«المولود المشوه» يغتال أحلام الفلسطينيين!
بقلم: عبدالمحسن سلامة
وسط انشغال العالم بمتابعة وباء كورونا وتداعياته ومشكلاته من المتوقع أن يخرج إلى العالم هذا الأسبوع «المولود المشوه» كما أطلقت عليه المحكمة العليا الإسرائيلية معلنة ميلاد حكومة إسرائيل الجديدة، وتشكيل حكومة برأسين، رئيس الوزراء بنيامين نيتانياهو، و«رئيس الوزراء البديل» بينى جانتس.
المحكمة العليا الإسرائيلية فتحت الطريق أمام تشكيل الحكومة الجديدة عندما رفضت الدعاوى الثمانى المقدمة إليها ضد الاتفاق الائتلافى بين بنيامين نيتانياهو وجانتس، وكذلك الدعاوى ضد السماح لرئيس الوزراء الحالى بنيامين نيتانياهو بتشكيل الحكومة فى ظل الاتهامات القائمة ضده بالفساد، إلا أنها فى الوقت نفسه وجهت سهام النقد لهذا الاتفاق الائتلافى، وأكدت أنه «يشبه مخلوقا مشوها ويثير إشكالات قانونية كبيرة».
فى الوقت ذاته وافق الرئيس الإسرائيلى رؤوفين ريفلين على منح بنيامين نيتانياهو تفويضا بتشكيل الحكومة بعد تلقيه عريضة موقعة من 72 نائبا تخول نيتانياهو القيام بهذه المهمة بمن فيهم حزب كحول لفان برئاسة بينى جانتس من أجل تشكيل حكومة طوارئ ووحدة وطنية لعرضها يوم الأربعاء المقبل، ليشغل بعدها نيتانياهو رئاسة الحكومة لمدة 18 شهرا قبل أن يتخلى عنها لمصلحة منافسه جانتس ليكمل باقى المدة المقررة للحكومة.
بهذا تنتهى حالة الشلل التى أصابت الحياة الإسرائيلية وأدت إلى إجراء تكرار الانتخابات البرلمانية 3 مرات دون أن يتم حسم المعركة الانتخابية لمصلحة أى من المنافسين نيتانياهو وجانتس، وهو ما أرغمهما على التفاوض والقبول بحكومة وحدة وطنية خشية الدخول إلى انتخابات رابعة جديدة فى أقل من العام.
الوضع السياسى المتذبذب فى إسرائيل أسهم فى زيادة التطرف ضد كل ما هو فلسطينى فى ظل حالة العداء السافرة التى يعلنها رئيس الحكومة بنيامين نيتانياهو ضد الحقوق الفلسطينية من خلال تصويب مهام الخيانة والتفريط لكل الأصوات المعتدلة داخل المجتمع الإسرائيلى، وساعده على ذلك التأييد المطلق للرئيس ترامب والإدارة الأمريكية له، وإعلان ترامب صفقة القرن المشوهة التى اغتالت كل الثوابت الأساسية للسلام العادل والدائم فى المنطقة، واغتالت معها كل الحقوق الفلسطينية التاريخية.
كان ترامب يريد إنقاذ نيتانياهو بهذه الصفقة ومن أجل أن يفوز بالانتخابات، لكن الفوز جاء بطعم الهزيمة، ولم يستطع نيتانياهو تحقيق فوز مريح، لكنه فى كل الأحوال أفلت من هزيمة كان من الممكن أن تطيح به وتنهى مسيرته كأطول رؤساء وزراء إسرائيل فى الحكم إلى السجن.
كان نيتانياهو خلال الانتخابات كالثور الجريح يطلق سهامه على كل من يحاول الاقتراب منه، وأصبح الهاجس الأمنى هو مصدر شرعيته الوحيد فى محاولة للتشويش على كل ما يثار ضده من اتهامات، ونجح نيتانياهو فى توجيه الانتخابات إلى حيث يريد، فأصبح الصراع هو صراعا على المزيد من الانقضاض على حقوق الفلسطينيين، وضم المزيد من الأراضى، وأطلق خلال الانتخابات وعوده بضم منطقة الأغوار التى تقع بمحاذاة الحدود الأردنية على مساحة 1.6 مليون دونم وتشكل 30% من مساحة الضفة، بالإضافة إلى شمال البحر الميت وأراضى المستوطنات فى الضفة.
أعتقد أن معركة ضم الأراضى الفلسطينية سوف تشتعل بعد انتهاء تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة والتى وصفتها المحكمة العليا الإسرائيلية بالمخلوق المشوه، وهذا المخلوق أو المولود المشوه سوف يتحول إلى كائن عدوانى مخيف على الحقوق الفلسطينية، وأعتقد أن نيتانياهو وجانتس سوف يتسابقان فى التهام المزيد من الأراضى الفلسطينية، وسوف يتسابقان أيضا فى إظهار النوايا العدوانية تجاه الفلسطينيين وحقوقهم بعد أن نجح نيتانياهو فى جذب جانتس إلى المربع نفسه الذى يراهن عليه نيتانياهو وهو الأمن أولا وأخيرا.
سيكون على الحكومة الإسرائيلية الجديدة اعتبارا من الأول من يوليو المقبل على أكثر تقدير أن تقرر ما إذا كانت ستمضى فى خطتها لضم مستوطنات الضفة ومنطقة غور الأردن أم لا.
المستوطنون استبقوا الزيارة المتوقعة لوزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو إلى إسرائيل يوم الثلاثاء المقبل، وأطلقوا حملة هاجموا فيها الإدارة الأمريكية واتهموها بأنها ترتكب أكبر عملية احتيال بالموافقة على ضم أراض من الضفة فى مقابل إقامة دولة فلسطينية.
