتى تحقق الحلم الإفريقي، وتحررت كل الشعوب والدول الإفريقية بلا استثناء.
فى عام 2000 تم اعتماد القانون التأسيسى للاتحاد الإفريقى فى قمة لومى بتوجو، وظهر الاتحاد الإفريقى إلى الوجود رسميا بديلا لمنظمة الوحدة الإفريقية عام 2002..أى منذ18عاما، وضم فى عضويته جميع الدول الإفريقية(55 دولة) بعد أن انضمت جنوب السودان أحدث مولود إفريقى إلى الاتحاد عام 2011، وعادت المغرب إلى عضويتها الكاملة خلال قمة أديس أبابا عام 2017.
فى الاتحاد الإفريقى اختلفت الأولويات عن أهداف منظمة الوحدة الإفريقية، حيث اتجهت أنظار الشعوب إلى نموذج الاتحاد الأوروبي، ونجاحه فى لم الشمل الأوروبي، وتحقيق أهداف حرية السفر والتنقل والاندماج الاقتصادي، والعملة الموحدة، وغيرها من الآمال العظيمة للشعوب الإفريقية.
للأسف فإن الحالة الإفريقية ربما تختلف عن الحالة الأوروبية بمراحل من حيث الواقع الاقتصادي، والسياسي، والثقافي، مما زاد من صعوبة تحقيق أهداف الاتحاد الإفريقى كلها دفعة واحدة، وخلق صعوبات فى التنفيذ على أرض الواقع، بما لا يتماشى مع طموحات الشعوب الإفريقية.
أخطر الأزمات الإفريقية تتعلق بمواجهة الإرهاب والتيارات المتطرفة المتمثلة فى داعش والقاعدة وبوكوحرام وجماعة الشباب الصومالية وكل التيارات الإرهابية والمتطرفة التى تلجأ إلى العنف والإرهاب لتحقيق أغراضها الخبيثة، وساهمت فى عرقلة كل جهود التنمية فى العديد من دول القارة.
أعتقد أن بناء إفريقيا الجديد وحل أزماتها يبدأ من قدرتها على مواجهة التحديات الأمنية، والقضاء على الجماعات الإرهابية التى تسهم فى زعزعة الأمن والاستقرار بالقارة، وتؤدى إلى زيادة حالات الهجرة وازدياد أعداد النازحين من السكان مثلما يحدث الآن فى ليبيا، والصومال، ومنطقة الساحل والصحراء.
من هنا تأتى أهمية مبادرة إسكات البنادق التى تتصدر أعمال القمة السنوية هذا العام من أجل وقف النزاعات المسلحة وإقرار الأمن والسلم فى دول القارة السمراء، بحيث لا تقع الأسلحة فى أيدى الجماعات الإرهابية والمتمردة فى دول القارة المختلفة، وأن يكون استيراد الأسلحة فقط للجيوش الوطنية من أجل استخدامها فى تحقيق الأمن والأمان لشعوب تلك الدول، وحفظ حدودها من العدوان الخارجى.
الأمر المؤكد أن العام الماضى من عمر الاتحاد الإفريقى كان عامًا حافلًا بالتحديات والإنجازات فى آن واحد، وهو العام الذى عادت فيه مصر إلى رئاسة الاتحاد بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، بعد سنوات من الجفاء والتجميد والمقاطعة، بسبب الظروف السياسية التى شهدتها مصر عقب ثورة 25 يناير وما تلاها حتى عاد الاستقرار مرة أخرى إلى الدولة المصرية لتعود مصر من جديد إلى إفريقيا، وتعود إفريقيا إلى مصر مرة أخرى.
الأمر المؤكد أن ولادة اتفاقية التجارة الحرة هى أبرز العلامات المميزة خلال العام الماضى والتى سيكون لها ما بعدها فى انطلاق القارة السمراء، وتحقيق آمال شعوبها فى الرخاء والتنمية لتكون تلك الاتفاقية هى السفينة التى تحمل معها جميع الدول الإفريقية دون استثناء لتحقيق المنفعة المشتركة لشعوب تلك الدول.
اتفاقية التجارة الحرة القارية تم تدشينها وإطلاقها فى القمة الاستثنائية التى رأسها الرئيس عبدالفتاح السيسى بالنيجر، وبلغ عدد الدول التى وقعت على الاتفاقية 54 دولة، وأقرت برلمانات 27 دولة الاتفاقية لتدخل إلى حيز التنفيذ، وتصبح لدى إفريقيا أكبر منطقة تجارة حرة على مستوى العالم، بما تضمه من 1.2 مليار نسمة ومن المتوقع مضاعفة عدد سكانها إلى 2,5 مليار نسمة بحلول عام 2050.
