إرادة الانتصار تقهر الإرهاب فى العاشر من رمضان

عبدالمحسن سلامة
اليوم الأحد، هو العاشر من رمضان، وهو اليوم المحفور فى ذاكرة الشعب المصرى والشعوب العربية كلها من المحيط إلى الخليج، لأنه يرتبط بأعظم انتصارات العرب فى العصر الحديث، وهو انتصار العاشر من رمضان عام 1393 هجرية الموافق السادس من أكتوبر عام 1973 ميلادية.
فى مثل هذا اليوم، أى منذ 48 عاما هجريا، كانت أجواء التوتر تخيم على كل جبهات القتال، وخرجت الصحف الصادرة فى ذلك اليوم تشير إلى تصاعد حدة التوتر على خطوط المواجهة مع العدو الإسرائيلي، والتى شملت جميع الجبهات، واشتد التوتر بوجه خاص على جبهة قناة السويس، وفى الوقت نفسه رصدت الصحف تحركات دبلوماسية للحكومة المصرية شملت اجتماع المستشار النمساوى برونو كرايسكى بمبعوث الرئيس أنور السادات.
على الجانب الآخر، كان الشعب المصرى يعيش أجواء رمضان التقليدية حتى اقتربت الساعة من الثانية والربع ظهرا حينما التف أبناء الشعب المصرى حول الإذاعة المصرية التى أعلنت البيان رقم (1) الصادر عن القوات المسلحة المصرية بصوت المذيع الراحل حلمى البلك، والذى أعلن فيه قيام القوات المسلحة بالتصدى للقوات الإسرائيلية، وكان البيان التمهيدى للحرب.
عرف الشعب المصرى أن معركة الكرامة قد بدأت، وبعدها توالت البيانات التى أكدت نجاح القوات المسلحة المصرية فى تنفيذ الضربة الجوية الأولى بنجاح، بعد أن عادت جميع الطائرات إلى قواعدها سالمة عدا طائرة واحدة، لتمهد الطريق أمام اقتحام قناة السويس، واستيلاء القوات المسلحة على كل نقاط العدو القوية، ونجح الأبطال المصريون فى العبور إلى الضفة الشرقية للقناة ورفع العلم المصرى على أرض سيناء.
فى تلك الحرب المجيدة سجل الجيش المصرى أعظم انتصار عربى فى العصر الحديث، بعدما ظل العرب عقودا طويلة لا يعرفون طعم النصر منذ قدوم الاحتلال الأجنبى وتقسيمه المنطقة العربية إلى مناطق نفوذ لقوى الاحتلال (إنجلترا، وفرنسا، وإيطاليا).
بعد الاحتلال الأجنبى الذى جثم على أنفاس الدول العربية عقودا طويلة، جاءت نكبة 1948م ثم هزيمة 1967، وبعدها تحرك الجيش المصرى فى ملحمة هى الأروع فى التاريخ العسكري، واستطاع إعادة بناء قواته، وأطلق حرب الاستنزاف التى كبدت العدو الصهيونى خسائر فادحة على مدى 3 سنوات، وسجلت فيها القوات المصرية أعظم الانتصارات بدءا من معركة رأس العش ومرورا بتدمير المدمرة »إيلات« وغيرهما من المعارك العظيمة التى زلزلت كيان العدو وأفقدته توازنه.
بعد 6 سنوات من التجهيز والإعداد والتدريب الشاق نجحت القوات المسلحة المصرية فى تسجيل أعظم انتصار عربى فى التاريخ الحديث، بعد أن حطمت أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر وكبدته خسائر فادحة، وأعادت للشعوب العربية كلها كرامتها وعزتها.
استطاعت حرب أكتوبر تغيير الكثير من النظريات فى العلوم العسكرية وأدت إلى تغيير الكثير من الإستراتيجيات والمفاهيم التى كانت سائدة قبلها، بسبب براعة الجندى المصرى فى تأدية المهام العسكرية بشكل أذهل كل الخبراء العسكريين فى ذلك الحين.
نجح الرئيس الراحل أنور السادات فى أن يكون نموذجا فى فن إدارة الحرب، وقبلها نجح فى تجهيز الجيش المصري، وحشد كل أبناء الشعب المصرى خلف قواته المسلحة، لتنتهى أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر إلى الأبد.
الآن يخوض الجيش المصرى أعظم ملحمة لتطهير أرض سيناء من دنس الإرهابيين فى إطار العملية الشاملة التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى لاجتثاث جذور الإرهاب من كل الأراضى المصرية.
الضربات الموجعة التى أصابت الإرهابيين فى مقتل منذ انطلاق العملية الشاملة، وآخرها إبادة الخلية الإرهابية بمنطقة الأميرية خلال الشهر الماضى جعلت الإرهابيين يفقدون صوابهم فى إطار محاولتهم الدنيئة لخطف الوطن، فقاموا بارتكاب جريمة غدر جديدة من جرائمهم المشيئة فى أيام شهر رمضان المعظم يوم الأربعاء الماضي.