هكذا يغالى المستوطنون من أجل الضغط على الحكومة الأمريكية لتقديم المزيد والمزيد من التسهيلات والضمانات إذا ما رغبت فى تنفيذ خطتها التى أعلنها الرئيس ترامب.
فى الوقت ذاته فقد صرح ديفيد فريدمان سفير أمريكا لدى إسرائيل بأن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تعترف بالسيادة الإسرائيلية على منطقة غور الأردن ومستوطنات الضفة خلال أسابيع.
على الجانب الآخر. فقد رفضت الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية فى اجتماعها الأخير الطارئ خلال الشهر الماضى عبر تقنية الفيديوكونفرانس برئاسة سلطنة عمان كل مخططات إسرائيل بضم أى جزء من الأراضى الفلسطينية المحتلة عام 1967، واعتبر بيان الجامعة العربية ذلك جريمة حرب جديدة تضاف إلى السجل الإسرائيلى الحافل بالجرائم الغاشمة بحق الشعب الفلسطينى.
وطالب المجلس الإدارة الأمريكية بالتراجع عن دعم مخططات الحكومة الإسرائيلية التى تهدف إلى ضم أجزاء من الأراضى الفلسطينية المحتلة، واعتبر ذلك تهديدا لكل فرص السلام المنشود فى المنطقة.
الموقف نفسه أكدته مجموعة الترويكا العربية فى نيويورك يوم الثلاثاء الماضى برئاسة سلطنة عمان خلال الاجتماع مع أنطونيو جوتيريش السكرتير العام للأمم المتحدة وخلال الاجتماع شدد الوفد العربى على عدم شرعية جميع تدابير الاستيطان والضم التى تنتهجها إسرائيل، باعتبارها السلطة المحتلة للأراضى الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية، وأدان البيان الصادر عن الاجتماع كل خطط إسرائيل لضم الأراضى الفلسطينية واعتبرت ذلك انتهاكا صارخا لاتفاقية جنيف الرابعة، ولقرارات الأمم المتحدة وميثاقها الذى يحظر الاستيلاء على أراضى الغير بالقوة.
من الواضح أن المزاج العام فى إسرائيل الآن يميل إلى التطرف والعدوانية الشديدة تجاه الحقوق الفلسطينية يغذيهم فى ذلك عدة عوامل داخلية وخارجية.
أبرز هذه العوامل هو التأييد اللا محدود للإدارة الأمريكية لكل المواقف الإسرائيلية مثلما حدث فى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وإعلان ترامب مبادرته التى اعترف فيها لإسرائيل بضم مساحات واسعة من الأراضى الفلسطينية.
ثانى هذه العوامل هو الانهيار الشديد الذى حدث فى المنطقة العربية منذ اندلاع الثورات العربية التى أصابت المنطقة العربية كلها فى مقتل وأدت إلى انهيار العديد من الدول مثل ليبيا وسوريا واليمن والعراق، وانشغال باقى الدول بمشكلاتها الداخلية نتيجة لما تعرضت له المنطقة من أحداث كادت تقضى على البقية المتبقية منها.
ثالث هذه العوامل هو «جائحة كورونا» التى اجتاحت العالم كله وأدت إلى خسائر اقتصادية هائلة لدول العالم، وأدت إلى المزيد من التباعد الاجتماعى العالمى فأصبحت كل دولة مشغولة بهمومها الداخلية أكثر من انشغالها بقضايا الآخرين.
هذه العوامل جميعها انعكست على السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، لكن يتبقى العنصر الأخطر، والأهم وهو الفلسطينيون أنفسهم، وللأسف فإن الفلسطينيين يعانون الانقسام والتشرذم منذ أكثر من 13 عاما، وتحديدا منذ 8 فبراير عام 2007 حينما انقسم الفلسطينيون إلى دولتين منفصلتين عمليا واحدة فى الضفة، والثانية فى غزة.
منذ هذا التاريخ الأسود تراجعت كل مكتسبات الشعب الفلسطينى، وأسهم الانقسام ولايزال فى تصدير صورة عكسية للمجتمع الدولى أضرت كثيرا بالقضية الفلسطينية.
كان من المتوقع أن تتحول صفقة ترامب إلى صدمة كهربائية عنيفة تسهم فى توحيدهم ولم شملهم بقيادة الرئيس الفلسطينى محمود عباس القيادة الشرعية الوحيدة للشعب الفلسطينى إلا أن جنرالات المصالح الفلسطينية وزعماء الشعارات فى غزة والذين يقبلون بالوساطة فى المعلن، ثم يقومون بإفشالها على أرض الواقع، وقفوا ولايزالون حجر عثرة فى سبيل لم الشمل الفلسطينى، وإعادة «اللحمة» إلى وحدتها الوطنية.
فى رأيى أن الانقسام الفلسطينى هو الأخطر على مصالح الشعب الفلسطينى من نيتانياهو أو جانتس، وبالتالى فإن المصالحة الوطنية هى بداية حل الأزمة، ولن تتحقق تلك المصالحة إلا بإخلاص النوايا، والتجاوب مع الجهود المصرية المخلصة لرأب الصدع بين الطرفين ليكون هناك صوت واحد للفلسطينيين، وتكون تلك هى البداية لمواجهة تبعات الأيام المقبلة الصعبة على القضية الفلسطينية، وإنهاء الذرائع بعدم وجود شريك فلسطينى قادر على إدارة ملف المفاوضات مع الإسرائيليين.