ميزة الاتفاقية أنها تنهى عصر استنزاف خيرات أفريقيا إلى خارج القارة، ومن خلال هذه الاتفاقية تتحول إفريقيا إلى أكبر مارد اقتصادى فى العالم تسعى الدول الأخرى إلى التقارب أو الشراكة معه، وهو ما أنعكس فى عقد العديد من اللقاءات والتجمعات التى لم تحدث من قبل مثل مجموعة العشرين وإفريقيا وقمة الاستثمار البريطانية الإفريقية، والقمة الألمانية - الإفريقية، وكذلك القمة الروسية - الإفريقية، وعلى الأراضى المصرية انعقد منتدى الاستثمار فى إفريقيا فى العاصمة الإدارية الجديدة، ومنتدى أسوان للسلام والتنمية، وكل هذه المؤتمرات أسهمت فى زيادة تدفق الاستثمارات إلى إفريقيا، والتسويق لكل المشروعات الإفريقية لدى دول العالم.
ولأن المشكلات الإفريقية قديمة ومتراكمة فإن تحقيق أجندة التنمية 2063 يحتاج إلى جهود جبارة لإزالة كل العوائق التى تعترض حركة التجارة وحرية التنقل للاشخاص، وتحقيق حلم الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مد خط سكك حديدية مباشرة من القاهرة إلى كيب تاون بجنوب إفريقيا وتحقيق حلم الربط الكهربائى بين دول القارة الذى بدأتها مصر مع السودان خلال العام الماضي، وكذلك توفير خطوط طيران مباشر من وإلى دول القارة، فمن غير المعقول حتى الآن ضرورة الذهاب إلى دول أوروبية أو آسيوية أحيانا من أجل تحقيق حلم السفر والانتقال بين بعض دول القارة بسبب عدم وجود خطوط طيران مباشرة.
أيضا فإن التجربة المصرية فى القضاء على فيروس سى من التجارب الملهمة فى القارة الإفريقية، وكذلك مبادرة 100 مليون صحة، وغيرها من المبادرات الطبية التى تحتاجها الدول الإفريقية، وقد بدأت مصر فى مد يد المساعدة للأشقاء الأفارقة بضم مليون إفريقى إلى تلك المبادرات والاستفادة منها.
إلى جوار ذلك فإن الدول الإفريقية تحتاج إلى العديد من المبادرات الطبية فى مجال مكافحة العدوي، ومعالجة الفيروسات الخطيرة خاصة فيروس "إيبولا" المنتشر فى إفريقيا، وليت القمة الحالية تكون قادرة على وضع خطط أستثنائية لمواجهة المخاطر المحتملة لفيروس "كورونا" دون تهويل أو تهوين، وبما يؤدى إلى تجنيب دول القارة مخاطر هذا الفيروس اللعين الذى ما زال يحصد الأرواح ويهدد الأصحاء بالعدوي.
على صعيد آخر فإن الأوضاع فى ليبيا يجب أن تكون لها الأولوية فى القمة الحالية، وأن تكون تلك القمة قادرة على اتخاذ موقف موحد لوقف التدخلات التركية فى الشأن الليبي، والأهم من ذلك هو دعم ومساندة الجيش الوطنى الليبى فى مهمته الحالية لبسط كامل نفوذه على الأراضى الليبية باعتباره الجهة الوحيدة المنوط بها حفظ الأمن والسلم فى دولة ليبيا، وإنهاء 9 أعوام من الفوضى وعدم الاستقرار هناك.
الأزمة الليبية تحتاج إلى رؤية إفريقية موحدة فى ظل الإصرار التركى على إنتهاك السيادة الليبية، ودعم الميليشيات والجماعات الإرهابية فى طرابلس، وكذلك فى ظل التآمر الدولى من بعض الدول الكبرى المتمثل فى الصمت وغض الطرف عن التصرفات التركية.
الوضع المتأزم فى ليبيا يزيد من معاناة الشعب الليبي، ويسهم فى زيادة أعداد النازحين من ليبيا إلى الدول المجاورة، ويؤدى إلى تحويل ليبيا إلى أرض للحرب بالوكالة بين الأطراف المتنازعة.
نجاح مبادرة إسكات البنادق يبدأ من ليبيا، ومن قدرة الاتحاد الإفريقى على إنهاء التدخل الأجنبى فى الشأن الليبي، ودعم ومساندة الجيش الوطنى لتعود ليبيا إلى دورها الطبيعى فى الاتحاد الإفريقى التى كان رئيسها الراحل معمر القذافى أحد الآباء المؤسسين للاتحاد الإفريقى بصورته الحالية.
أخيرا أتمنى أن يكون هناك ما يشير فى البيان الختامى والتوصيات الصادرة عن القمة الإفريقية إلى ضرورة أن تحترم إثيوبيا تعهداتها الدولية والاتفاقيات المائية بخصوص مياه النيل بما يحافظ على حقوق دولتى المصب (مصر والسودان) فى حصتهما المائية، وبما لا يتعارض مع جهود التنمية الإثيوبية، من أجل دفع الجهود المبذولة حاليا لتوقيع الاتفاق النهائى بين الدول الثلاث فى نهاية الشهر الحالى بالعاصمة الأمريكية واشنطن.