غالبا فإن معدلات الجرائم الجنائية تنخفض فى شهر رمضان المعظم احتراما لهذا الشهر الفضيل، وتسجل دفاتر الأقسام والمراكز انخفاضها ملحوظا فى عدد الجرائم الجنائية التى يرتكبها المجرمون والقتلة والتشكيلات العصابية فى هذا الشهر، إلا أن الإرهابيين ولأنهم «أحقر» وأكثر «خسة» و«نذالة » من المجرمين الجنائيين العاديين فإنهم يختارون الشهر الفضيل لتنفيذ أعمالهم «القذرة» وبما يؤكد أن هؤلاء القتلة لا دين لهن ولاعقل.
مشكلة تلك العصابات الإرهابية أنها فاقدة العقل والحس الإنسانى معا، وتحولت إلى «كلاب نار مسعورة» لاتفرق بين رمضان وغير رمضان ، ولايشعرون إلا بلذة سفك الدماء وقتل الأبرياء وتدنيس المقدسات.
لو أعطت كلاب النار المسعورة «تلك لنفسها الفرصة مرة واحدة وأعادت التفكير فيما ترتكبة من جرائم إرهابية لتوقفت على الفور لأنها إلى زوال، وأنه إذا سقط شهيد من القوات المسلحة فسوف يظهر ألف بطل جديد، لأن الجيش المصرى هو جيش الشعب المصرى كله، ولايوجد بيت فى مصر إلا وله «ابن » أو «أب» أو «شقيق» داخل الجيش المصرى ، فهو جيش الــ 100 مليون مصرى، وهو الجيش التاسع عالميا الذى لن يتأثر من قريب أو بعيد بفعل خائن أو عميل أو مجرم.
الجيش المصرى هو واحد من أقدم جيوش العالم، ويمتد تاريخة إلى أكثر من 7 آلاف عام منذ عهد الفراعنة ، وقد سجل العديد من الأنتصارات العظيمة والفتوحات، ووصل إلى أوغندا وكان أول علم يتم رفعه هناك هو العلم المصرى فى عصر محمد علي.
ولأن الرئيس عبد الفتاح السيسى قائد عسكرى بارع ومواطن مصرى يحمل جينات الشعب المصرى فقد وضع أمامه مهمة تطوير وتحديث القوات المسلحة المصرية، ونجح فى أن يصل بها إلى المركز التاسع عالميا طبقا لتصنيف موقع «جلوبال فاير باور» العسكرى المتخصص فى تصنيف أقوى الجيوش العالمية.
أصبح الجيش المصرى الآن هو الجيش رقم تسعة على مستوى جيوش العالم متفوقا على إسرائيل وتركيا وإيران ويحل بعد الجيش البريطانى.
هذا التصنيف وهذه المكانة، التى يحتلها الجيش المصرى يزعج أهل الشر فى الداخل، وعواصم الغدر، فى الخارج، ويشترك الطرفان فى التآمر والغدر فى محاولة للنيل من عزيمة وإصرار الجيش المصري، إلا أن هذه المحاولات تذهب أدراج الرياح بفضل صمود وإيمان أبطال الجيش المصري.
بنظرة بسيطة على شهداء جريمة الغدر الأخيرة فى بئر العبد نجد أن كلا منهم من أسرة مصرية، ومن قرية أو مدينة ضمن محافظات مصر المختلفة.
هم شباب مصر وخيرة أبنائها، وهناك ملايين غيرهم ينتظرون دورهم فى الدفاع عن الأرض المصرية، ولايخشون الشهادة فى سبيل الحفاظ على ذرة واحدة من الأرض المصرية.
ربما كان مسلسل «الاختيار» وقبله فيلم «الممر» والإقبال الهائل عليهما من جموع الشعب المصرى مؤشرا لمكانة الجيش المصرى عند المصريين، ومدى ارتباط الشعب بقواته المسلحة، وهو ما أفقد عقل الذئاب المنفردة الباقية من الجماعات الإرهابية فتحاول أن تلفت الانتباه إليها حتى لو كانت عمليات يائسة ومجنونة.
أعتقد أن الشعب المصرى يعيش حالة شبيهة بتلك الحالة التى كان يعيشها فى العاشر من رمضان عام 1393 السادس من أكتوبر 1973، حينما كان ملتحما بقواته المسلحة فى حربها ضد العدوان الإسرائيلى.
الحرب على الإرهاب لاتقل خطورة عن مواجهة العدو الخارجى بل ربما يكون الإرهاب أسوأ بكثير من العدو الخارجي، ولعل ما يحدث فى اليمن وسوريا وليبيا والصومال وأفغانستان أكبر دليل على ذلك، بعد أن تحكمت الميليشيات الإرهابية فى مقدرات هذه البلاد وحولتها إلى مستنقع للحرب بالوكالة، وشردت المواطنين وحولتهم إلى لاجئين مشردين فى المخيمات وعلى أبواب وحدود الدول.
لكل ذلك يقف الشعب المصرى كله على قلب رجل واحد مع قواته المسلحة الباسلة فى حربها على الإرهاب حتى يتم إعلان النصر النهائى على تلك العصابات الإجرامية وتتحقق كل أهداف العملية الشاملة التى تقودها القوات المسلحة والشرطة المصرية ضد العناصر الإرهابية وتقطيع أوصالها وتجفيف منابعها إلى غير رجعة، ويتحقق النصر النهائى ــ كما تحقق نصر العاشر من رمضان السادس من أكتوبر ــ قريبا إن شاء الله.

Back to Top